IMLebanon

زحلة المعتادة على «كسر العظم» تخوض أمهات المعارك

نادراً ما تجد في تاريخ الانتخابات النيابية أو البلدية هدوءاً أو خمولاً في مدينة زحلة. فعروس البقاع بما تمثله وبموقعها، ليس ككبرى المدن البقاعية، بل أيضاً برمزيتها العائلية والدينية، كعاصمة الكثلكة، والحزبية والسياسية، تتنطح دائماً لأمهات المعارك في المحافظة المتروكة هناك في قلب لبنان.

ودائماً ما تختلط في زحلة مجمل الاعتبارات من السياسة إلى العائلة إلى الحزب، وطبعاً المال، في وقت كانت المدينة تعتبر «مقبرة الأحزاب»، وهي مقولة سقطت مع الاستحقاقات السابقة وليس أولها الانتخابات النيابية الأخيرة التي شهدت أقسى المعارك. معارك غالباً ما خرج المجتمع المدني والمنظمات الدولية التي تراقب مجريات الانتخابات فيها، وكذلك الإعلام، بتقارير تتحدّث عن المالي السياسي الذي يلعب فوق قرميدها وأزقتها في الأحياء القديمة كما في ساحاتها والأحياء التي تمدّدت إليها.

واليوم مع فشل التوافق في زحلة، تتّجه المدينة نحو معركة حامية الوطيس، تبدو عناصرها قد نضجت كما أدواتها، مما أطلق الإشارة الخضراء لبدء التنافس وعقد التحالفات العلنية أو السرية منها.

فعلى الصعيد العائلي، هي التحدّي الأول لبيت سكاف بعد رحيل النائب الياس سكاف، واستمرار زوجته ميريام في خطه. إذن هي معركة استمرارية البيت السكافي، وإن كان هناك من أولاد العم مَن يرى أحقية في الاستمرار خارج التوريث ضمن البيت الواحد (من الزوج إلى الزوجة).

وحزبياً، يسعى تحالف «تفاهم معراب» بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية ومع انضمام الكتائب إلى التفاهم في زحلة، إلى طبع المدينة بالسياسة البحتة بعيداً عن البيت السكافي والنائب نقولا فتوش، ابن المدينة. فتوش نفسه يسعى لتأكيد حضوره مع أشقائه في وجه «الفيتو» القواتي عليه، وفي ظل استحالة التحالف مع سكاف، على خلفية منافسة «كسر العظم» التاريخية بينهما.

وعليه، استقرّ المشهد الزحلاوي اليوم كالآتي: لائحة الكتلة الشعبية التي تشكلها سكاف، تحت عنوان «الوفاء لروح الوزير الراحل الياس سكاف»، لائحة «إنماء زحلة» برئاسة المهندس أسعد زغيب المدعومة من «القوات» و «التيار»، ولائحة فتوش برئاسة شقيقه موسى.

يؤشر تعدّد اللوائح الى أن طرح التوافق لم يكن جدياً. فمنذ اللحظة الأولى لدعوة الهيئات الناخبة راجت مفردات التحدي عند مختلف الأطراف الزحلاوية، في وقت يعتبر بعض الأحزاب ان «لا معركة في زحلة، لأن ذلك يستدعي وجود قوتين متنافستين، بينما الأرض هي للأحزاب بالكامل»، وفق مصدر حزبي.

وبدأت مؤشرات سقوط التوافق مع مسارعة القوات اللبنانية إلى احتضان زغيب، رئيس البلدية السابق، وهو ما اعتبرته سكاف من «المحرّمات»، فيما تعتبر القوات أن مطالبة الكتلة الشعبية بعشرة مقاعد في المجلس البلدي، من أصل 22 مقعداً غير قابل للبحث من أساسه.

وتمكّنت القوات التي تولي معركة زحلة أهمية كبيرة وفق خطابات معراب، من إقناع التيار الوطني الحر بالمضي في تبني زغيب. التيار حصل على مقعد نائب رئيس البلدية المهندس أنطوان أبو يونس، من دون الدخول، وفق ما أشيع، في موضوع الحصص في المجلس.

ورشح عن الغداء الذي ضمّ المطران عصام درويش ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل في كاتدرائية سيدة النجاة في زحلة، وبحضور مرشح القوات والتيار أسعد زغيب، انضمام الكتائب إلى داعمي اللائحة، وهو ما يتحدّث عنه المطران درويش بارتياح كبير.

وكان للقاء ميريام سكاف برئيس القوات سمير جعجع في معراب أن يقطع خيوط التوافق الأخيرة بعدما بادر جعجع إلى الحديث عن زغيب، فاعتبرت سكاف أن الاسم مستفز ولا يصلح للتوافق.

وردّت معراب بالإيعاز لمناصريها والحزبيين بإكمال الحراك البلدي كما هو مرسوم الى جانب لائحة زغيب، وإبلاغ سكاف أن العرض القواتي للتوافق معها يقضي بإعطائها خمسة مقاعد فقط.

بدوره، وخلال إعلان لائحته، أكد زغيب أن للأحزاب الداعمة ابناءً من زحلة، وغير مستوردين، رافضاً تصويرها (أي الأحزاب) بأنها من خارج النسيج الزحلاوي.

وردّت سكاف بإعلانها قبول التحدي في ما اعتبرته «الانتصار لكرامة زحلة»، مؤكدة سيرها في معركة «كسر العظم»، واتهمتهم بمحاولة إقفال البيت السكافي.

في موازاة الصراع الدائر بين مريام سكاف والأحزاب، كانت زحلة تنشغل بصراع آخر يدور بين فتوش والقوات اللبنانية، بعدما وضعت الأخيرة «فيتو» على أي تعاون بلدي مع فتوش، وجاراها حليفها البرتقالي في موقفها. وردّ فتوش بإعلان تسمية موسى فتوش رئيساً للائحة بلدية مكتملة، وهو إعلان يحمل الكثير من مؤشرات المعركة الطاحنة تؤكد فيه العائلة حضورها في المدينة في وجه خصومها وحليفها السابق التيار الوطني الحر.

مع اكتمال الصورة الحزبية والسياسية المسيحية في زحلة، تتوجه الأنظار الى موقف «بلوكَي» الأصوات الشيعية والسنية في زحلة المدينة واللذين يصلان إلى 20 في المئة من نحو 11 الف ناخب. وإذا كان تيار المستقبل قد حسم توجّهه الى جانب سكاف، ومرشحه في لائحتها عن المقعد السني في المجلس البلدي (سيكون من حوش الأمراء)، ينسحب الامر نفسه على توجّه حركة أمل المؤيد للائحة الكتلة الشعبية، حسب مصدر في الحركة أكد لـ «السفير» أن الإعلان الرسمي عن هذا الدعم سيكون خلال يومين.

أما حزب الله «المُحرَج» في معركة زحلة في ظل توزع حلفائه على ثلاث لوائح متصارعة، لا زال يتخذ موقف الحياد حتى الآن بانتظار بلورة كامل الصورة الانتخابية في المدينة.