IMLebanon

لوائح مكتملة للحراك المدني ورسائل الحريري وباسيل تقلق جنبلاط

كتب رضوان الذيب في صحيفة “الديار”:

ولد القانون الانتخابي النسبي بعد 8 سنوات و96 شهراً من المناقشات والاقتراحات والاف الاجتماعات والمداولات والدراسات واقتراحات المشاريع، وما تخلل هذه السنوات من خلافات ومناكفات وفراغ امتد لسنتين في الرئاسة الاولى وادى الى شلل عام في عمل المجلس النيابي والحكومة انعكس على البلد كله، ودفع ثمنه اللبنانيون من اعمالهم ومشاريعهم ومصادر رزقهم واستثماراتهم بالتزامن مع ازمة اقتصادية خانقة جعلتهم يعيشون في ظروف سيئة وقاسية وبالتالي ذهبت هذه السنوات هباء من حياة اللبنانيين.

ولد القانون النسبي الذي لم يلب طموحات احد، وتعرض للانتقادات حتى من الذين اشرفوا على ولادته في غرفة العناية الفائقة، لكن «النسبية»، وان ولدت «مشوهة»، فهي تبقى الاساس لوضع «اللبنة» الاولى لحياة سياسية جديدة، وللحد من التحالفات الكبيرة، ونوعا ما من «المحادل». وتبقى النسبية «فرصة» يجب استثمارها من الجميع، «فرحلة الالف ميل تبدأ بميل واحد» للوصول الى لبنان دائرة انتخابية واحدة على اساس النسبية، وان تطلب ذلك اشتباكا سياسيا مع الطبقة الحاكمة.

حزب الله نجح في خياره بإقرار القانون النسبي، كما ان هذا الانجاز يوضع في خانة العهد. والرئيس ميشال عون، ولاول مرة منذ الاستقلال، ينجز قانوناً انتخابياً صنع في لبنان، دون اي تدخلات. كما ان خيار النسبية تبناه الرئيس نبيه بري في كل مواقفه، والقوات اللبنانية ساهمت في اعداده ودفع المعترضين للقبول بالتنازل. لكن الدور الابرز يبقى للوزير مروان شربل الذي وضع الاسس للطرح النسبي عبر قانونه القائم على الدوائر مع النسبية الكاملة.

ويجمع «الطباخون» على ان القانون «معقد جداً» ويحتاج الى ندوات ومحاضرات لكي يتم استيعابه من قبل المرشحين والناخبين. وحسب الرواة، فان اعضاء اللجنة الوزارية الذين اجتمعوا في السراي الحكومي قبل الاعلان لم «يفهموه» رغم الشروحات العديدة من بعض الوزراء. وهذا ما ادى الى استدعاء بعض اعضاء لجنة الصياغة والخبراء الى اجتماع اللجنة الوزارية لشرحه وكيفية اعتماد الصوت التفضيلي ونسبة النجاح و«الكسور». ورغم هذه الشروحات، فان بعض الوزراء اعلنوا صراحة انهم لم يفهموه «كفاية»، لكن الاصرار السياسي المحكوم بسقف افطار بعبدا ادى الى تجاوز كل هذه الاشكاليات منعاً لازمة مصير، وتم الاقرار.

بعد ولادة القانون بدأت التحضيرات للانتخابات من قبل اللاعبين الكبار، وتحديداً الرئيس نبيه بري وسعد الحريري وحزب الله وجبران باسيل ووليد جنبلاط وسمير جعجع. وشكلوا «لجاناً» مختصة، والبعض سيتعين بمراكز دراسات واحصاءات، لاجراء مسح شامل في مناطق نفوذهم يستدعيها القانون الجديد ومعادلة النسبية والصوت التفضيلي. وذكر ان «اللاعبين الكبار» حددوا المسؤولين عن اللجان على ان تنجز الدراسات والاحصاءات خلال الاشهر الثلاثة او الاربعة القادمة قبل تحديد التحالفات وكيفية الاختيار،  لان الامور لا تحتمل اي دعسة ناقصة، خصوصاً ان القانون يفرض تحالفات جديدة ودراسات «دقيقة» جداً قد تطيح أسماء ووجوهاً. وفي المعلومات ان التحالفات بين «اللاعبين الكبار» ستكون حتمية في مناطق النفوذ المشترك في ظل حرص الطبقة السياسية على تحصين نفسها والحفاظ على «النادي السياسي» القائم وعدم تصدعه بمعادلات النسبية، علماً ان مجموعات «الحراك المدني» التي احتجت امام المجلس النيابي اعتراضا على بعض بنود القانون و«تشوهاته» والعمل من اجل «النسبية الشاملة» على اساس لبنان دائرة واحدة، اعلنت ان اعتراضاتها لا تعني عدم المشاركة في الانتخابات النابية عبر لوائح مكتملة لمجموعات الحراك المدني في كل المناطق وبالتحالف مع الاحزاب المتضررة من القانون والمعارضة له، فالحزب الشيوعي اعلن مشاركته في الانتخابات النيابية مهما كان القانون وكذلك حزب الكتائب، رغم الاعتراضات القاسية من النائب سامي الجميل والذي دفعت الحريري الى الانسحاب من قاعة جلسات مجلس النواب على خلفية اتهامات الجميل للحكومة بالقيام برشى انتخابية وسؤاله ان كان التمديد لهذه الغاية. وقد اعتبر الجميل أن القانون «هو قانون البترون لمصلحة جبران باسيل». وتساءل كيف يمكن اقرار مشروع بـ24 ساعة، وكيف تستطيع المعارضة مناقشة المشروع، ورفض ان يكون حزب الكتائب شاهد زور. لكن الرئيس الحريري عاد الى الجلسة بعد ان طلب الرئيس بري شطب الكلام ، ودعا بري الى «الواقعية» لاننا «كنا سنصل الى ازمة مصير» وهذا القانون افضل الممكن، والتسوية التي اوصلت الى اقراره، قد تكون انقذت ما يمكن انقاذه ولكنها ليست مضرة، وكان قد سبق الحريري الى المغادرة النائب عاصم قانصوه الذي انسحب بعد النقاش مع الرئيس بري حول اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، وهذا ما طالب به كمال جنبلاط ومشينا معه على اساس ذلك، وطرح العديد من النواب ملاحظاتهم، لكن القانون النسبي اقر بإجماع نيابي.

