IMLebanon

ريفي من جنيف: لنجعل من معاني الإنسانية ميزانا لحل نزاعاتنا

ashraf-rifi-new-1

نبه وزير العدل اللواء أشرف ريفي إلى المخاطر “التي تحدق بالبشرية اليوم بفعل الأحداث الأليمة التي يعيشها العالم في أكثر من موقع ومكان”، وإلى ان “العالم مشرف على مرحلة دقيقة وإستثنائية تتطلب وعيا وجدية في التعاطي مع الأحداث، فالإرهاب لم يوفر أحدا، وفروعه صارت حاضرة على كل صعيد، ممارسته لم تعد حكرا على المنظمات الخارجة عن القانون، بل باتت منهجا لبعض الأنظمة الرافضة للحوار والحاقدة على الإنسانية”، معتبرا “ان المشهد القاتم الذي نشهده اليوم هو نتيجة طبيعية، لإنعدام ثقافة الحوار الإنساني ولإنقطاع التواصل بين الناس”.

ورأى أنه بالرغم من “ان طبول الحرب تقرع وجحافل الموت تسير وكأنها أفرغت من روحها”، فإن الأمر لا يزال قائما “فلنطلق إشارة العودة الى الحياة الإنسانية ولنجعل من معاني الإنسانية ميثاقا يحكم علاقاتنا وميزانا لحل نزاعاتنا”، واضاف: “تعالوا نملأ الساحات حبا بالسلام بدلا من آلات القتل الهدامة، تعالوا نرفع سويا راية بيضاء مليئة بالتسامح بدلا من رايات الموت التي ترفرف كل يوم على جثث الأبرياء، تذكروا أن الله خلقنا لنكون كائنات للحياة لا للموت، خلقنا لنكون دعاة للسلام لا للعنف”.

كلام ريفي جاء في محاضرة بعنوان “الحوار الإنساني، رؤية أمنية وقضائية”، ألقاها ضمن فعاليات المؤتمر الدولي “الاعلام وثقافة الحوار الانساني”، الذي ينظمه “المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والاعلام، في جامعة جنيف في سويسرا.

وبدأ ريفي محاضرته قائلا: حين يقارب المرء قضية ما، من منظار أمني، فهذا يعني، أن يتمحص في صدق الرواية ويتثبت من دقتها ومخاطرها وإرتداداتها على أمن الوطن، وفي هذه الحالة يتقدم الهاجس الأمني على أي إعتبار آخر.

حين ينظر المرء إلى هذه القضية من منظار عدلي قضائي، فهذا يعني أن يبحث عن الدليل والقناعة وصولا الى الحكم، أي أن ينظر بعين العدالة، أن يضع الميزان ويرجح الكفة في حضرة الضمير الذي يجسد حالة الرقابة الذاتية على النفس “الأمارة بالسوء” والعقل “المؤمن بالمنطق”.

حين يقارب المرء نفس القضية بمنظار المحاور المؤمن بالحوار كوسيلة لحل النزاعات، فهذا يعني أن يطلق العنان لقدراته في الإقناع ولحنكته في التحكم بالحوار بحيث يحيد بها عن مطبات النقاش ويوجهها في المسار الذي يخدم أهدافه، ويسود بين المتحاورين صراع ناعم في مظهره وإن كان قاسيا في جوهره، وغالبا ما يعكس موقف كل طرف على طاولة الحوار، حين يرمي لحل نزاعات مسلحة، نتائج الميدان، فيجلس القوي وكأنه صاحب الحجة العليا، في حين يضطر الضعيف ليقبل بالقليل المتاح”.

أضاف: “ولكن، حين يكون الحوار إنسانيا، فهذا يعني شيئا آخرا عما سبق ذكره، لأن الإنسانية حين تحضر في أي أمر تسمو على كل شيء، فتحل محل لغة المصالح وتحقيق المكاسب، لغة الرحمة والرأفة، الإنسانية تفرض قبول الآخر كما هو، لذلك فهي لا ترمي في حوارها الى إلغاء الرأي الآخر أو قمعه، بل الى محاولة الإقناع، بإسلوب يتماشى وفطرة الإنسان ونظرته الى أخيه الإنسان”.

وتابع متوجها إلى الحضور بالقول: “العدالة الإنسانية حاضرة في تاريخ المجتمعات القديمة والحديثة، فالمجتمع الدولي سعى جاهدا الى تعميم ثقافة العدالة الإنسانية خاصة بعدما سيطر على العالم منطق الغلبة للأقوى وصارت الحروب الوسيلة الأكثر فعالية في فرض الحلول للنزاعات، والثمن دائما أرواح أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل، إنها فاتورة كبيرة على البشرية لم يعد بمقدور أحد أن يتحملها.

فحتى يومنا هذا لم تتمكن شرعة حقوق الإنسان ولا القانون الدولي الإنساني وغيرها من المواثيق الدولية أن تحافظ على الحد الأدنى من الحماية لكرامة الإنسان، وذلك ليس لعيب فيها، أي في هذه المواثيق، بل لأن السواد الأعظم من قادة الحروب لم يؤمنوا يوما بهذه المبادىء السامية ولم يلتزموا بأحكامها”.

وأردف: “أهمية لقاؤنا اليوم، أننا نبحث في الحوار ببعده الإنساني، والحوار الإنساني كما أفهمه هو ذلك الذي يجعلنا نجلس سويا لأننا خلقنا من طينة واحدة ولأننا نعيش هواجس موحدة ولأن الكرامة بمفهوم الإنسانية لا تميز بين إنسان وآخر، فالحوار الإنساني لا يرتكز على معادلة تحقيق المكاسب بين المتحاورين ولا على إستثمار نتائج الميدان أو موازين القوى في حسابات الربح والخسارة بينهم، بل على قاعدة المصلحة الإنسانية، وعلى قاعدة ما يصيبنا يصيبنا جميعا وما يحمينا يحمينا جميعا”.

