IMLebanon

برِّي: الفراغ المجلِسي… يعني لا دولة

 

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:

لا يستطيع رئيس مجلس النواب أن يتفاءل بقرب الوصول الى قانون انتخابي جديد. الصورة الانتخابية كما يراها قاتمة، وخيوط الضوء الانتخابي مفقودة، وحتى الآن لم يعثر عليها أحد. وحال النقاشات الجارية حول هذا الملف تبدأ من نقطة ثمّ تدور وتلف وما تلبث جراء السياسة المتبعة من البعض أن تغرق في التفاصيل وتتوه في دوامة التناقضات وبالتالي يعود البحث مجدداً الى النقطة التي انطلق منها.العلامة المشجّعة في رأي برّي أنّ البحث مستمرّ وبوتيرة يومية. في الأمس عقد لقاء ثلاثي عند الرئيس سعد الحريري وفِي حضور الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل، وسيُعقد لقاء آخر، وكذلك عقد أمس لقاء بيننا وبين وفد يمثل النائب وليد جنبلاط، النقاشات تجري بشكل منفتح إنما لا يمكن القول إنّ هناك تقدّماً نوعياً.

يراقب برّي مجرى الأمور الانتخابية، في رأيه أنّ إعداد مرسوم دعوة الهيئات الناخبة من وزير الداخلية نهاد المشنوق أمر اكثر من طبيعي «معلوماتي أنّ الوزير وقّع المرسوم وأحاله الى رئيس الحكومة للتوقيع ومن ثمّ الإحالة الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، المعلوم موقفه من هذا الامر».

لا ينفي برّي أو يؤكد إمكان امتناع الحريري عن توقيع المرسوم، لكنه يقول أنا على يقين، إنّ توقيع الرئيس الحريري المرسوم ليس موجّهاً ضد رئيس الجمهورية ولا إحراجاً له على نحو ما يقول البعض، ولكن أزيد أنا أعتبر أنّ رئيس الجمهورية معه حقّ في موقفه لأنني أعتقد أنّ حدود هذا الموقف بأنه تحفيزي للقوى السياسية لأن تُعجّل في استيلاد قانون جديد للانتخابات، فحرام أن نبقى على قانون الستين.

وفي الوقت نفسه يقول برّي، أنا أعتبر أنّ وزير الداخلية محقّ في موقفه الذي اعتقد أنّ قصده من ذلك هو أن يطبق القانون، علماً أنه يحاسب إن لم يعد المرسوم ويوقعه، كما أنّ امتناع رئيس الحكومة عن التوقيع يعرّضه للمحاسبة… فمع الأسف طالما انك لم تصل الى قانون جديد، فالواجب عليك أن تمشي بالقانون النافذ الذي هو مع الأسف قانون الستين.

يؤكد برّي أنه يتكلم هو ورئيس الجمهورية بلغة واحدة، هي رفض الستين وكذلك رفض التمديد، وكما سبق وقلت إذا كان الستين هو العرج فالتمديد هو الكرسحة. كلامي هذا يؤكد مجدداً أنّ التمديد ممنوع ومرفوض وكما سبق وقلت لا تمديد لمجلس النواب على الإطلاق بمعزل عن قانون جديد، ومسألة المهل تصبح ثانوية مع القانون الجديد، إذ هناك مجال لتعديل المهل في متن القانون ويمكن ساعتئذ أن نذهب الى تمديد تقني.

لماذا لم يصل النقاش الى مكان حتى الآن؟

الجواب شديد الوضوح يقول برّي، هناك مَن هو مصرّ على ألّا يرى في القانون سوى ما يربحه… أفكار، وصيغ تطرح ثم تلغى ويأتي غيرها.

لم يشأ برّي توجيه الاصبع مباشرة الى الجهة التي تعطل أو التي لا تريد إلّا الربح، ويشير في هذا السياق الى الاتفاق الانتخابي بين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر»، قبل رئاسة الجمهورية وبعدها.

لم يحصل أن تعرّض هذا الاتفاق الى خلل ونحن متفقون مع الآليات على لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية، ومتفقون على الدوائر الموسّعة وعلى الدوائر الـ١٣، أي أننا لم نختلف يوماً على ماهية القانون الانتخابي، لكنّ المشكلة سرعان ما تنكشف على طاولة البحث إذ عندما نطرح بعض التفاصيل للنقاش تحصل أمور تدفع كلّ شيء الى الوراء، فمثلاً في موضوع التأهيل الذي طرحته كانت الأمور قد بدأت تتطوّر حوله لكن ظهرت بعض التفاصيل التي نقلت القانون التأهيلي من ضفة الى ضفة وأدخلت عليه إضافات لا علاقة لها به بل غيّرت وجهته وأفقدته معناه.