انجاز القانون لم يخفف من التوترات في العلاقة بين المستقبل والتيار الوطني من جهة والنائب جنبلاط الذي لم يؤد حضوره الافطار الرئاسي في بعبدا والخلوة مع الرئيس ميشال عون الى فتح اي «بقعة ضوء» في العلاقة بين جنبلاط والوزير جبران باسيل في ظل «كاريزما مفقودة» بين الرجلين كلياً. واذا كانت العلاقة بين الرئيس بري وباسيل «الكحل» فهي مع جنبلاط «العمى» كلياً. لكن وزير الخارجية اظهر انه «يهوى» المواجهات مع رئيس التقدمي، ووجه إليه اكثر من رسالة في عقر داره، فالاشتراكي قاطع تدشين جسر «القعسماني» في حمانا احتجاجا على طريقة الاحتفال وتوجيه الدعوات، ولم يتم التطرق الى دور جنبلاط الايجابي في جميع الكلمات، باستثناء ممثل الصندوق الكويتي الذي تقدم بالشكر من جنبلاط ودعمه، حتى ان الاشتراكي قاطع جولة الوزير باسيل في اقليم الخروب. وجال باسيل الى جانب ممثلي تيار المستقبل على المراكز الدينية والصحية في الاقليم، وهذا ما أشعل جنبلاط ومناصريه. فالود ايضا مفقود بين عناصر الحزب والتيار في كل قرى الجبل، وهناك استحالة للتحالف بينهما في ظل توترات يومية في القرى المشتركة عالجتها الاجهزة الامنية بحزم، مقابل ود وتنسيق بين عناصر الاشتراكي والقوات اللبنانية. لكن ذلك لم يمنع جنبلاط من اعلان «ميله» وموقفه الداعم لاستمرار المرشح الكتائبي فادي الهبر على لائحته عن المقعد الارثوذكسي في عاليه، وكذلك النائب دوري شمعون عن المقعد الماروني في الشوف احتراماً للخصوصية «الشمعونية»، وكذلك جورج عدوان عن القوات اللبنانية. لكن المشكلة هنا، هل توافق القوات اللبنانية على هذا المنحى الجنبلاطي المتعلق بتقرير مصير المقاعد المسيحية واستبعاد التيار الوطني، رغم ان هذا الامر ما زال مبكراً حسمه قبل سنة. لكن الاشارات اللافتة اظهرت ميلاً عند الرئيس نبيه بري الى دعم ترشيح الوزير السابق ناجي البستاني بالتحالف مع جنبلاط في دائرة الشوف – عاليه، خصوصاً ان للوزير البستاني حيثية شعبية في المنطقة. وعلم ان جنبلاط متجاوب مع تمنيات بري، في ظل علاقة جيدة مع الوزير البستاني، لكن الحسم في هذا الموضوع ما زال مبكراً جداً.

