IMLebanon

ترامب يضغط لترجمة رسالته الصاروخية

 

 

 

كتب جوني منير في صحيفة “الجمهورية”:

 

لا شك في أنّ الاجتماع الذي سيعقد هذا الاسبوع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الاميركية ريكس تيلرسون سيتضمن نقاشاً مختلفاً عمّا سبق، لكنه يؤشّر في الوقت نفسه الى أنّ التواصل الاميركي – الروسي وحتمية التفاهم بينهما على ملفات الشرق الاوسط، وخصوصاً الملف السوري، مسألة غير قابلة للنقاش أو التشكيك بمعزل عن الأوهام التي ذهبت بعيداً في قراءة الضربة الصاروخية الاميركية، وليس الاجتماع الاميركي – الروسي على أهميته هو المؤشّر الوحيد الى ذلك.

على رغم الضربة، بقيَ التنسيق العسكري بين الاميركيّين والروس في سوريا بالمستوى نفسه الذي كان قائماً قبل الضربة.

الطائرات الحربية الاميركية استمرّت في مهماتها القتالية في إطار الحرب على “داعش” في ظلّ مراقبة ومهمّات شبكات الدفاع الجوي الروسي الموجودة في المنطقة، والمعروف عنها أنها أفضل الشبكات في العالم والأكثر تطوّراً.

وبقيت غرفة العمليات تقوم بمهمات التنسيق في الطلعات الجوية وتنفيذ الخطط الميدانية. لكنّ الأهمّ أنّ الرئيس الاميركي دونالد ترامب طلب الابلاغ الى القيادة العسكرية الروسية، من خلال قنوات التواصل القائمة بينهما، بعملية القصف الصاروخي للقاعدة السورية قبل حصولها بوقت كافٍ سمحَ بانسحاب العسكريين الروس الموجودين في معظم القواعد الجوية وغرَف عمليات الجيش السوري.

ومن المنطقي التكهّن بأنّ القيادة العسكرية الروسية أبلغت الأمر بدورها الى القيادة العسكرية السورية، ما يفسّر هذا العدد المحدود من الخسائر للجيش السوري.

بالتأكيد، أراد ترامب ضربة تحدث له أكبر مقدار من الضجيج لكي يوظّفها في نزاعه الداخلي، وسط حصار كاد يخنق أنفاس إدارته. فليس من الطبيعي أن تكون إدارته قد أمضت فترتها القصيرة في ردّ الاتهامات حول تواطؤ موسكو معها للتأثير في الانتخابات الرئاسية لمصلحة ترامب، ما يعني أنّ ادارة ترامب كانت في حاجة ماسّة الى قلب المشهد من كونها صنيعة التأثير الروسي الى أنها القادرة على مواجهة روسيا، لا بل وتوجيه صفعة لها وتحجيمها.

وقد يكون استثمار ترامب الداخلي في هذا المجال قد حقّق أهدافه، على الأقل حتى الآن، وفي الوقت نفسه حاذَر المَسّ بالمحظورات وسط تفهّم روسي ضمني لحاجاته في عرض عضلاته إعلامياً.

لكن للرئيس الاميركي حسابات أخرى لا تقل أهمية، فالضربة الصاروخية استبقَت لقاءه بنظيره الصيني شي جينبينغ، ما جعل البعض يتكهّن بأنّ ترامب أراد التأثير في ضيفه من خلال الإيحاء له بأنه بخلاف سياسة سَلفه، فإنه ينفّذ تهديداته ولا يتحمّل التسويف والتمييع.

وترامب الذي شهد دخوله الى “البيت الابيض” توتراً في العلاقة بينه وبين القيادة الصينية بسبب تايوان واتهامه بكين بالتلاعب بالعملة، يسعى جاهداً للحصول على تطمينات من الرئيس الصيني حيال كوريا الشمالية وبرنامجها النووي والصاروخي.