وعندما يُسأل برّي عن الاقتراحات والأفكار الانتخابية التي أودعه إياها جنبلاط، يُبدي تفهّماً ملحوظاً لموقف حليفه، لقد قالوا إنّ اقتراحه مربوط حصراً بقانون الستين وبتمسّكه به، وأنا أؤكّد أنّ الأمر خلاف ذلك على الإطلاق. موقف جنبلاط متطوّر ولَم يتمسّك بالستين بل إنّ ما قدمه لي يعكس بوضوح لا يقبل أدنى شك بأنه اقترب من الصيغة المختلطة.

على أنّ برّي يستدرك هنا ويقول إنّ هناك مَن يحاول قصداً أن يثير غباراً حول الأسباب الحقيقية للفشل في الوصول الى قانون انتخاب جديد ويلقي المسؤولية على جنبلاط.

أبداً هذا غير صحيح. فأصحاب هذه النظرية أخذوا جنبلاط شماعة ليعلقوا عليها حقيقة موقفهم الذي لا يُسهّل بلوغ القانون المرجو، وكما قلت هؤلاء لا يريدون إلّا الربح وليس هناك ما يؤشر حتى الآن الى أنّهم قد بدّلوا موقفهم هذا.

ثمّ لننظر الى حقيقة الأمور كما هي، لنفرض أننا أزحنا مشكلة جنبلاط جانباً هل تُحلّ المشكلة أم أنها ستبقى… أنا أكيد أنها ستبقى على تعقيداتها التي نراها كلنا، لأنّ المشكلة ليست مشكلة جنبلاط، بل مشكلة ذهنية.

معروف عن برّي أنه لا يستطيع أن يقول فول تيصير بالمكيول، ومن هنا هو يرى علامة خير في النقاشات الجارية… والمهم أنّ الشغل ماشي بوتيرة سريعة، لكنّ المهم أن نأكل العنب في النهاية… والخشية الدائمة تبقى من الغرق في التفاصيل التي فور طرح الأفكار والصيغ على بساط البحث سرعان ما تجد أنّ الشيطان كامن فيها، فيعطل المسار ويفرمل اندفاعة النقاش.

قلنا لهم ونقول الْيَوْمَ القانون الأنسب للبنان هو القانون الغامض الذي لا تعرف نتائجه سلفاً، والمشكل الحالي سيبقى موجوداً إن بقيت تلك الذهنية سائدة والتي لا يرى فيها البعض سوى القانون الذي يربحه على حساب الآخرين… «هيك ما بيمشي الحال».

في أيّ حال، يتوجّه برّي مجدداً الى القوى السياسية كلها بالقول: البلد كله «عّم يلحس المبرد» يجب أن نُدرك أنّ من العيب علينا أن نستمرّ في هذا العجز عن إيجاد قانون انتخابي… يا أخوان، اللبنانيون الذين انتشروا في القارات الخمس واجترحوا الإنجازات العظيمة والمعجزات عليهم أن يجترحوا قانوناً جديداً للانتخابات، وأنا على يقين أنّ أيّ أمر يتوافق عليه اللبنانيون صدقوني هو «اللي بدو يمشي».

ماذا عن الفراغ المجلسي في حال عجزت القوى السياسية عن توليد قانون؟

يسارع برّي الى الجزم قائلاً: ممنوع عليهم أن يفشلوا في استيلاد قانون. لا أستطيع أن أصدّق أننا يمكن الوصول الى هذه الحالة. هذا أمر في منتهى الخطورة ليس على الحياة السياسية بل على البلد كله. لا أحد يستطيع أن يوصل البلد الى هذه الحالة من الفراغ الخطير. مخطئ جداً مَن يعتقد أنّ الفراغ المجلسي النيابي البرلماني هو بالأمر السهل.

تصوّروا البلد بلا مجلس نواب، معنى ذلك «ما في دولة» وليس مجلس نواب فقط، وراجعوا مقدمة الدستور، أوّل بند فيها يُحدّد هوية لبنان السياسية بأنه دولة بنظام برلماني، فهل يبقى معنى للدولة إن ذهب أساسها؟

يبقى أنّ أولوية التحصين الداخلي بالنسبة الى برّي تكون بالوصول إلى قانون انتخابي يعيد انتظام الحياة السياسية وكلّ مؤسسات الدولة، ولكنّ هناك أموراً تعزّز هذه الأولوية مرتبطة بالتطورات الإقليمية والدولية وها هي «الترومبية» تطلّ برأسها لتزيد الوضع تأزّماً في شتى الأنحاء، ومنذ اليوم الأول لإطلالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يقدّم ما يطمئن بل قدّم كلّ ما يقلق، وأصغر مثال سياسته تجاه المنطقة وأهمّها إعلانه نقل السفارة الأميركية الى القدس المحتلة، بهذا الأمر كان أكثر تشدّداً من نتنياهو؟!

وفي هذه الأجواء المتوتّرة يقع لبنان، لذلك لا نستطيع إلّا أن نبقى حذرين وأهمّ سلاح في أيدينا هو أنّ اللبنانيين في يدهم تحصين بلدهم… فماذا ينتظرون؟