IMLebanon

من «يهدي» رفاق «محمد مهدي»؟

ينشغل «حزب الله» بتبرير ارتكاباته بحق بيئته في الدرجة الاولى موسميا. مواسم تزدهر ومواسم تخفت، وبين موسم وموسم، وبينما يتلهى اللبنانيون بقضايا أخرى، ثمة مصانع لا تتوقف آلاتها عن العمل. هي بذاتها من جُندت لأداء دورها في الحملات الترويجية الاستباقية، وجدت نفسها اليوم مضطرة للانكباب على تسويق التبريريات والحملات «المقزمة» لأي فضيحة (جريمة) تظهر إلى العلن، وهو ما لم تعتد على فعله اجهزة الحزب طيلة سنوات عملها، فالفوقية وفائض القوة في تعاطيها مع جمهورها اصطدما بواقع شعبي غاضب، لم يعد يخفي معارضته او انتقاده وصولا الى توجيه اللوم واتهام الحزب مباشرة بقتل الشباب والاطفال بعد عجز قواه العسكرية عن حسم المعارك.

كل شيء في الحزب يتداعى، ست سنوات من الحرب السورية، نخرت هيكله البشري على كافة المستويات، عجز لم يتوقف عن التغلغل منتقلا من شريحة الى اخرى، عناصره ومن ثم قياداته العليا وبعدها شبابه المدنيون وصولا الى اطفاله ومراهقيه، تحولوا الى جثث تكتظ مدافن بلداتهم بهم. وفيما تتراجع مستويات الحملات الترويجية والحشد الشعبي العام لتشجيع مناصري الحزب على الانضمام الى صفوفه العسكرية او حملات التبرع بالمال، تتصاعد حملات التبرير الارتدادية لاقتياد الشباب والاطفال والقاصرين بشكل خاص ومقتلهم على الارض السورية.

محمد مهدي حسان ابو حمدان او (هيثم رعد)، شكّل مقتله انطلاقة واضحة لعمليات «الترقيع» الفاشلة التي توالت على مواقع التواصل الاجتماعي بداية من حسابات حقيقية ووهمية ترثيه وتبرر مقتله. جحيم مقتله لم يتوقف عند مواراته في الثرى، لا بل تبعته عملية تطويق تصاعدية لموجة الاحتجاج العارمة. فبعد ايام قليلة على انتشار خبر مقتله وهو ما يزال قاصرا، عمد الحزب الى نشر صورة لرسالة وقعها والداه (بكل طيبة خاطر، كما جاء تحت امضاء الوالدة) يعلنان فيها موافقتهما على انخراط ولدهما الوحيد في «الجهاد» في سوريا، لينتشر بعدها بساعات قليلة ايضا فيديو يبث صوته وهو يودع والديه طالبا منهم وبصوت مرتبك عدم البكاء على فقدانه، مع خلفية موسيقية حزينة – كليشيه، وهي الخلفية التي تظهر عادة عند بث اي شريط لعنصر قتل في الحرب، اضافة لصور من طفولته ومراهقته، وينتهي الفيديو بأغنية كتبت ولحنت خصيصا له تعلن تمني شباب الحزب السير على خطاه. كذلك لم ينس القيمون على الامر نشر شريط مصور لنائب الحزب نوار الساحلي وهو يدلي بتصريحه خلال مجلس عزائه، مع تعبيره عن فائض هواجسه من «رغبة الكثير من المراهقين والاطفال في التعبئة التربوية في الذهاب الى جبهات القتال بعد مقتل أبو حمدان، وهو ما سيخلق مشكلة لدى الحزب الذي ليس بوارد تجنيد قاصرين».

اداة التبرير اكتملت باخراجها وتنفيذها وتسويقها، استنفدت كل طاقات مواقع التواصل الاجتماعي الى حدها الاقصى، واتى دور المنابر وكلام المسؤولين المباشر، المُمهد له باتقان وبالوثائق والوقائع. «شخصية مهمة جدا في الحزب» (كما كتب في دعوة حزب الله) التي وجهت الى وسائل الاعلام، للمرة الاولى ايضا، لتغطية ذكرى محمد التي اقيمت في حسينية تعلبايا قضاء زحلة «حيث سيصدر موقف سياسي مهم جدا». الشخصية المهمة هي نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، اما المواقف السياسية المهمة فقد بنيت في مجملها على شيطنة اللبنانيين كافة وشتمهم، شيطنة عاداتهم وحبهم للحياة، شيطنة تربيتهم وحريتهم وخوف اهلهم عليهم وعلى مستقبلهم، شيطنة انجابهم ان لم ينجبوا ليجاهدوا، شيطنة كل من يسعى للحياة بدل الموت. بدا قاسم بنبرته العالية، ببساطة مروجا للموت، اكثر منه مخاطبا، ومعيبا الحياة على كل من يفكر الاستمرار فيها، اكثر منه متأثرا بالتسبب المباشر بمقتل قاصر ووحيد لدى اهله. لتتحول ذكرى ابو حمدان لحفلة تبرير ومفاخرة وتوزيع الاتهامات ودروس التربية «الصالحة» (التي لا تخرج عن اطار القتل).

بالطبع استغل قاسم جميع الدلائل التي سبقت اطلالته بنجاح منقطع النظير، «أمام إلحاح المجاهدين، وإلحاح الآباء والامهات الذين لديهم افراد وحيدون، قررنا انه اذا وافق الاب ووافقت الام بكتاب خطي يمكن للوحيد ان يذهب ليقاتل»، مضيفا «محمد مهدي تسلل بالعشق الالهي الى شهادة العز ترفعه الى الله تعالى شهيداً»، واصفا «الدعاية التي يحاول البعض ان يثيرها وكأننا نأخذ الاطفال الى المعركة» بـ «الحرب النفسية الفاشلة»، ليصل قاسم الى ذروة اجتهاداته «اذا استفدنا من طاقات الشباب في طاعة الله وفي الصلاح كان قويا في الطاعة كما يكون قويا في المعصية اذا لم نستطع ان نرشده بطريقة صحيحة، وتربيتكم انجبت فساداً وهزيمة اما تربيتنا رفعت مقامنا ليكون الحق خفاقاً ويكون المؤمن عزيزاً، وتربيتكم عممت الاحباط واليأس واخذتنا الى المذلة بتبريرات كثيرة»، مستكملا التبرير وسط «هز رأس» الحاضرين «الدليل على ذلك كثير من الشباب في العالم في هذه السن، يدور في الملاهي والمراقص والمخدرات والاعمال المنكرة والانحرافات المختلفة».

«حزب الله» يكره الفرح، يكره الموسيقى، لا يرضيه سوى الموت. يشجع المراهقين عليه صراحة، بترويجه لقضايا لا علاقة لهم بها، يصادر الفرح، وآخر ما تبقى لهم. هم الذين لا صلة لهم بالحرب وبالمشاريع الكونية والسياسات العدائية لا من قريب ولا من بعيد. بدأ حشد القاصرين وتطويعهم، وبدأت جثامينهم تعبر الحدود في صناديقه الصفراء، محمد حسين علي الهق، وبعده بأيام قليلة محمد مهدي ابو حمدان، و…. تكثر الاسماء السابقة لهم. يردد قاسم في كلمته «في نظر الناس ان هذا الولد هو وحيد لوالديه اتركوه لوالديه، يعني لو مات بطرق أخرى لكان الناس يرضون، لكن ان يذهب الى الجهاد فهذه فيها نقطة ضعف وعلامة استفهام». لا يكتفي قاسم بتبرير موت الطفل، لا بل يطلب من الناس شكر الحزب على موته، والاقتداء به.