IMLebanon

لماذا غاب جنبلاط… ونصائح لعون بعدم «تكبير الحجر» والحريري يدير «لعبة» ابقاء «الستين»

حتى الان الرئيس سعد الحريري، «مايسترو» الدفاع عن قانون الستين يعمل وراء الكواليس، ولن يورط نفسه في تحمل وزر «غسل يديه» من بيان حكومته الوزاري، لكنه يستمر في الرهان على غيره لاجهاض ولادة قانون جديد، هذه خلاصة باتت معروفة من قبل الجميع، لكن هل من سبيل لاحراج رئيس الحكومة لاخراجه من «الظلمة» الى «النور» كما فعل قبله النائب وليد جنبلاط؟ وهل من اداة فاعلة لدفعه جديا للتخلي عن تمسكه بالقانون الساري المفعول؟

اوساط سياسية بارزة في 8 آذار، تعتقد ان المشكلة المركزية التي تحول دون شعور الحريري وجنبلاط «بالسخن» جراء «الصراخ العالي» الذي يصدر من كل حدب وصوب حول رفض الابقاء على القانون الحالي باعتباره اولى «نكسات العهد»، ان كل التلويح «بالثبور» و«عظائم الامور» تبقى تهديدات «دون اسنان»، «وعض الاصابع» في هذا السياق قد يؤلم لكنه لن يتسبب بقطع الاصابع، بمعنى آخر، يدرك تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي ان الطرف الاخر لن يتسبب بازمة سلطة او يهدد الاستقرار الداخلي في أجل قانون انتخاب قائم يستفيد منه الجميع ويحقق لهم مبتغاهم، لجهة الابقاء على «الهيمنة» كل في منطقته وفي طائفته، ومن هنا فان ما يقال عن «انتفاضة» لدى القوى السياسية التي تعلن تمسكها بضرورة بولادة قانون جديد، يعتبره الحريري وجنبلاط جزءا من «مسرحية» ستستفيد منه تلك القوى في الانتخابات المقبلة حيث ستخوض الاستحقاق تحت شعار هزيمة القوى «الرجعية» التي تريد منع حصول اللبنانيين على قانون عصري يؤمن اوسع تمثيل.

وبرأي اوساط مسيحية ناشطة على خط بعبدا، فان عدم ترؤس جنبلاط لوفد «اللقاء الديمقراطي» الذي زار القصر الرئاسي بالامس، يأتي في هذا السياق، وهي تراه «دعسة ناقصة» في غير مكانها، فالتحجج بالمخاطر الامنية ليست عذرا كافيا لغياب «البيك» عن جلسة كان يفترض ان تكون على قدر كبير من الاهمية بعد ساعات على خطاب الرئيس عون امام البعثات الدبلوماسية والذي حاول من خلاله بعث رسائل» طمأنة الى كافة الاطراف حول حفظ دورها ومكانتها، ما يعني بوضوح الذهاب الى تفاهمات انتخابية جديدة مع جنبلاط  تعزز حصته النيابية، لكن الحصاد في هذا الاطار ومهما كان وفيراً، سيضر من وجهة نظر «البيك»بحضوره السياسي، وينقله من موقع المقرر الى موقع «شراكة» لا يريدها لانه تؤدي الى ذوبانه، وهو يأبى ان يورث نجله تيمور عبئا مماثلا، ولذلك اختار «زعيم» المختارة ان لا يحضر لمناقشة هواجسه ويضعها على «الطاولة» مع رئيس الجمهورية كي لا يطالب بمواقف حاسمة، غيابه عن جلسة بعبدا يسمح له بهامش جديد «للمناورة»، فهو يرغب في المماطلة «واللعب على الوقت»، ويدرك جيدا ان هذا الامر في صالحه، ومع اقتراب موعد شباط الحاسم ستصبح الانتخابات وفق قانون الستين امرا واقعا لا مفر منه، ووفقا لحسابات «البيك» فان العهد في نهاية المطاف قد «يهضم» بصعوبة شديدة بقاء الوضع على حاله ، لكنه غير قادر على «بلع» التمديد للمجلس النيابي العتيد، وبين «الكحل» و«العمى» سيختار رئيس الجمهورية الخيار الاول «مكرها اخاك لا بطل»…

