IMLebanon

الأردن سبقنا… فماذا ينتظر مجلس النوّاب؟

 

كتبت سابين الحاج في “الجهورية”:

ها هو فوزي (إسم مستعار) البالغ من العمر 25 عاماً مُعجب بـ لينا (إسم مستعار) وهي في سنّ الـ 18 عاماً. يلاحقها في الحي، حتّى إنّه ادّعى صداقة إخوتها ليدخلَ إلى منزلها العائلي. وبعدما صدَّته وصدّت تعبيرَه عن إعجابه بها، خَطفها ذات يوم عن الطريق واغتصَبها. إكتشف أهلها الأمر، فهجَم إخوتها على منزله ليبرّحوه ضرباً ويلقّنوه درساً يُعيد لهم “شرَفهم”، مهدّدين برفع دعوى ضدّه. فلعبَ حينئذٍ دورَ الرَجل الشَهم ليتفادى الفضيحة، ووَعدهم بالزواج من أختهم الضحية.في الأمس لم تكن تريده، أمّا اليوم فبات هدفُ أهلِها تزويجَها إيّاه، لأنّها بنظرهم تتساوى مع المعَلّبات الجاهزة، فإذا فَتح أحدهم العلبة المعروضة على رفّ السوبرماركت ولم يشترِها، تكسَد ويتكبّد صاحبُ المحلّ الخسارة، فعلى الجاني أن يأخذها بأيّ ثمن. الكارثة وَقعت وغشاءُ بكارتها الذي يُزان به “شرفُ العائلة” انفَضّ، والقرار لم يعُد بيدِها.

لينا ستتزوّج وحشاً هجَم عليها وهو سيُعامَل معاملة الشرفاء الذين يتقدّمون للزواج من بنات العائلات، وهي ستتحمّل ذنبَه طوال حياتها. نعم، إنّها المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني، ولازالت تسمح للمغتصِب بالزواج من ضحيته ليفلتَ من العقاب وتُعاقَب هي بدلاً منه.

أين المادة 522؟

قدّم النائب إيلي كيروز مشروع قانون إلى مجلس النواب، يَهدف إلى إلغاء المادة 522، في 29 تمّوز 2016 أي منذ سنة تقريباً. وبدعم من حملة إعلانية ضخمة نشرَتها منظمة أبعاد وروَّجت لعروس تحملُ آثار اغتصابٍ دامٍ، باتت المادة 522 تنتظر على جدول أعمال مجلس النواب أن يحينَ دورها ليصوّتَ المجلس على إلغائها، لعلّنا نتخلّص من تشريعات مجنونة ظلمت مئات النساء وحمّلتهنّ ذنبَ تداعياتِ جريمةٍ كنَّ ضحيتَها.

الأردن فعَلها

بينما يتلهّى النوّاب اللبنانيون بإقرار سلسلة الرتب والرواتب تاركين المادة 522 على لائحة الانتظار، سدَّد الأردن هدفاً في مرمى التخلّف، متقدّماً على الدولة اللبنانية.

هذا المجتمع العشائري الذي تَحكمه قوانين وعادات وتقاليد عشائرية سبَقَنا وألغى المادة 308 من قانون العقوبات الأردني، والتي تعفي مرتكبَ جرائم الاغتصاب وهتكِ العرض والخطفِ من العقوبة في حال تزوَّج من ضحيته لمدّة 5 أعوام. وأكّد رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي أنّ إلغاء المادة 308 أتى بهدف “تعزيز حماية الأسرة الأردنية”.

هي مظلومة وهو مدعوم

دولٌ كثيرة تخلّصَت من هذه المادة العفِنة قبلنا، ومنها كوستاريكا، وأثيوبيا، وغواتيمالا، وبيرو، وأوروغواي وذلك منذ العام 2000، بحسب تقرير نشرَته “جمعية المساواة الآن”.

أمّا المغرب فبادرَ في العام 2014 تحت ضغطِ الشارع والمجتمع المدني إلى إلغاء (المادة 475)، ومنعِ إعفاء الجاني من العقاب في حال تزوّج بمن اغتصَبها. ولقد حَفرَت المراهقة المغربية أمينة فلالي (16 عاماً) هذا الانتصار التاريخي للنساء بدمِها، إذ أقدمت على الانتحار بسمٍّ لقتلِ الجرذان إثر إجبارها على الزواج من مغتصِبها.

وكانت مصر من أوائل الدول العربية التي ألغت مادة مشابهة من قانون عقوباتها (المادتان 290-291). مع الإشارة إلى أنّ القانون القطري لا يتضمّن أيّ نصوص تعفي المتّهم من العقوبة في حال تزوّج من ضحيته.

في المقابل، لازالت دول عربية عديدة تعفي الجاني، بدل إنصاف ضحايا العنف الجنسي وتقديم الدعم لهنّ، وبين هذه الدول تونس، حيث تستمرّ الحملات المطالبة بإلغاء المادة 227 منذ أشهر، وكذلك العراق، وسوريا وليبيا والبحرين والجزائر والسودان واليمن. عِلماً أنّ في غالبية هذه الدول تُلاحَق المرأة قضائياً بتهمة الزنى إذا تقدّمت ببلاغ عن تعرّضِها للاغتصاب دون تقديم إثبات قاطع يؤكّد أنّ اللقاء لم يكن بموافقتها.

فإلى متى ستبقى القوانين التي تشجّع الرَجل على العنف ضدّ المرأة وتُشرّع أمام الجاني أبوابَ الإفلات من العقاب، بدل توفير الحماية والدعم للنساء الضحايا؟

التغيير في الذهنيات

وبينما نأمل أن يكون لبنان البلد الأوّل الذي سيُسقِط هذه المادة بعد الأردن، نؤكّد أنّ التغيير لا يتمّ فقط على صعيد القوانين، إنّما يشكّل تغيير القانون خطوةً ضرورية لتغيير الذهنيات.

فتزويج الفتاة للمعتدي عليها بهدف “سَترِها” عادةٌ متجذّرة، وعرفٌ يُمارَس لحماية الجاني من أن يقتله أهلها. وغالباً ما يتمّ الزواج بموجب تسوية “عالسَكت” على حساب المجنيّ عليها التي ينقطع حسُّها تحت شبحِ العيب، وينصَحها أهلها بعدم الإبلاغ عن اغتصابها هرَباً من الفضيحة، غيرَ آبهين بوجود نصوص قانونية تحميها وتُعاقِب الجاني!