IMLebanon

من قال إن النسبية تؤمّن المناصفة وحقوق المسيحيين؟

الكلام على النسبية وقانون انتخاب يستند اليها، بات رائجاً هذه الايام، وهي أصبحت بعدما طالبت بها مجموعات الحراك المدني وكأنها كلام منزل من السماء ولا تحتاج سوى الى اعتمادها. وما كان ينقص سوى تبنّي “التيار الوطني الحر” لعنوان النسبية لكي تكتمل حلقة المصفقين لهذا الخيار، الذي وإن كان يوحي بالحداثة والعصرية إلا ان لا شيء يضمن أنه يحقق تمثيل التعددية اللبنانية بصورة عادلة، وخصوصاً المسيحيين والاقليات الأخرى التي تجد نفسها دائماً مجبرة على تقديم التنازلات وعلى حسابها من أجل ارضاء الاطراف الآخرين.

ذات يوم قال البطريرك الماروني السابق مار نصرالله بطرس صفير: “الدستور أعطانا 64 نائباً ونريد 64 نائباً”. والمفارقة ان المسيحيين لا ينتخبون نصف نوابهم بل يفرضون عليهم فرضاً، وهذا الكلام يتم تداوله على نطاق واسع وفي محافل مسيحية مارونية وارثوذكسية وكاثوليكية، ترى ان مشاريع قوانين النسبية المطروحة، لا تؤمن الحد الادنى من المناصفة وحقوق الجماعات اللبنانية المهضومة وخصوصاً المسيحيين. ويقول الحقوقي وائل خير، ان النسبية والنتائج الناجمة عنها سوف تزيد الشرخ بين اللبنانيين وتؤدي الى مزيد من الانقسامات وتعطل آليات العمل الاداري الحكومي، بدليل ما يجري في اسرائيل التي تعتمد النسبية في انتخاباتها النيابية ما يؤدي الى عرقلة تشكيل الحكومات الاسرائيلية وانفراط عقدها عند اول خلاف واستقالة أي وزير عضو في الائتلاف الحاكم، بحيث يتعين على رئيس الوزراء او زعيم الأكثرية النيابية مراضاة أصغر الاحزاب والاستجابة لمطالبها المتطرفة في غالب الأحيان من أجل تأمين استمرار حكومته.

اضافة الى هذا المعطى، يدور نقاش في محافل مسيحية ودوائر جامعية متخصصة وجمعيات حول اقتراحات مشاريع قوانين الانتخابات النسبية في لبنان، لجهة التقسيمات الادارية التي ستعتمد فيها، وهل يكون لبنان دائرة واحدة كما يطالب الرئيس نبيه بري والاحزاب اليسارية المحسوبة على 8 آذار، بهدف تأمين وصول ممثلين عن الاحزاب والجمعيات الضعيفة النفوذ على مستوى الطوائف، أم تعتمد الدوائر الوسطى في هذه الانتخابات، ومنها مشروع القانون الذي اتفق عليه “المستقبل” و”التقدمي” و”القوات” والذي يخدم تالياً مصالح هذه الاحزاب ويقصي الاحزاب الاخرى. أم يعتمد مشروع التقسيمات الذي اقترحه الرئيس بري، او ذلك الذي اقترحه النائب العماد ميشال عون، مع ما يعنيه ذلك من حسم للنتائج لمصلحة قوى معينة. وأيضاً لجهة اعتماد التقسيم الوارد في المشروع الذي اعدته الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب، والذي يقول فيه المحامي انطوان سعد ان تأثير الناخب المسلم المباشر متفوق بنسبة 65 في المئة تقريباً، ما يعني انه يمكن المسيحيين نظرياً انتخاب 47 نائباً حداً اقصى، في حين انهم لا يستطيعون عملياً انتخاب اكثر من 43 نائباً من أصل 64 نائباً خصصها لهم الدستور.

ويشرح سعد نظريته بأن قدرة الناخب المسيحي الصافية، في حال اعتماد النسبية مع تقسيمات قانون 1960، على إيصال مرشحين من دون أي تأثير حاسم للناخب المسلم، لن تتجاوز 26 نائباً (77 نائباً منهم 39 مسيحياً) على أساس القضاء، ولن تكون اكثر من 17 من أصل 25 نائباً مسيحياً على أساس المحافظة، من بين 51 نائباً تكون على أساس النسبية. وتالياً القدرة الصافية للمسيحيين على إيصال نوابهم مقتصرة على 43 نائباً من أصل 128، ويخسرون 21 نائباً، ما يعيد الامور الى المربع الاول والى الشكوى عينها لدى المسيحيين من عدم احترام المناصفة ومبدأ الشراكة. وهكذا يخسر الارثوذكس مقاعد تمثيلية في طرابلس وعكار ومرجعيون وعاليه، اضافة الى مقاعد يخسرها الموارنة في عكار وطرابلس وزغرتا وبشري

والبترون.

المثير في الأمر ان جميع الاحزاب تصفق للنسبية، التي يقول عنها الحقوقي خير أنها لم تعد مطروحة على مستوى المجتمعات المتقدمة نظراً الى شموليتها، وهي تخلت أو أخلت مكانها تدريجاً لقانون الانتخاب الذي يستند الى الدائرة الفردية ويعزز محاسبة النائب ويضعه وجهاً لوجه أمام ناخبيه ويمكّنهم من محاسبته كل مدة من دون وجود أي وسيط حزبي، وتالياً لا شيء يحول دون اعتماد الدائرة الصغيرة ونظام الصوت الواحد (One man one vote).