IMLebanon

“14 آذار”… قبل 14 شباط

كتب ألان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:

بدأ العدُّ العكسي لإحياء ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط، وإطلاق شرارة انتفاضة الإستقلال، حيث من المتوقع أن تشهد إطلاق مواقف سياسية تمهّد للمعركة الإنتخابية المقبلة.على الرغم من أنّ تيار “المستقبل” لم يُعلن حتى الساعة برنامجَ إحياء ذكرى استشهاد الحريري، إلّا أنّ كلّ المؤشرات تدل على أنّها ستُقام في “البيال” مثل السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن يلقي رئيس الحكومة سعد الحريري كلمةً يُحدِّد فيها الخطوط العريضة للمرحلة المقبلة.

ومن المتوقّع أيضاً أن يتطرّق الحريري إلى ترتيب البيت الداخلي المستقبَلي بعد المؤتمر الثاني للتيار والانتخابات التي جرت، إضافة الى الوضع في لبنان والمنطقة والإستعدادات للانتخابات النيابية المقبلة والتي تختلف عن إنتخابات 2005 و2009.

يوم 14 شباط 2017، سيكون المرّة الثانية الني يقف فيها الحريري في ذكرى إستشهاد والده أمام جمهوره رئيساً للحكومة. المرّة الأولى كانت في 14 شباط 2010، حينها صعد الحريري الى المنبر شارحاً أسبابَ زيارته الى سوريا آنذاك “لأنها تأتي في سياق المصالحات العربية”.

أما الآن، فالحريري لا يحتاج الى شرح الظروف التي رافقت التقلّبات السياسية الأخيرة، وأدّت الى إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، بل على العكس، فإنّ هذا الأمرَ سيكون حافزاً أساسياً في خطابه، انطلاقاً من أنّ مبادرته الرئاسية وكلّ الخطوات التي اتّخذها

أنقذت الوضعَ من الإنهيار وأعادت تفعيلَ المؤسسات وحصّنت “اتفاق الطائف”، كما أعادت الممثل الأول للسنّة الى رئاسة الحكومة بعد غياب قسري فرضه الإنقلابُ على حكومته الأولى.

كلّ تلك التطوّرات السياسية تبقى في إطار اللعبة اللبنانية التي تتأقلم مع مختلف التقلبات، ومهما كانت الأوضاع متّجهة نحو الأفضل اليوم، فإنّ صورة “14 آذار” الجامعة في ساحة الشهداء لن تتكرَّر.

أسبابٌ عدّة تقف وراء تراجع ذلك المشهد وتظهيرِ مشهدٍ آخر، لكنّ “جمهور 14 آذار” ما زال يحنّ الى تلك المرحلة حيث كان يبدأ الحشد منذ أسابيع تسبق ذكرى 14 شباط في البلدات والمدن، لأنها مناسبة وطنية يجتمع فيها الشعب في ساحة الحرّية، فكلما التقى شخصان يكون السؤال هل ستشارك في الذكرى؟

سقطت البنيةُ السياسية لقوى “14 آذار”، لكن بقيت روحيّتُها في كلّ لبنانيٍّ آمن بلبنان الحرّ السيّد الموحّد، فالأمانةُ العامة لهذه القوى لم تعد تجتمع وتُصدر بياناً كلّ يوم أربعاء، حتى إنها باتت مهجورة ويقتصر الحضور على بعض الشخصيات بعدما كانت ملتقى للنقاش الفكري وطرح الملفات ومناقشتها.

تيّار “المستقبل” منشغلٌ بترتيب بيته الداخلي ويستعدّ لمعركة “كسر عضم” في مختلف الأقضية السنّية، الشخصيات المفكرة التي كانت تشكّل العامود الفقري والفكري لهذه الحركة إما انضوت في أحزاب وتيارات سياسيّة وتسلّمت مراكز وإما باتت عاطلة عن العمل السياسي وتقاعدت، وبات كلُّ مكوّن يطمح الى تحصين ساحته. هذه الأمور مجتمعة، انعكست سلباً على المشهد العام وباتت الصورةُ الأكبر في المنطقة طاغيةً على التركيبة الداخلية.

خاضت قوى “14 آذار” الانتخابات النيابية عام 2009 تحت شعار “العبور الى الدولة”، وانتصرت على الورق وخسرت في السياسة، أما اليوم، ومع إعادة خلط الأوراق والتحالفات، فلا عنوان سياسياً موحَّداً يجمع تلك القوى، ففريقا “8 و14 آذار” باتا في حكم المنتهيَين، واللعبة إنفتحت على عناوين أخرى وفق الملفات المطروحة.

من هنا، ستكون ذكرى 14 شباط مناسبة لتذكير اللبنانيبن بالمرحلة الماضية وما رافقها من إغتيالات ومآسٍ ونضال مشترَك، علماً أنّ المشارَكة السياسيّة ستكون أوسع هذه المرة نتيجة تصالح معظم الطبقة السياسية، وهذا التصالح إذا كان سيؤدي الى بناء الدولة، فجمهورُ “14 آذار” يرحب به، لأنه يريد أن “يأكل العنب لا أن يقتل الناطور”.

تسود حالٌ من الترقّب الساحة اللبنانية ولا يقتصر الأمر على فئة دون أخرى، ولا يُنكر أحدٌ أنّ الشرق لا يزال يعيش تداعيات إغتيال الحريري وتأجيج نار الفتنة السنّية- الشيعية. وإذا كان الحدثُ قد إنتقل الى سوريا نتيجة النزاع الأكبر في المنطقة، فغير صحيح أنّ لبنان لم يعد يشكّل نقطة إهتمامٍ دوليّة، لأنّ الواقع يقول إنّ الإهتمام الدولي أبقى البلادَ خارج حروب المنطقة.