IMLebanon

التكنولوجيا تهيئ «الروبوتات» للمضاربة في أسواق الأسهم

wall-street-traders
روبن ويجلزويرث

تتسابق المجموعات الاستثمارية لإيجاد جهاز كمبيوتر تعليمي ومفكر ويعمل في التداول، يكون قادرا على التكيف مع أي ظروف سوقية. هل ستصبح تلك الآلات التي تعمل بخاصية الذكاء الاصطناعي، هي وارن بافيت المستقبل؟

قبل نحو ثلاثة عقود تقريبا، كتب وارن بافيت رسالة سنوية لمستثمريه الذين يحبونه كثيرا، يسخر فيها من اتجاه جديد غادر أخذ يترك بصمته في قطاع صناعة إدارة المال: جهاز الكمبيوتر.

سخر في رسالته السنوية في عام 1987 قائلا: “في رأيي، لن يكون هناك نجاح في الاستثمار من خلال صيغ غامضة، أو برامج حاسوبية، أو إشارات يومض بها سلوك أسعار الأسهم والأسواق”.

رئيس شركة بيركشاير هاثاواي، الذي يشتهر بتفكيره الاستراتيجي طويل الأجل، ربما كان قد أساء معاملة إحدى القوى العظمى التي تعيد تشكيل الاستثمار.

أحدثت الخطوات الضخمة في القدرة الحاسوبية ثورة في كل جانب من جوانب الحياة العصرية، والأسواق المالية ليست استثناءا لذلك. أكثر صناديق التحوط نجاحا في هذا الكوكب تعمل الآن على اقتناص علماء الحاسوب، وليس مختصي الاقتصاد أو المصرفيين الاستثماريين من ذوي الدرجات الجامعية.

حتى صناديق الاستثمار المشتركة الحصيفة الممتلئة بمدخرات جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية والدول النفطية، تعمل الآن بفارغ الصبر على تسخير الآليات “الكمية” المتاحة من خلال الحوسبة الحديثة والنماذج الرياضية المعقدة.

الحدود المقبلة لسباق التسلح التكنولوجي هذا في مجال التمويل هي الذكاء الاصطناعي. التقدم في بحوث الذكاء الاصطناعي أثار اهتماما هائلا في الصناعة، حيث يعتقد البعض أن جهاز الكمبيوتر التعليمي والمفكر، الذي يعمل في التداول سيجعل حتى خوارزميات الاستثمار المعقدة جدا والسريعة جدا، تبدو اليوم وكأنها قديمة – وربما تجعل مديري صناديق الأموال من البشر عاطلين عن العمل. هل يمكن أن يكون بوفت الجيل القادم بمنزلة خوارزمية عظيمة؟

يراهن بعض أكبر مديري الأموال في العالم عليها. ربما يبدو الاستثمار في الذكاء الاصطناعي أمرا خياليا، لكن كما قال كاتب الخيال العلمي وليام جبسون: “المستقبل هنا بالفعل، كل ما في الأمر أنه غير موزع بالتساوي”.

شركة بريدجووتر، أكبر مجموعة صناديق تحوط في العالم، سرقت رئيس وحدة الذكاء الاصطناعي في شركة آي بي إم واتسون في عام 2012، وقامت العام الماضي شركة بلاكروك وتو سيجما، صندوق تحوط آخر يتنامى بسرعة ويستخدم نماذج كمية، بتوظيف اثنين من مهندسي شركة جوجل المرموقين السابقين. تقول وكالات التوظيف إن علماء الحاسوب هم الآن الملكية الأكثر أهمية في التمويل.

يقلل عالم الاستثمار الكمي من أهمية احتمالية أن تحل الآلات مكان مديري الصناديق من البشر، مشيرا إلى أن احتمال وجود ذكاء اصطناعي كامل لا يزال أمرا بعيد المنال، ومعتبرا أن الإبداع البشري لا يزال يلعب دورا حيويا.

الثقة المغرورة التي يشعر بها المهووسون في إدارة المال هي أمر لا لبس فيه. منذ الآن، هنالك استراتيجيات تداول شبيهة بالذكاء الاصطناعي تحقق نتائج عجيبة في الأسواق المالية، والمستقبل ملك لها، بحسب ما يتوقعون.

