IMLebanon

بلى… الحكومة خفّضت الحد الأدنى للأجور!

conseil-des-ministres

 

كتبت إيفا الشوفي في صحيفة “الأخبار”:

بكل الوقاحة الطبقية، أقدمت الحكومة على خطوة غير مسبوقة، وقرّرت أن تخفض الحد الادنى للاجر اليومي بمقدار 4 آلاف ليرة، بعد أربع سنوات من تحديده بقيمة 30 الف ليرة، وهو مستوى كان منخفضا في الاصل قياسا الى كلفة المعيشة وخط الفقر معا، واستدعى رفعه في حينه الى معركة طاحنة كشفت خيانة الاتحاد العمالي العام لمصالح من يمثل وأدّت الى استقالة وزير العمل شربل نحاس. في هذه السنوات، واصلت الاسعار ارتفاعها وكذلك البطالة واستمرت القوة الشرائية للاجور بالتدهور وسجلت حصتها من مجمل الناتج المحلي مزيدا من الانهيار لمصلحة تعاظم الارباح والريوع.

عندما وقّعت قيادة الاتحاد العمالي العام “اتفاقا رضائيا” مع هيئات اصحاب العمل والرساميل في عام 2012، وقبلت تحديد الحد الادنى للاجور بمستوى اقل كثيرا مما كان يعدّ له وزير العمل في حينه، شربل نحاس، وقبلت ايضا ابقاء بدل النقل خارج الاجر كي يبقى المجال متاحا للتهرّب من تسديده فلا يستفيد منه اكثر من نصف العاملين بأجر… يومها، جرى الترويج لهذا “الاتفاق” على انه فاتحة لتصحيح دوري للاجور، مرّة كل سنة على الاقل.

مُنِي العاملون بأجر بخسائر فادحة نتيجة خيانة الاتحاد العمالي العام لمصالحهم. السلطة الطبقية الفعلية لم تعلن انتصارها فحسب، بل بعد اربع سنوات من تلك “الموقعة” ذهبت الى تخفيض الاجر بدلا من زيادته، في ظل صمت مطبق وانعدام اي حركة اعتراضية… هذه الخطوة – السابقة، حظيت بمباركة جميع ممثلي القوى السياسية المشاركة في الحكومة، فقد صدر المرسوم الرقم 3791 بتاريخ 30 حزيران الماضي، ونُشر في العدد 35 من الجريدة الرسمية، بتاريخ 7 تموز 2016، وجاء في مادته الأولى: “يعدّل الحدّ الأدنى الرسمي للأجر اليومي المنصوص عليه في المادة الثانية من المرسوم رقم 7426 تاريخ 25/1/2012 بحيث يصبح 26 الف ليرة لبنانية بدلا من 30 الف ليرة لبنانية، على أن يعمل بهذا التعديل اعتبارًا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية”. وقّع هذا المرسوم كل من: تمام سلام، سمير مقبل، أكرم شهيب، بطرس حرب، ارثيور نظريان، غازي زعيتر، علي حسن خليل، ميشال فرعون، وائل ابو فاعور، محمد فنيش، حسين الحاج حسن، جبران باسيل، نبيل دي فريج، رشيد درباس، رمزي جريج، اليس شبطيني، محمد المشنوق، سجعان قزي، عبد المطلب الحناوي، الياس بو صعب، ريمون عريجي.

تذرّعت الحكومة في المرسوم الرقم 3791 بان المرسوم الرقم 7426 تاريخ 25/1/2012 (أي مرسوم تعيين الحد الأدنى الرسمي للأجور الذي صدر في عهد الوزير شربل نحاس) تضمّن خطأ ماديا باحتساب الحد الادنى للاجر اليومي بقيمة 30 الف ليرة بدلا من 26 الف ليرة، واستندت الى “الكتب الواردة من وزارة الطاقة والمياه ورأي هيئة التشريع والإستشارات” للاقدام على سابقة تخفيض الحد الادنى لهذا الاجر بقيمة 4 الاف ليرة يوميًا.

