IMLebanon

الموازنة بعد التمحيص: “إنسى سلسلة”

 

 

 

كتب أنطوان فرح في صحيفة “الجمهورية”:

 

لدينا حالياً، مشروع قانون لموازنة 2017، يدّعي من أقرّه انه أفضل الممكن، ولدينا في المقابل، مشروع قانون لسلسلة الرتب والرواتب، يدّعي من لم يقرّه، انه كان أفضل الممكن. من خلال قراءة المشروعين، وظروف ولادتهما تتكشّف حقائق اضافية.

قدّم عدد من الوزراء، مطالعات في شرح أهمية مشروع قانون الموازنة الذي أقرّه مجلس الوزراء. ومن خلال مضمون هذا المشروع يمكن تسجيل نقاط ايجابية وأخرى سلبية أومُلتبسة في أحسن الظروف. والأهم، أن مشروع سلسلة الرتب والرواتب، تحوّل الى شعار قد لا يرى النور، على طريقة “إنسى سلسلة”.

يبقى السؤال الأساس المطروح لدى الرأي العام، كيف تمكنت الحكومة من انتاج موازنة تراجع فيها العجز المقدّر عن موازنة 2016، ولو بنسبة طفيفة، في حين ان مشروع الموازنة بطبعته الاولى، كان يتضمّن عجزا أكبر.

مع العلم، ان المشروع الجديد الذي أُقر، يتضمّن زيادات في الانفاق بنحو 700 مليون دولار مقارنة مع العام 2016؟ فمن أين جاءت الواردات الاضافية التي حققت هذا الثبات في أرقام العجز ما دامت الحكومة لم تفرض ضرائب جديدة، بل انها عمدت الى بعض التخفيضات الضريبية من خلال بنود هدفها خفض الضغط على المواطن؟

الجواب، يحتّم توضيح ثلاث نقاط تتعلق بالايرادات:

اولا- ايرادات ظرفية لسنة واحدة، تم تحقيقها من خلال الضرائب على ارباح المصارف والتي حققت لوحدها زيادة قدرها حوالي 800 مليون دولار.

ثانيا- عمليات تقشّف توقف قسما من الهدر في الوزارات من خلال إقرار تقليص اعتمادات المواد الاستهلاكية بنسبة 20 في المئة، وتقليص بند التجهيزات بنسبة 25 في المئة. هذا الرقم، برأي المتابعين، كان يمكن أن يتمّ خفضه اكثر، لأن نسبة الهدر في البندين المذكورين كبيرة.

ثالثا – اعتماد اجراءات نقل الأموال من مكان الى آخر، كما حصل في موضوع تحويل ايرادات المرفأ الى الخزينة، بدلا من الاحتفاظ بها في ادارة المرفأ من أجل تنفيذ أعمال تطويرية. هذا البند لا يعني عمليا زيادة الايرادات، لأن تطوير المرفأ امر ضروري ومستمر، وبالتالي، فان الاموال المحولّة الى الخزينة يُفترض ان يتم استخدام قسم منها للاستثمار في تطوير المرفأ.

هذه الحقائق تعني، ان العجز المقدّر للعام 2017 هو مؤقت، لأنه يتضمّن 800 مليون دولار اضافية لمرة واحدة. وهو طبعا، لا يشمل الانفاق على سلسلة الرتب والرواتب المقدّرة بـ800 مليون دولار ايضا. واذا أضفنا متطلبات السلسلة، وحسمنا الايرادات الاستثنائية، يرتفع العجز حوالي مليار و600 مليون دولار. ويصبح بالتالي نحو 6 مليار دولار.

هذا الرقم، يقود الى استنتاجات واضحة، من أهمها أن لا إقرار للسلسلة من دون زيادة الضرائب. وهذا الأمر كان واضحا في مواقف وزير المال علي حسن خليل، الذي قال ان الموازنة جُهزّت لتضمّ السلسلة بانفاقها وايراداتها في حال تم إقرارها.

لكن اللافت انه أشار الى أن إقرار السلسلة، سيؤدي الى خفض عجز موازنة العام 2017 بحوالي 450 مليار ليرة على الأقل، بما يعني انه يحتسب الايرادات نفسها الواردة في مشروع السلسلة، أي فرض ضرائب ترفع الايرادات بحوالي 1400 مليار ليرة، وهو الأمر الذي رفضه الناس، ونزلوا الى الشارع لمقاومته.

وهذا يقود الى الاستنتناج بأن لا سلسلة من دون الضرائب الواردة، وبما ان إقرار الضرائب، في ظرف انتخابي حساس، صار شبه مستحيل، على اعتبار ايضا ان السلسلة لن تُقر قبل قانون الانتخابات، فهذا يؤكد أن ملف السلسلة، طوي لفترة طويلة.

تبقى علامة الاستفهام حول الخطة المالية الموعودة لغاية العام 2020، والتي يُفترض أن تؤدي الى خفض العجز المالي إلى ألفي مليار ليرة فقط، في مقابل 7283 مليارا حالياً. وستُعرض هذه الخطة خلال الشهرين المقبلين على مجلس الوزراء لمناقشتها وإقرارها.

السؤال هنا يتمحور حول التالي: كيف سنصل الى هذه الأرقام، اذا كانت الموازنة مكوّنة من ثلاثة أجزاء حاليا هي:

خدمة الدين العام: 7152 مليار ليرة

رواتب وملحقاتها: 7374 مليار ليرة.

عجز مؤسسة الكهرباء: 2100 مليار ليرة.

من خلال هذه التركيبة، يتضح ان الخطة الموعودة يُفترض انها ستركّز على تكبير حجم الاقتصاد، وزيادة الايرادات وليس خفض النفقات التي سترتفع حكماً خلال السنوات الثلاث المقبلة. فهل يمكن زيادة ايرادات الخزينة بحوالي 4 الى 5 مليارات دولار في 3 سنوات؟ وكم ينبغي ان ينمو حجم الاقتصاد للوصول الى هذه النتيجة؟

وهل يستطيع الاقتصاد الذي نما حوالي 5 مليار دولار في السنوات الاربع الماضية ان ينمو بحوالي 20 الى 25 مليار دولار في 3 سنوات لضمان زيادة الايرادات للخزينة بين 4 و5 مليار دولار؟

هذه الوقائع لا تدعو الى التفاؤل بالخطة المالية الموعودة.