قال ديفيد سيجيل، الرئيس المشارك في شركة تو سيجما، أحد صناديق التحوط الريادية التي تعمل بالكمبيوتر، في مؤتمر عقد العام الماضي: “إن التحدي الذي يواجه عالم الاستثمار الآن هو أن العقل البشري لم يصبح أفضل مما كان عليه قبل 100 عام، ومن الصعب جدا على أي شخص يستخدم الأساليب التقليدية أن يحرك جميع معلومات الاقتصاد العالمي داخل عقله.

في النهاية، سيأتي الوقت عندما لا يكون أي مدير استثمار بشري قادر على التغلب على جهاز الكمبيوتر”. أو كما قال العميل سميث بشكل أكثر بلاغة في فيلم (ماتريكس): “لا تجعل إنسانا أبدا يقوم بوظيفة تؤديها آلة”.

منحنى التعلم للآلة

تعلم يين لو برمجة الكمبيوتر لأول مرة عندما كان في الحادية عشرة من عمره، بعد أن أحضر والده معه إلى الصين جهاز كمبيوتر مستعملا من نوع أبل 2 بعد رحلة عمل قام بها إلى ألمانيا الغربية في عام 1985.

لم يكن هنالك أية ألعاب لشرائها في ييتشون، مسقط رأسه في مقاطعة هيلونج جيانج، لذا قام بتعليم نفسه البرمجة وصنع نسخة بدائية من برنامج تانكس، حيث يطلق اللاعب النار بشكل عشوائي على الطائرات التي تظهر.

كان ذلك عملا شاقا. حيث إن افتقار الكمبيوتر للذاكرة كان يعني أنه سيتعطل كلما كانت شيفرة البرنامج تصبح معقدة جدا. لم يكن لديه أية أقراص مرنة، لذلك تعلم كيفية تخزين البيانات على أشرطة كاسيت. يستذكر السيد لو قائلا: “في الحقيقة كنت أريد فقط شيئا لألعب به”.

التجربة آتت أكلها. اليوم، هو جزء من مجموعة متنامية من المفكرين في وول ستريت يستكشفون أحدث التطورات الفنية في علم الحاسوب. لو هو المحلل الكمي الرئيسي في بنك دوتشيه، حيث طور فريقه خوارزمية الذكاء الاصطناعي التي تقوم بشكل مستقل بالتنقيب في النظام المالي من أجل فرص الاستثمار، حيث تفتش مجموعات البيانات الضخمة لكشف النماذج والأنماط المربحة لعرض العملاء.

هنالك حاجة إلى شبكة مكونة من 20 خادما تعمل بنظام التشغيل لينوكس لتشغيل نموذج “الدوران بنمط التكيف الخطي” الذكي جدا، الذي يستند إلى خوارزمية “التعلم الآلي” التي تدعى “آدابوست”.

يعتبر التعلم الآلي فرعا من الذكاء الاصطناعي، وهو نفسه مصطلح منتشر كثيرا ما يساء استخدامه أو يساء فهمه. في الوقت الذي يفهم الكثير من الناس الذكاء الاصطناعي بأنه يعني أجهزة الكمبيوتر الحساسة مثل أجهزة سكاي نت في أفلام (تيرمينيتر) أو هال 9000 في فلم “2001: أوديسة الفضاء”، من الناحية العملية، الأدوات المستخدمة يوميا مثل خدمة الترجمة في محرك جوجل، ومحرك ترشيحات الأفلام في نيتفليكس أو المساعد الافتراضي سيري لشركة أبل، تستخدم الأشكال البدائية للذكاء الاصطناعي.

عمل المحللون الكميون طويلا على تسخير أجهزة الكمبيوتر القوية بشكل كبير لمعالجة الأرقام وإيجاد إشارات إحصائية من الفرص المجزية، لكن التعلم الآلي يذهب خطوة أبعد من ذلك.

في جوهرها، تعتبر خوارزمية التعلم الآلي مخلوقا ديناميا يغوص في مجموعات البيانات الكبيرة – مثل أسعار الأسهم وأنماط الطقس ونصوص بيانات الأرباح والمنشورات على فيسبوك، أو عمليات البحث عبر جوجل – لاستنشاق إشارات تنبؤية في تلك الضوضاء.

