IMLebanon

لا تفاهمَ أميركياً – روسياً إلّا في سوريا… لكن إلى متى؟

 

 

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”: لا يبدو لزوار واشنطن أنّ هناك سقفاً زمنياً لتبادل العقوبات الديبلوماسية والإقتصادية الأميركية – الروسية. وإن كان البادئ الأميركي أظلم، فإنّ الروس يترقبون الأسوأ وصولاً الى اعتبارها حرباً إقتصادية شاملة. وهو ما أدّى الى طرح أسئلة مشروعة حول الظروف والأسباب التي دفعت الطرفَين المتخاصمَين الى استمرار التنسيق بينهما في سوريا. فلماذا؟ وكيف؟ والى متى؟

يتحدث زوار واشنطن عن حجم التحضيرات الجارية في الإدارة الأميركية لتعزيز العقوبات على «الأعداء الثلاثة» روسيا وإيران وكوريا الشمالية.

فهم تلمّسوا بنحو غير مسبوق ما بدأت تتحدث عنه النخبة الأميركية من الحزبين الجمهوري والديموقراطي للمرة الاُولى في تاريخ البلاد الحديث بقولها إنّ «الوحدة الوطنية الأميركية» تجلّت بأبهى مظاهرها في إجماع اعضاء مجلس النواب والشيوخ الأميركي على فرض مزيد من العقوبات على هذه الأطراف الثلاثة وصولاً الى المرحلة الأكثر تشدّداً على كل المستويات، ولا سيما منها الإقتصادية، بغية تعطيل كل أشكال «التفاهمات المريبة» بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين بالإضافة الى العقوبات الخاصة التي تمّ فرضها على كل دولة حسب خصوصياتها.

ففي جانب من العقوبات المفروضة على إيران خارج إطار العقوبات المفروضة على الطرفين الآخرين يبدو أنها تركّز على «خروج» إيران عما ينصّ عليه «الإتفاق النووي» وما يفرضه من قيود عليها وفق البرنامج المقرّر للفترة التي اعقبت الإتفاق الموقّع بينها ومجموعة الـ (5 +1) في 14 تموز 2015.

فيما يبدو أنّ برنامج كوريا الشمالية الصاروخي والنووي يفرض نفسه على شكل العقوبات المفروضة عليها في وقت تتشعّب العقوبات المفروضة على روسيا قياساً على حجم الخلافات المتنامية مع واشنطن في ما يعني استمرار ما تسمّيه العاصمة الاميركية الإحتلال الروسي لجزيرة القرم في أوكرانيا منذ 2015 ولأجزاء واسعة من جورجيا منذ 2008 بالإضافة الى استمرار دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وعلى هذه الخلفيات تتوسّع القراءات الديبلوماسية التي يجريها العائدون من واشنطن ليستفيضوا في الحديث عن التحضيرات التي تجريها الإدارة الأميركية لفرض مزيد من العقوبات على روسيا وتتناول في الجزء الأكبر والأكثر تأثيراً منها الشؤون الإقتصادية والمالية بنتيجة استمرار تحكّم الدولار الأميركي بالإقتصاد العالمي الى الحدود التي لا يمكن أحد تجاهلها على الإطلاق.

بدليل أنّ العقوبات الأميركية على طهران وموسكو استفزّت دولاً أخرى من بينها مجموعة الدول (5 + 1) بعدما طاولت مصالحها المباشرة قبل الدول المستهدَفة، وهو ما عبّرت عنه المانيا وبريطانيا وفرنسا على رغم صمت لندن وباريس لأسباب عدة، ولكن الى مدى قد لا يكون طويلاً.

ومن هذه النقطة بالذات يشير زوار واشنطن الى أنّ قلق إيران لا يقف عند حدود ما سيتّصل بخروجها عن مقتضيات القطاع النووي، فقد تجاوزت كثيراً من العقوبات الأميركية السابقة التي فُرضت عليها قبل التفاهم. ذلك أنّ مخاوفها إزدادت في مجالات وقطاعات حيويّة أخرى وأبرزها العراقيل التي بدأت تنشأ إزاء مصير بعض العقود التي أبرمتها مع أوروبا لتحديث قطاع الطيران المدني فيها مثلاً، عدا عن حاجتها الى كثير ممّا يؤدي الى تطوير برامجها الإقتصادية والمالية في العالم؟

وكل ذلك يجرى على وقع مخاوف كوريا الشمالية من الإجراءات الأميركية التي يمكن أن تطاول أسواقها الخارجية متى أقفلت في وجهها رغم إطمئنانها الى الضمانات الصينية التي نالتها عقب المواجهة الأخيرة مع واشنطن ولإقتناعها بأنّ هذه الأخيرة لن تخوض مواجهة خطيرة مع واشنطن من أجلها، وخصوصاً في المجال النووي كما في المجالات الإقتصادية والتجارية الكبرى.