ومن هنا، وتحت عنوان حفظ حقوق الدروز وحمايتهم كاقلية في البلاد والمنطقة، يخوض جنبلاط معركته بسقف طائفي مرتفع، مع علمه انه لم يعد يمون على اي درزي خارج الحدود، ومنافسيه في لبنان حققوا تقدما غير كاف لجعله يقلق، وانما باتت لهم حيثيتهم..لكنه يدرك انه «شعار» رابح تصعب مقاومته من قبل الاطراف الاخرى… اما بالنسبة الى الحريري فلديه معاركه الجانبية ويرغب في خوضها «داخل البيت» همه الاكبر رد «الصفعة »للوزير «المنشق» اشرف ريفي، واعادة «رص صفوف» تياره، ولذلك فهو يريد من الاخرين ان يتفهموا اولوياته ولو لمرة واحدة، لان بناء الدولة مسيرة طويلة ويجب ان تتم بسرعة مقبولة بعيدا عن التسرع الذي قد يتسبب بتراجع حصته النيابية في توقيت يراه خاطئا، خصوصا انه سيكون امام معادلة صعبة في اي قانون جديد سيفرض عليه التخلي عن «الهيمنة» على المقاعد المسيحية في اغلب المناطق، فيما التنافس على النواب السنة محفوف بالمخاطر، ويفضل «تجريب المجرب» وعدم الدخول في تجربة جديدة غير مضمونة النتائج… اما قول «المستقبل» النسبية لا تتناسب اطلاقا مع سلاح حزب الله «غير الشرعي»، فليس الا «ذر للرماد» في العيون، و«نكتة سمجة» لانها لا تجيب عن سؤال مركزي يتعلق بكيفة تاثير السلاح على الانتخابات في القانون النسبي وعدم تأثيره في النظام الاكثري؟

وفي هذا السياق، تعتقد اوساط «تيار المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي، ان لديها الجهوزية الكاملة للمواجهة والصدام، لكن الطرف الاخر لن يذهب بعيدا في المواجهة، فالتهديد بالتظاهر والشارع من قبل التيار الوطني الحر، جزء من تعبير «ديموقراطي» لا يمكن ان يغير من المعادلة شيئا، بعد ثلاث سنوات من الجدل البيزنطي حول 17 مشروع قانون لم يبصر اي منهم النور، في ظل تعارض مصالح القوى السياسية، وفي ظل قرار ضمني بان لا يتم فرض قانون فرضا على احد وان يصدر «توافقيا»، ويبقى «السلاح» الفعال «المعطل» الذي تستطيع تلك القوى استخدامه للضغط على تيار المستقبل بشكل خاص، «التلويح» الجدي بالانسحاب من الحكومة، وتكرار سيناريو سبق وحدث قبل اعوام عندما كان الحريري في البيت الابيض، وهذا قرار خطير للغاية سيهدد الاستقرار في البلاد، ويعتقد «التيار الازرق» كما جنبلاط ان الفريق الاخر لن يلجأ الى خطوة مماثلة في ظل المناخات الداخلية والاقليمية الراهنة… وهذا ما يجعل رئيس الحكومة مطمئنا وغير آبه بكل التهديد والوعيد من حوله…

وبرأي اوساط سياسية مطلعة، فان هذه الانطباعات تأتي ايضا من المواقف المتناقضة الصادرة عن التيار الوطني الحر، فمن جهة يخرج رئيس التيار جبران باسيل بمطالعة سياسية ومعادلة جديدة تضع قانون الانتخابات الجديد مقابل الطائف، ويتحدث «المتطرفون» عن ضربة موجعة لهيبة العهد، وعن قرار ضمني لدى الجهات التي اجبرت على انتخاب عون رئيسا، لافراغ عهده واجهاضه، وهذا يحتم الذهاب بالمواجهة الى نهاية الخط مهما كانت النتائج… ومن جهة اخرى تبدو مرجعيات اساسية في «التيار البرتقالي» اقل حماسة لخوض معركة القانون الجديد، وفي الغرف المغلقة تتلطى وراء «تفاهم معراب» الذي سيضمن استعادة عدد كبير من النواب المسيحيين «المصادرين» من «تيار المستقبل» ومن الحزب التقدمي الاشتراكي، ويتحدث هؤلاء عن استحالة الاقدام على خطوة الاستقالة من الحكومة، وعودة البلاد مجددا الى مرحلة الفراغ السياسي، اولا لانها ستضر بصورة العهد وتشله، وهي كمن يطلق «الرصاص على رجله»، وثانيا لان «الثنائي الشيعي» وخصوصا حزب الله لن يقبل بمغامرة مماثلة في توقيت اقليمي دقيق…

وفي نهاية المطاف، تبدو ادوات «المعركة» الجدية غير متوافرة، الا اذا قرر الرئيس عون «قلب الطاولة» على رئيس الحكومة، وهو امر لا يزال مستبعدا، ولذلك لا يجد الحريري ما يبرر تخليه مع حليفه «الجنبلاطي» عن مصالحهما السياسية، ومن هنا بدأت بعض الشخصيات الوازنة في محيط الرئيس تنصحه بعدم «تكبير الحجر»، والتعامل مع واقع ان «يداً واحدة» لا يمكنها «التصفيق، وبالتالي عدم تحميل العهد ما يتجاوز قدراته…