تقول وزارة العمل، في بيان، ان المرسوم الاخير هو “تصحيح لخطأ ارتكب سنة 2012”. وتشرح: “حين صدر مرسوم تحديد الحد الادنى في 25/1/2012 بادر الوزير السابق شربل نحاس الى احتساب الاجر اليومي (30 الف ليرة)، الامر الذي عارضته هيئة التشريع والاستشارات لاحقا. خلال شهر آب 2012 طلبت وزارة الطاقة والمياه من وزارتي المالية والعمل التدقيق في هذا الرقم لمعرفة ما اذا كان مطابقا للقوانين، فجرى الطلب الى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل ابداء الرأي وتبيان كيفية اجراء احتساب الاجر اليومي من دون المسّ بالحد الادنى الشهري الذي هو 675 الف ليرة لبنانية”. وتضيف أنّ “نتيجة هذه المراجعات أكّدت هيئة التشريع والاستشارات ومجلس شورى الدولة ومجلس الخدمة المدنية والدائرة القانونية في رئاسة مجلس الوزراء بأنّ الاحتساب يجب ان يجري على أساس 26 يومًا (يوم عمل في الشهر)، أي بأجر يومي 26 الف ليرة لبنانية، وذلك بحسب القوانين اللبنانية المرعية الاجراء”. وعليه “طلبت هذه المرجعيات من وزارة العمل سنة 2012 إعداد النص بالتصحيح وارساله الى مجلس الوزراء”.

وبحسب بيان الوزارة، “بعد استقالة الوزير شربل نحاس أعد خلفه الوزير السابق سليم جريصاتي النص اللازم للتعديل المقترح”. وبما ان “الحكومة السابقة تأخرت في اجراء التعديل اضطر الوزير الجديد سجعان قزي في شهر تشرين الثاني عام 2014 الى تجديد الطلب لدى مجلس الوزراء تنفيذا لأحكام واراء المرجعيات القضائية، فبادر مجلس الوزراء وان متأخرا الى اقرار هذا التعديل في 30 حزيران 2016 وليس لهذا التعديل اي مفعول رجعي”.

ينفي وزير العمل السابق سليم جريصاتي ان يكون قد اعدّ مشروع مرسوم يقضي بتخفيض الحد الادنى للاجر اليومي، ويشير الى انه كان بصدد التحضير لرفع الحد الادنى للاجور عموما.

يقول وزير العمل السابق شربل نحاس انّ قرار الحكومة يتذرع بـ”خطأ مادي غير موجود”، فالحسابات التي أنجزت لتصحيح الأجور آنذاك (عام 2012) ارتكزت على معادلة دقيقة. يشرح نحاس انّه “يوجد في السنة 52 يوم أحد، 20 يوم عطلة رسمية ونحو 20 يوم إجازة سنوية، ما يجعل مجموع أيام العمل الفعلي 273 يوما، أي ما يعادل 22 يوم عمل فعليا ونصف يوم في الشهر. إذا أردنا تقسيم الحد الأدنى الشهري للأجور البالغ 675 الف ليرة على أيام العمل الفعلي تكون النتيجة أنّ على المياوم أن يحصل على 30 الف ليرة كي يوازي دخله الحد الأدنى الشهري للأجور في حال عمل الأيام كافة”. فأين الخطأ المادي في النتيجة؟ خلاصة نحاس هي أنّ “الحكومة فعلت أمراً نادراً ما يحصل في تاريخ البشرية وهو أن تقدم دولة على تخفيض الحد الأدنى للأجور من دون أن يكون لديها أي أوضاع إستثنائية طارئة كالإفلاس مثلاً”.