والى هذه المعطيات المحيطة بالعقوبات إزاء طهران وسيول يبدو أنّ للعقوبات الجديدة على موسكو وجوهاً متعدّدة دفعت برئيس الحكومة الروسية الى الإعلان في الساعات الماضية عن أنّ العقوبات على رغم قدمها هي «إعلان حرب تجارية شاملة» تهدّد الإقتصاد الروسي في أخطر قطاعاته ومجالاته الحيويّة والتي زادت من كلفتها ما تتبّكده موسكو من انفاق غير مسبوق في مناطق التوتر، وخصوصاً في أوكرانيا وسوريا وهو ما ترجمته وزارة الخارجية الروسية في بيان أعقب تصريحات رئيس الحكومة عندما قالت في بيان رسمي لها إنّ ما تقوم به واشنطن «نهج سياسي قصير النظر وحتى خطير يهدّد بتقويض الإستقرار العالمي الذي تتحمّل موسكو وواشنطن مسؤولية خاصة عنه»، قبل التأكيد أنّ «روسيا تحتفظ بحق الرد على هذه الأعمال العدائية».

وعند الحديث عن حقّ الرد الروسي، يُعبّر زوار واشنطن بنوع «السخرية» عند تقويم هذا الرد على العقوبات الجديدة الذي تجلّى بتخفيض عدد أعضاء السلك الديبلوماسي الأميركي الى الحدّ الأدنى وطاول الموظفين الروس في منشآت السفارة الأميركية في موسكو ووضع اليد على منتجعات ومراكز ترفيه روسية موضوعة في تصرّف الرعايا الأميركيين والديبلوماسيين في ضواحي موسكو، وذلك في موازاة أشد العقوبات الإقتصادية التي يمكن أن تطاول قطاع النفط والغاز الروسيين ومجالات أخرى حيوية ستجد موسكو نفسها مكبلة تجاهها في اكثر من منطقة في العالم.

وعليه يستذكر زوار واشنطن عند استعراض العقوبات الأميركية الجديدة على روسيا ما رافق تلك التي فرضتها الإدارات السابقة قبل انهيار الإتحاد السوفياتي وصولاً الى مرحلة «البيرسترويكا» التي غيّرت وجه الإتحاد السوفياتي في العالم والدول المحيطة به. وهنا يعود الربط بين ما هو مقصود وبين طموحات بوتين باستعادة أمجاد غابرة والدور والحضور الدوليّين لبلاده عبر إحياء الدور السابق لذلك الإتحاد المنحلّ.

ويتوقف زوار واشنطن أيضاً في قراءتهم عند إستمرار التفاهم بين واشنطن وموسكو حول الأزمة السورية على رغم الخلافات بينهما حول القضايا ألأخرى توصلاً الى اعتباره مرحلةً قد تطول أو تقصر قياساً على حجم ما يسمّونه التزام روسيا ما تعهّدت به تجاه تطورات الأزمة السورية الراهنة.

فواشنطن التزمت ووفت بتفكيك كثير من المنظمات السورية التي رعتها وجرّدتها من أسلحتها وسهّلت قيام «المناطق الآمنة» وصولاً الى التنازل قريباً عن منطقة التنف لمصلحة الروس، فيما لم تُعبِّر روسيا في أيّ خطوة جديدة عن التزامها «إنهاء» الدور الإيراني والميليشيات المؤيّدة لها في سوريا، والبتّ بمصير الرئيس السوري بشار الأسد.

لا بل فهي ترى أنها ماضية في تعزيز قدرات هذه الأطراف كافة الأمر الذي لن تقبل به الإدارة الأميركية في انتظار ما ستتّخذه من إجراءات قريباً بعد تحميل روسيا مسؤولية ما أشارت اليه واشنطن على لسان وزير خارجيتها عندما حذّر من «حرب أهلية في سوريا بعد هزيمة داعش» وما يمكن أن يكون عليه الوضع فيها مستقبلاً.