اما على صعيد العلاقة بين الحريري وجنبلاط فهي «مش راكبة» ايضاً، وتحديداً بعد تولي الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة والتعامل من قبله «بنفس جديد» عبر انفتاح على كل المكونات السياسية، حيث اظهر الرئيس الحريري في محطات كثيرة انه «رجل دولة» عبر تطبيع العلاقة مع حزب الله وتمتينها و«تثمينها». وهذا الامر عمم ايضا مع التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية ميشال عون ومع جميع المكونات، مقابل الايحاء بأنه «يمون» على جنبلاط، فتم استبعاد ممثله عن اجتماعات لجان القانون، بموافقة الحريري وهذا ما أثار امتعاض الاشتراكي، حتى ان الحريري لم يطرح هواجس جنبلاط الانتخابية وظهر كأنه المعارض الاول لتوجهات الاشتراكي، ووافق على القانون التأهيلي «المنبوذ» من قبل الاشتراكي. وهذا ما اثار عاصفة جنبلاطية حملت انتقادات عنيفة للحريري والتخوف من ثنائية مارونية – سنية دفع آل جنبلاط ثمنها كثيراً. وارتفعت حدة الانتقادات من الوزراء أكرم شهيب وغازي العريضي ووائل أبو فاعور ضد الحريري «ممزوجة» بكلام عالي السقف. وما زاد في الغضب الجنبلاطي ان الوزير باسيل اقترح «كوتا المغتربين» على حساب النائب الدرزي في بيروت دون معارضة الحريري، وبالتالي اعتبرت مصادر متابعة، ان هذا الامر لا يمت الى التحالف بأي شكل «والحريري عم يعمل مصلحتو فقط».

وحسب المتابعين «ارتفعت المواجهة بعد كلام جنبلاط عن «المفلسين الجدد» قاصداً الحريري الذي رد بشكل عنيف متهماً جنبلاط «بالفساد» والمعرقل لبناء الدولة، ولم تنجح جهود الرئيس بري والوزير مروان حمادة في لجم التوتر الذي تواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي والبيانات السياسية حتى افطار البقاع الاوسط حيث تجاهل الحريري وجود الوزير وائل ابو فاعور في الافطار وحيا دور نواب المستقبل فقط وتحدث بأن ثروته ليست المال بل محبة الناس، غامزاً من كلام جنبلاط. وذكر ان الرئيس بري تدخل بكل قوة واستوعب غضب جنبلاط، لكن ذلك لم يدفع الحريري وباسيل الى دعوة ممثل الاشتراكي الى لجنة القانون الا في الاجتماع الاخير وبعد تدخل مباشر من الرئيس بري.

هذه الاجواء ستنعكس حتماً على الانتخابات النيابية في دائرة الشوف عاليه، لكن من المبكر الحسم، خصوصاً ان المقربين من الطرفين يجزمون التحالف الانتخابي بينهما، لكن الرئيس الحريري يريد ان يكون شريكاً بتسمية المرشح الدرزي في بيروت، كما ان تحالفه مع التيار الوطني الحر في الجبل بجعله اللاعب الفاعل والشريك في دائرة الشوف وعاليه الى جانب اللاعب الاول جنبلاط واللاعبين الفاعلين الاخرين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والوزير طلال ارسلان، وحسب المعلومات، فان جنبلاط الذي يدرك هذه المعادلة حاول تخفيف التوتر مع الحريري الذي لم يستجب للامر في ظل انزعاجه من المواقف ضده كما ان عدداً من المقربين الفاعلين في فريق الحريري لا يميلون الى التحالف مع جنبلاط ويفضلون ان تكون العلاقة «قوية» وفي هذا المجال فان العلاقة بين جنبلاط والوزير نهاد المشنوق «لم تركب بعد».

وفي ظل العلاقة المتوترة بين جنبلاط والحريري والتيار الوطني الحر، لكنها في المقابل في افضل احوالها، مع الرئيس نبيه بري الذي يصفه جنبلاط في مجالسه «بالصادق والوفي والامين ورفيق العمر» ويبادله الرئيس بري «نفس الشعور» فيما علاقة جنبلاط مع حزب الله «صافية» مع الحاج وفيق صفا عبر تواصل يومي والطرفان مرتاحان لشكل العلاقة، كما ان جنبلاط يشيد في مجالسه بمواقف السيد حسن نصرالله الاخيرة من الطائفة الدرزية وهواجسها، اما العلاقة بين رئيس التقدمي والوزير طلال ارسلان فهي جيدة جداً، وسيوزعان اصواتهما في دائرة عاليه والشوف عبر حسابات دقيقة لمنع ادخال اي طرف درزي جديد الى المعادلة، وتحديداً رئيس تيار التوحيد الوزير السابق وئام وهاب. وحسب المعلومات، فان الرئيس بري «ميال» الى ترشيح الوزير انور الخليل في دائرة حاصبيا مرجعيون، فيما لم يعارض جنبلاط ان يكون الوزير السابق مروان خير الدين مرشحا عن دائرة بعبدا.

مواجهة قوية وحساسة واستراتيجية في دائرة عاليه الشوف مع 7 نواب مسيحيين و4 دروز واثنين سنة، لكن جنبلاط يبقى الابرز في ظل قدرة «تجييرية» وتصويت درزي لمصلحة لوائح جنبلاط وصل الى 70% في انتخابات 2005 فيما المشاركة المسيحية لم تصل الى 30% والسنية الى 45%، وهذا ما يجعل الحسم بيد جنبلاط في هذه الدائرة. لكن المعركة ليست سهلة ا ذا فشل التحالف مع التيار الوطني الحر.