وقال: “لقد عايشت العمل الأمني لسنوات طوال كضابط في قوى الأمن الداخلي، ومارست مهامي كقائد لهذه القوى لثماني سنوات في حقبة تعد الأدق والأكثر حساسية في تاريخ لبنان الحديث، واليوم ومنذ تولي مهامي كوزير للعدل لامست عن كثب دقة العمل القضائي وصعوبة المزج بين عدالة القانون التي تفرض على القاضي أن يحكم لمن بيده الدليل ولمن يقف النص القانوني في صفه، وبين العدالة الإنسانية التي قد يصطدم تطبيقها في بعض الأحيان مع واقع وموقع كل طرف من أطراف النزاع المعروض أمام القضاء”.

أضاف: “وبعد تجربتي في مجالي الأمن والعدالة، يمكنني أن أجزم بأن من يظن أن الأمن مفهوم جامد وأن العدالة سيف لا رحمة فيه هو مخطىء جدا، فالتجارب دلت على أن تراجع ثقافة الحوار الإنساني بين الناس سيؤدي حكما لحلول ثقافة التصادم بينهم، وحين تغيب لغة العقل وروح الإنسانية تحضر لغة التصادم وروح الكراهية، فيتولد العنف ويهيمن كوسيلة لتحقيق المكاسب وبلوغ الغايات، وتسود المجتمع صراعات مدمرة وتقام الحواجز بين الناس، فلا تلاقي ولا تقارب ولا تفاهم، وتزول المودة والإلفة وتتحول نظرة الناس للقضاء من ملاذ أمن لحماية الحقوق الى وسيلة للإنتقام وتفريغ الحقد على الخصم، فتمتلىء قاعات المحاكم بنزاعات بسيطة في ظاهرها ولكنها حاقدة في أبعادها وغاياتها، ويجد القاضي صعوبة في التوفيق بين الخصوم ويغيب سيد الأحكام (الصلح) عن ساحات القضاء وقاعات العدالة، وتصبح المطالبة بالحق وسيلة للإنتقام لا غاية لإحقاق الحق”.

وتابع: “لا يخفى على أحد حجم المخاطر التي تحدق بالبشرية اليوم بفعل الأحداث الأليمة التي يعيشها العالم في أكثر من موقع ومكان، ولا أكشف سرا إن أعلنت أن العالم مشرف على مرحلة دقيقة وإستثنائية تتطلب وعيا وجدية في التعاطي مع الأحداث، فالإرهاب لم يوفر أحدا، وفروعه صارت حاضرة على كل صعيد، ممارسته لم تعد حكرا على المنظمات الخارجة عن القانون، بل باتت منهجا لبعض الأنظمة الرافضة للحوار والحاقدة على الإنسانية، وصراع الكلمة يصبح وسيلة داعمة لصراع الميدان، والتباحث وليس الحوار، والحوار يضحي وسيلة لقطف ثمار القتل والتدمير والصراعات بدلا من أن يكون وسيلة لفتح القلوب وفض الخلافات وايجاد الحلول”.

ورأى “ان المشهد القاتم الذي نشهده اليوم هو نتيجة طبيعية، لإنعدام ثقافة الحوار الإنساني ولإنقطاع التواصل بين الناس، فهنيئا لنا ولكم بهذه المبادرة الطيبة التي أطلقها المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية لإعادة إحياء ثقافة الحوار والدفع نحو حل النزاعات بالطرق السلمية وحفظ القيم الإنسانية والكرامة البشرية”.

وقال: “لقد خلقنا الله متساوين، وزرع فينا روح التعاضد والمحبة، وحضنا على حسن الجوار وعلى فتح آفاق الحوار مع الآخر، تعالوا نستمع الى الخالق وهو يدعونا لإلقاء السلام في نفوسنا وعلى كل من نلتقي به، ولنجعل روح الإنسانية والتآخي التي تولد بالفطرة معنا شعارا دائما لحل نزاعاتنا، تعالوا نملأ الساحات حبا بالسلام بدلا من آلات القتل الهدامة، تعالوا نرفع سويا راية بيضاء مليئة بالتسامح بدلا من رايات الموت التي ترفرف كل يوم على جثث الأبرياء، تذكروا أن الله خلقنا لنكون كائنات للحياة لا للموت، خلقنا لنكون دعاة للسلام لا للعنف،

طبول الحرب تقرع وجحافل الموت تسير وكأنها أفرغت من روحها وأصبحت جسدا بلا قلب، رغم ذلك لا يزال الأمل قائما، فلنطلق إشارة العودة الى الحياة الإنسانية ولنجعل من معاني الإنسانية ميثاقا يحكم علاقاتنا وميزانا لحل نزاعاتنا”.

وشكر المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية “على جهوده في إقامة هذا النشاط”، كما شكر “الدكتور الصديق علي عواد، على جهوده الكبيرة لتعزيز ثقافة الحوار”، وكل “من ساهم أو شارك في مناسبتنا هذه”.

وختم قائلا للحضور: “عشتم، عاشت أوطانكم ووطننا بأمن وسلام، عاشت جامعة جنيف بازدهار وتطور، عاشت سويسرا عامة وجنيف خاصة بتقدم وإنسانية بفضل تقدم لغة الحوار وقبول الآخر، والى اللقاء بكم في مناسبات إنسانية إيجابية”.

October 24, 2015 08:04 PM