IMLebanon

لماذا أصبحت الموازنة فجأة قصة«حياة أو موت»؟

أنطوان فرح

فجأة، احتلّ مشروع اصدار موازنة عامة للسنة المالية 2017 صدارة الاهتمامات الرسمية. ورغم ان وجود موازنة هو أمر اساسي وحيوي، ومطلب داخلي وخارجي، الا أن البعض يخشى ان يتحول المشروع، وعلى الطريقة اللبنانية، الى أزمة سياسية اضافية، بدلا من أن يكون حجر الأساس لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية.

ماذا أصبح اصدار موازنة عامة أمراً ملحاً جداً الى حد تهديد مجموعة من الوزراء بمقاطعة اعمال مجلس الوزراء في حال لم يتم اصدار هذه الموازنة ضمن مهلة زمنية محددة؟ ولماذا قد يوافق رئيس مجلس النواب نبيه بري على تجاوز مجلس النواب، واصدار الموازنة من خلال الحكومة في حال تعذّر صدورها بالطريقة الكلاسيكية من ساحة النجمة؟

ولماذا تجاوزت الأطراف (باستثناء التيار الوطني الحر) التي كانت ترفض صدور اي موازنة عامة قبل انجاز قطع الحساب على السنوات الماضية، وتحديدا قبل اتمام عملية «تشريع» ما يُعرف بالـ11 مليار دولار، هذه النظرية ووافقت على وضع نقطة على السطر، وانجاز موازنة للعام 2017؟

هناك مجموعة من التطورات والاستحقاقات استجدت وباتت تحتّم وضع حد لتسيير شؤون الدولة المالية والاستثمارية بالطريقة الاثني عشرية زائد اضافات سنوية، يجري تشريعها بطرق عدة، من خلال المجلس النيابي. هذه التطورات تشمل الامور التالية:

اولا- الزيارات المتكرّرة لوفود مالية دولية، ولمبعوثي وكالات التصنيف الدولية الى مراكز القرار المالي في لبنان، كل هذه الوفود أجمعت على ان غياب الموازنة ثغرة لا يمكن تجاهلها، وبالتالي، لا يمكن تحاشي خفض التصنيف، او خفض مستوى التعاون الدولي المالي من دون سد هذه الثغرة.

ثانيا – صدرت في الفترة الأخيرة مؤشرات سلبية من وكالات التصنيف الائتماني. وقد وصلت مستويات التصنيف للشركات العالمية الثلاث الكبرى، «موديز»، «ستاندردز اند بورز» و«فيتش»، الى قعر التصنيف الذي يسبق الهبوط الاضطراري الى مرحلة التالية.

وقد تدرّج خفض التصنيف خلال السنوات الماضية، لكنه بقي ضمن خانة «مخاطرة». اليوم سيكون أي خفض جديد هو في اتجاه خانة الـC (مخاطرة عالية) وليس الـB.

ولا بد من الاشارة هنا، الى ان اي خفض اضافي في التصنيف، سيؤدي الى زيادة في اسعار الفوائد، الامر الذي سيزيد الضغط على المالية العامة، لجهة زيادة الانفاق على فوائد الدين العام، وعلى المواطن الذي تشير الاحصاءات الى ان نصف مدخوله يذهب لتسديد قروض، بما يعني ايضا زيادة اسعار الفوائد على هذه القروض، والتهام المزيد من المدخول الفردي للمواطن اللبناني.

ثالثا – ان مستويات الانفاق من جهة، والايرادات من جهة ثانية، تُظهر أن وضع المالية العامة يتجه نحو المزيد من التأزّم. الانفاق يرتفع باضطراد، والايرادات تتراجع سنويا، والفجوة تكبر، بحيث وصل العجز في 2015 الى حوالي اربعة مليارات دولار، وهو رقم قياسي جديد تسجله المالية العامة. والمؤشرات تدل على ان هذا الرقم المخيف اقتصادياً، سيكون أعلى في نهاية 2016. كذلك فان مستوى خفض الايرادات سيكون اكبر هو الآخر في نهاية العام الحالي.

رابعا – ان الارقام التي تؤشر الى الاداء العام في الدورة الاقتصادية تتراجع بدورها. هذا التراجع بات يشمل كل القطاعات، بما فيها القطاع المصرفي، الذي شهد تقهقراً في نمو الودائع. وتشير تقديرات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى ان هذا النمو سيكون في حدود الـ5 في المئة العام 2016.

ولا بد من التذكير هنا بأن لبنان ينجح في الاقتراض بأسعار فوائد متدنية مقارنة مع تصنيفه الائتماني بفضل استخدام الفائض المالي في المصارف في عملية تمويل العجز الحكومي، وأي خلل في عملية التمويل الذاتي، من خلال انخفاض نمو الودائع، سيؤدّي الى اضطرار الحكومة الى الاقتراض من الاسواق العالمية، الامر الذي سيرفع أسعار الفوائد الى مستويات لن يصمد الاقتصاد اللبناني في مواجهتها طويلاً. جدير بالذكر ان معدل اسعار الفوائد على الدين العام حاليا تقارب الـ6.7 في المئة كسعر وسطي على سندات الليرة والدولار.

خامسا – ان قسما من المساعدات الدولية التي قد تستفيد منها مالية الدولة في اطار دعم البلدان المستضيفة للنزوح السوري، قد لا يصل الى الخزينة، أو يسلك دروباً اخرى، أي ليس من خلال الأقنية المالية الرسمية، بسبب غياب الموازنة العامة في البلد.

هذه التطورات هي التي تدفع حاليا في اتجاه الضغط لاصدار موازنة. وتحتاج الدولة الى «تشريع» وضعها المالي امام المحافل المالية الدولية، كما تحتاج الى زيادة الايرادات لتخفيف الفجوة بين المداخيل والانفاق.

هذا الأمر لا يمكن أن يتم سوى من خلال موازنة تسمح بتمرير رسوم وضرائب جديدة. والبعض يعتبر ان إصدار الموازنة من قِبل الحكومة وليس من قِبل المجلس النيابي، قد يكون مُريحاً سياسياً في هذا الظرف للجميع، لأن تفاصيل الموازنة لن تكون شعبية كثيرا، وستُحمّل المواطنين المزيد من الاعباء، وبالتالي، ستكون الحكومة في الواجهة، وليس المجلس النيابي.