IMLebanon

“المركزي الأوروبي” أمام إمتحان إتخاذ القرار

متابعو الاحداث الاقتصادية العالمية ينتظرون بفارغ الصبر ما سيحدث في ٢٦ تشرين سيما انه من المتوقع ان يعلن البنك المركزي الاوروبي عن تغيير في برنامج تحفيز السياسة النقدية. ويتوقّع الاقتصاديون انخفاض مشتريات الاصول الشهرية التي تصل حاليًا الى ٦٠ مليار يورو.
ينتهي الاطار الزمني لبرنامج التحفيز الاوروبي في كانون الاول مع اقتصاد يُظهر علامات تحسّن مبدئي. لكن المراقبين يتوقعون تغييرا وليس انهاء كاملا لهذا البرنامج. مع ذلك، يتوقّع اقتصاديون من بركلي ودويتش بنك و Pictet ان تنخفض مشتريات الاصول هذه الى ٤٠ مليار شهريًا حتى حزيران مع توقع نهايته حسب Pictet في العام ٢٠١٨.

بينما يتوقّع بركلي بقاء عملية الشراء حوالي ١٥ الى ٢٠ مليار يورو في الشهر، سيما ان اي نهاية مبكرة لهذه العملية قد تدفع نحو مزيد من انتعاش اليورو. والشىء شبه الاكيد انه من غير المحتمل ان يمتد شراء السندات المالية نظرًا لتحسن الظروف الاقتصادية وارتفاع توقعات النمو لعام ٢٠١٧ من ١،٩ بالمائة الى ٢،٢ بالمائة (هذا احسن توقع له منذ بداية الأزمة المالية العالمية).

والفرضية الثانية التي قد تكون شبه مستحيلة وفقًا لبعض المراقبين هي ان البنك المركزي الاوروبي قد نفذ منه المال لشراء الاصول- وهذا الأمر نفاه دراغي عندما حاول القول انه مستعد لزيادة برنامج شراء الاصول من حيث الحجم او المدة.

هذا الموضوع حساس ومهم للمستثمرين وللتجارة. هناك بعض الاسئلة تراود افكار الاقتصاديين والمستثمرين ويريدون الاجابة عليها نظرًا الى اهمية هذه العملية بالنسبة الى اوروبا وللعالم بالمطلق.

قد يكون السؤال الابرز متى يبدأ المركزي الاوروبي في هذه العملية.

في استبيان أجرته «رويترز»، توقع المحللون ان يبدأ الاوروبي عملية تخفيف شراء السندات في ايلول وعلى الاكثر في تشرين الاول. وبما أن الفترة الاولى مضت من دون أن يحدث شيئ، بات من المرجّح أن يتم تخفيف التحفيز في ٢٦ تشرين الاول الجاري. علمًا ان قرارا مماثلا يعتمد بشكل كبير على البيانات وظروف السوق.

والسؤال الثاني الذي يطرح نفسه متى تبدأ العملية سيما وان التسيير الكمي تنتهي فترته في كانون الاول ما يضيف امكانية انخفاض عملية شراء السندات في مطلع العام ٢٠١٨. والامر الملفت للانتباه انه ورغم ان النمو هو الافضل في عقد من الزمن فإن التضخم ما زال ضعيفًا واقل بكثير من الهدف الذي حدده البنك المركزي الاوروبي اي ٢ بالمائة على الاقل في العام ٢٠١٩.

الأمر الجدير بالاهتمام هو كم ستستغرق هذه العملية اي تدرّج انخفاض شراء السندات لكي تنتهي، واذا كان البنك المركزي الاوروبي سوف يتبع نموذج مجلس الاحتياطي الفدرالي الاميركي ويجعلها تخفيضات شهرية بما يعني فترة تتراوح ما بين ٦ الى ١٢ شهرًا. وعمليًا، يمكنه فعل ذلك شرط ان يعيد تقييم هذا العمل كل ثلاثة اشهر حسب المراقبين.