يوافق رئيس “مركز البحوث والاستشارات” كمال حمدان على هذا الأمر، مشيراً إلى أنه “بتاريخ البلدان لم تقدم أي دولة على تخفيض الأجر الإسمي لأنه يعد حقا مكتسبا محققا ومستمر”. يقول حمدان ان “الدول تلعب عادة لعبة تخفيض الأجور عبر إبقاء الأجور كما هي في حالات ارتفاع معدلات التضخم، ما يؤدي إلى بقاء الأجر الإسمي ثابتاً إنما يتراجع الأجر الفعلي، أي تنخفض القيمة الشرائية للأجر”.

وفي إطار لعبة تقابل الارقام، يجدر الانتباه الى ان المياومين والمياومات لا يتقاضوا بدل النقل المحدد بـ8 الاف ليرة يوميا، اي ما يعادل 208 الاف ليرة شهريا بالاستناد الى تحديد وزارة العمل لعدد ايام العمل الفعلي بالشهر بـ26 يوما، ما يعني ان الحد الادنى للاجور الفعلي هو 675 الف ليرة+ 208 الاف ليرة= 883 الف ليرة÷ 26 يوم عمل فعليا= 33961 ليرة، اي ان الحد الادنى للاجور اليومي يجب ان يكون بهذا المبلغ لو ان الاتحاد العمالي العام لم يوافق على ابقاء بدل النقل خارج الاجر.

بحسب التقديرات ادارة الاحصاء المركزي (عام 2009)، فإنّ أكثر من 10.2 من القوى العاملة اللبنانية يعملون كمياومين، اي يتقاضون اجورهم على اساس العمل اليومي او الاسبوعي. الا أن تقديرات الباحثين تذهب الى أنّ النسبة اكبر بكثير، ولا سيما أنّ بعض المصنفين كعاملين لحسابهم هم في الواقع مياومون، كما أنّ الفئة الاوسع من العمال السوريين والفلسطينيين يعملون كمياومين أيضًا، ولا سيما في مجالات الزراعة والبناء والخدمات البسيطة المتدنية المهارة… هذا يعني أنّ الحكومة قررت تخفيض اجور عشرات الاف العمّال والعاملات بنسبة تتجاوز 13.33% (من 30 الف ليرة يوميا الى 26 الف ليرة)، وهذه النسبة تعدّ تدهورًا جارفًا في مستوى معيشة هؤلاء، ولا سيما أنّ المياومين والمياومات لا يتمتعون بأي حماية في العمل ولا بأي ضمان صحي او نظام تقاعد، كما انهم لا يتقاضون اي اجر في حالات الغياب لأسباب مرضية أو طارئة او في ايام الاجازات والعطل الرسمية والاعياد، كذلك لا يستفيدون من بدل النقل ومنح التعليم… تعدّ هذه الفئة الواسعة من العمّال والعاملات الاكثر ضعفا وهشاشة والاكثر حاجة الى الدعم والرعاية، وهي فئة تتوسع باطراد في ظل السياسات القائمة ونمط الاقتصاد الريعي.

اشارة الى أن المنظمات الدولية (البنك الدولي تحديدا) يعتمد لقياس خط الفقر على استهلاك يومي للفرد يبلغ 4 دولارات فقط لا غير. اي ان هذه المنظمات تعتبر ان هذا المبلغ يحتاجه الفرد كي لا يموت جوعا، واذا جرى احتساب هذا المبلغ على اسرة من 5 افراد (متوسط حجم الاسر الفقيرة هو اعلى من ذلك)، فإنّ خط الفقر لهذه الاسرة يبلغ 20 دولار في اليوم، اي 30 الف ليرة، وبالتالي فإنّ تخفيض هذا الدخل الزهيد يؤدي حتمًا الى زيادة مستوى عمالة الاطفال والتسرب من التعليم فضلا عن زيادة مستوى البؤس والحرمان والقهر الاجتماعي… كل ذلك، لأنّ من يتسلّط على الدولة والمجتمع يريد المزيد من الارباح.