ماثيو ديكسون، الأستاذ المساعد للعلوم المالية في معهد إيلينوي للتكنولوجيا، يصف التعلم الآلي بأنه “الجهاز الأمثل الذي يقلل من الفوضى”. يمكنه معرفة الفرق بين الموز والتفاح والتمييز بينهما، أو حتى تعليم الكمبيوتر كيفية اللعب، وأن يتقن بسرعة لعبة مثل لعبة سوبر ماريو ابتداء من الصفر. كما يمكن أن يطلق العنان للتعلم الآلي فيما يتعلق بـ”البيانات غير المنظمة”، كالأرقام المختلطة، ولكن أيضا الصور ومقاطع الفيديو التي يصعب عادة على جهاز الكمبيوتر فهمها.

هذه التقنية ليست جديدة، لكن الأجهزة الأقوى تعني أنه يمكن تطبيقها الآن على الأسواق المالية. يقول لو: “إنه مجال واعد جدا. حيث يمكن أن يساعدك الذكاء الاصطناعي في إيجاد أنماط قد لا يراها الإنسان أبدا. وهذا يمكن أن يمنحك ميزة كبيرة”.

هذه ليست الميزة الوحيدة للتعلم الآلي

عندما تخضع الأسواق لما يسميه المشاركون في الصناعة “تغيير النظام” والاستراتيجيات الموثوقة لم تعد قابلة للتطبيق، فإن أحد التحديات الكلاسيكية التي تواجه المحللين الكميين هي أن النماذج التي يستخدمونها غالبا ما يثبت بأنها عديمة الفائدة – أو ما هو أسوأ من ذلك. استراتيجيات التداول الخوارزمية التي تطبع الأموال يوما ما يمكن أن تنفجر في المرة المقبلة.

ميزة التداول

خوارزمية التعلم الآلي سوف تتطور بشكل مستقل وستبحث عن أنماط جديدة، ما يجعلها تتكيف مع ما يكون فاعلا في الأسواق في ذلك اليوم أو الأسبوع أو السنة. وهذا يعني أن بإمكان مديري الأصول استخدامها كأداة لتعزيز عملية الاستثمار لديهم، ربما عن طريق الكشف عن أنماط لم يكتشفها البشر، أو حتى لتطوير استراتيجيات وأن تقوم بالتداول هي في حد ذاتها.

بالنسبة لنيك جرانجر، مدير الصندوق في مان إيه إتش إل، صندوق تحوط للتحليل الكمي، يعتبر هذا الميزة الحاسمة. يقول: “تراها تتسبب في إيجاد استراتيجيات تداول بديهية من أسفل إلى أعلى، ما يؤدي إلى تبديل الأنماط وفقا لما ينجح منها. كنا نستخدم بنجاح التعلم الآلي خلال السنوات القليلة الماضية ونحن مهتمون بالاستثمار فيها بشكل أكبر”.

مع ذلك، للتعلم الآلي بعض المزالق. أحد أكبر التحديات التي تواجه المحللين الكميين هي الظاهرة التي تدعى “الإفراط في التناسب”، عندما تعثر خوارزمية مبرمجة بشكل خاطئ أو معقدة بشكل مفرط على ارتباطات خادعة أو إشارات خاطئة في ضوضاء البيانات.

على سبيل المثال، تذكر مدونة تدعى “الارتباطات الزائفة” بأن استهلاك السمن النباتي يرتبط ارتباطا وثيقا بمعدلات الطلاق في ولاية مين، وأن أفلام نيكولاس كيج ترتبط بمعدلات الغرق في برك السباحة.

حتى وإن كان نموذج معين يعمل بشكل جيد في التجارب، يمكنه الانهيار عندما يواجه الأسواق الحقيقية. علاوة على ذلك، يمكن للبيانات الجديدة في حد ذاتها أن تتأثر بخوارزميات التداول، بحسب ما يقول عثمان علي، المحلل الكمي في ذراع إدارة الأصول في بنك جولدمان ساكس. “إذا قمت بالبحث في بيانات الطقس فإنك لا تؤثر في الطقس، لكن إذا قمت بالتداول في الأسواق فإنك حينها تؤثر فيها”.