ذلك أنّ كوريا الشمالية، المُتّكئة على تحالفها مع الصين، تعمل على تطوير صاروخ بالستي عابر للقارات يستطيع توجيه ضربة نووية الى الساحل الغربي للولايات المتحدة الاميركية، وهذا ما يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الاميركي غير قابل للتفاوض او حتى النقاش. وبَدا أنّ استهداف قاعدة الشعيرات نجح بالتأثير في أجواء القمة الاميركية – الصينية وفق ما كان يتمنى ترامب، وبَدا الرئيس الصيني ودوداً الى حدّ بعيد.

كذلك، فإنّ الاستهداف المدروس والمحسوب لقاعدة الشعيرات سيدفع لإعادة “دَوزَنة” بعض الجوانب المطلوبة من العملية السياسية للملف السوري مع التحضير لإطلاق العملية العسكرية ضد “داعش” في الرقّة. وهي “دَوزنة” لا تتعارض والمصالح الروسية، لا بل على العكس، فواشنطن تدرك جيداً أنّ موسكو تشكل مفاتيح أساسية في لعبة الشرق الاوسط.

لكنّ الأهم أنّ ادارة ترامب تريد استثمار هذه الضربة الصاروخية في ملف التسوية الاسرائيلية – الفلسطينية، والذي يعطيه ترامب أولوية في هذه المرحلة.

وخلال الاسابيع الماضية، نجح الرئيس الاميركي في بناء علاقة وثيقة مع القيادة السعودية والملك الاردني والرئيس المصري، إضافة الى رئيس السلطة الفلسطينية الذي يستعد لزيارة واشنطن. كما أنّ الرفض الاسرائيلي للعملية السلمية بقي مكبوتاً في إطار سياسة الحكومة الاسرائيلية لتجنّب المواجهة مع ترامب “الصاروخ غير الموجّه”، خصوصاً بعد مرحلة متوترة خلال وجود باراك اوباما في “البيت الابيض”.

ولا شك في أنّ الضربة الصاروخية ستزيد من رهان الرياض وعمان والقاهرة ورام الله على سياسة ترامب، وستضاعف من الحذر لدى الإسرائيليين.

وتروي الكواليس الديبلوماسية أنّ رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو أثار، خلال زيارته لواشنطن، مخاوف اسرائيل من الحضور الايراني الفاعل الذي أضحى في منطقة الجولان قرب الحدود الفاصلة مع الجيش الاسرائيلي، إن مباشرة عبر خبراء، أو من خلال “حزب الله” الذي باتت له مواقع ومساحات تحت سيطرته الكاملة.

وحسب المعلومات نفسها فإنّ نتنياهو طلب إبعاد “حزب الله” والايرانيين بأيّ ثمن وإقامة “منطقة عازلة” في الرقعة المواجهة لإسرائيل، إن في سوريا او حتى في الأردن، وذلك في إطار التصوّر الجاري وَضعه للتسوية في سوريا، على أن تتولى قوات اميركية او حتى قوات تابعة للأمم المتحدة هذه المناطق العازلة.

وفق هذه الصورة يمكن إدراج الرسائل الصاروخية لقاعدة الشعيرات وانسجاماً مع السؤال الذي طرحته صحيفة “الاندبندنت” البريطانية: “… ولكن ماذا بعد؟” قد تكون الاشتباكات التي تُلهب مخيم عين الحلوة ومشاريع الحسم غير بعيدة عن الترتيبات الحاصلة في الكواليس السياسية، خصوصاً على المستوى الفلسطيني – الاسرائيلي.

في وقت تستعد واشنطن للضغط مالياً ومصرفياً على “حزب الله” في إطار اللعبة الكبرى في المنطقة، في الجانب المتعلّق بتحجيم النفوذ الايراني في سوريا ولبنان وتكبيل يدَي طهران لضمان تمرير التسويات المطلوبة على أمل ألّا تخطئ في الحساب هذه المرة كما في السابق.