هذه الاسئلة مهمة سيما وان ما يتأتى عنها حيوي مثل ارتفاع اسعار الفوائد، واذا ما كانت هذه العملية سوف تؤدّي لا محال الى ارتفاع الفوائد اقله حوالي تموز ٢٠١٨ غير ان آخرين توقعوا رفع سعر الفائدة على الودائع بمقدار ١٠ نقاط اساسية في اواخر العام ٢٠١٨. اما بعضهم فيتوقّع ان تظل الفوائد دون تغيير حتى العام ٢٠١٨. واخيرًا، كيف سيتمكّن المركزي الاوروبي من مواجهة رد فعل السوق واذا ما كان هذا سيؤثر سلبًا على اليورو الاقتصاد.

في الواقع، فان جزء من ارتفاع اليورو في هذه الفترة سببه ضعف الدولار هذا العام على خلفية الاضطرابات السياسية في واشنطن. واكبر تحد للمركزي الاوروبي يتمثّل في اقناع الاسواق بأنهم يسيطرون على الوضع ويمكنهم اعادة شراء السندات انما الخطر قد يكون الافراط في سرعة ارتفاع اليورو بما يؤثر على مسار الانتعاش الاقتصادي عن طريق تشديد الشروط النقدية بسرعة قوية.

والمثال على ذلك واضح، وخير دليل العام ٢٠١٣ عندما اعلن الاحتياطي الفدرالي الاميركي عن بطء برنامج شراء السندات الامر الذي رفع قيمة الدولار وسبّب اضطراب الاسواق او ما هو معروف به «taper tantrum» لذلك قد يستفيد المركزي الاوروبي ويستعمل سياسة مختلفة نسبيًا عن سياسة الفدرالي في العام ٢٠١٣.

والسيناريو قد يكون على الشكل التالي ومشابها الى حد بعيد سياسة الفدرالي الاميركي. والاشارة هنا الى خارطة طريق قد يتبعها المركزي الاوروبي وهي مواصلة خفض مشتريات السندات في كانون الثاني للعام ٢٠١٨ قبل انهاء البرنامج في تشرين الاول من العام نفسه، وعندئذٍ يبدأ برفع اسعار الفوائد اي بعد سنة تمامًا في كانون الاول من العام ٢٠١٩ مع استمرار اعادة الاستثمار في سندات ناضجة.

أخيرًا، تحدث موازنة التطبيع بعد عامين اي في الربع الرابع العام ٢٠٢١. هذه اشارة تكلم عنها عدد كبير من المحللين، وتعتبر خارطة طريق، انما تبقى غير مؤكدة. وقد عمد المركزي الاوروبي مرارًا وتكرارًا الى التأكيد ان عملية التحفيز قد تستمر اذا ما لزم الامر.

اضف الى ذلك ان وضعية اوروبا تختلف والى حد بعيد عن وضعية الولايات المتحدة، وعلى المركزي الاوروبي ايجاد مزيج من السياسات الاقتصادية التي تتوافق مع وضعية الدول فيها مع تضخم مرتفع نسبيًا واسواق عمل جيدة في المانيا والنمسا وهولندا، وتضخم منخفض واوجه ضعف مالي في ايطاليا والبرتغال، ونسبة اقل في اسبانيا.

ويدعو المركزي الألماني bundesbank في حال تمّ خفض التحفيز الى رفع الفوائد بينما الضعف الاقتصادي في العديد من دول منطقة اليورو يحاول تجنّب اي تقييد مالي حاليًا.

لذلك، قد تكون كلمة «Tapering او تخفيف عملية التحفيز خطيرة اذ انها تعني انهاء فعليا لعملية التيسير الكمي، وتعني بالتالي مخاطر جديدة على الانتعاش في منطقة اليورو في ظل عملة قوية وصادرات متراجعة ودول ذات اقتصادات هشة. ويبقى القول انه الامتحان الاقوى لدراغي وللمركزي الاوروبي.