ولا يمكن حتى لخوارزميات التداول الأكثر تقدما في مجال الذكاء الاصطناعي التفكير بطريقة خلاقة مثل الإنسان، خاصة في ظل أزمة معينة. براد بيتس، عالم كمبيوتر سابق في وكالة ناسا ويعمل الآن في ذراع “الأسهم العلمية النشطة” في شركة بلاك روك، يسلط الضوء على هبوط الطائرة الطارئ في عام 2009 في نهر هدسون من قبل تشيسلي سالينبيرجر، كمثال عندما يتفوق الإنسان على الآلة.

في الواقع، لا يزال بعض المحللين الكميين متشككين بأن التعلم الآلي- أو بشكل أوسع الذكاء الاصطناعي – يعتبر الكأس المقدسة للاستثمار. ويراه الكثيرون بأنه مجرد أداة جديدة متقدمة لتكملة مجموعة الأدوات الموجودة لديهم، في الوقت الذي يقول فيه آخرون إنه إلى حد كبير حالة تسويق ذكية، وليس شيئا ثوريا بحق.

يقول ديفيد هاردينج، رئيس شركة وينتون كابيتال، صندوق تحوط للتحليل الكمي: “يكون الناس دائما مستميتين في العثور على طرق جديدة لكسب المال في الأسواق المالية، لكن هذه الطرق لا تنجح دائما. الكلمات رخيصة والعبارات الطنانة لا تعني شيئا”. كما يشير إلى أن العقل البشري بارع بشكل فريد في تمييز الأنماط” مضيفا: “سواء أكانت الوجه، أو المثلث أو الحب. إن إدارة الاستثمار قابلة تماما ليجري معالجتها من قبل أجهزة حاسوب مصممة لتحديد الأنماط وتمييزها، لكنني لن أندفع في استخدام أحدث خوارزمية لتنفيذ ذلك”.

ما توليفة المستقبل؟

هل سيكون مصير مديري الصناديق من البشر هو الانقراض؟ ربما ليس تماما، لكن المستقبل يبدو أكبر تحديا.

يقول ديفيد سيجيل من شركة توسيجما إن إدارة المال أصبحت أكثر صعوبة لأن الأسواق والاقتصاد أصبح أكثر تعقيدا. يقول: “قبل 50 عاما، كان يمكن لمدير الصندوق من البشر معرفة كل ما كان بحاجة إلى معرفته من أجل الاستثمار الجيد. هذا لم يعد مرجحا بعد الآن”.

بدلا من الخطر، يرى هذا على أنه نعمة واضحة. “يوما ما، قد يصبح الاقتصاد العالمي معقدا جدا على نحو لا نستطيع السيطرة عليه، وليس هناك أي ضمان بأنه سيعمل بسلاسة. على أن الخوارزميات قد تساعدنا في فهمه بشكل أفضل. يتحدث الناس كيف أن الروبوتات سوف تدمر العالم، لكنني أعتقد أن الروبوتات سوف تنقذه”.

إن وجهة السفر واضحة. ومحور الاستثمار هو إدارة المعلومات، والتحليل المنطقي والسرعة. وهذا يستفيد من نقاط القوة في الآلة، لكن مديري الأصول البشر سوف يتكيفون بدلا من الاختفاء. على الأرجح، سوف يشمل مستقبل إدارة الاستثمار توليفة من الذكاء البشري والاصطناعي تسخر قوة كل منهما.

على سبيل المثال، في حين أن الكمبيوتر الفائق يستطيع الآن أن يتفوق على أبطال لعبة الشطرنج، إلا أن الاثنين يمكن أن يخسرا اللعبة أمام لاعب بشري لديه جهاز لابتوب وبرنامج لمحاكاة الشطرنج.

التجميعات المماثلة هي مستقبل إدارة المال، كما يجادل روبرت فري، وهو عضو منتدب سابق لدى شركة رينيسانس تكنولوجيز، وهو أحد أنجح صناديق التحوط على الإطلاق. فري يدير الآن شركته الخاصة من طراز “صندوق الصناديق”، ويدرس العلوم المالية الكمية في جامعة ستوني بروك.

ويقول: “ينبغي أن نجعل الدماغ البشري يقوم بما يحسن القيام به، وأن نجعل أجهزة الكمبيوتر تقوم بما تحسن القيام به. إن الجمع بين الاثنين هو أمر قوي ومفيد للغاية”.