IMLebanon

“حزام بؤس” حول الضاحية: “حزب الله” مع الدولة

كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”
خلال الساعات الـ72 الماضية إشتعلت مواقعُ التواصل الإجتماعي في الضاحية الجنوبية بحملة تنظيم أنشطة «هاشتاغ» للرد على حالات فردية ومحصورة برزت في حيّ السلم تمّ خلالها توجيهُ نقدٍ للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله.

لقد برزت مئاتُ «الهاشتاغ» التي تعبّر عن إدانة ما حدث والرد عليه بأساليب مختلفة. ويمكن إدراج بعض نماذجها الدالّة الى المعنى الذي قصدته هذه الحملة: عرض «هاشتاغ» لصورة المرأة التي انتقدت السيد نصرالله على خلفية جرف أحد الأكشاك الذي تعتاش منه في حيّ السلم، والى جانبها تمّ عرض امرأة فقدت بيتها في حرب تموز وهي تقول «فداك يا سيد». أراد هذا «الهاشتاغ» عرضَ نموذج بيئة الصمود في الضاحية بصفته أنه الأعمّ والمعبّر عن هويتها الاجتماعية والسياسية.

«هاشتاغ» آخر دعا الى تنظيم حملة واسعة ليل الأربعاء – الخميس الفائت للرد على كلام صدر عن بعض المتجمهرين المحتجّين في حيّ السلم، فيما ثالث عرض تفصيل هوية أحد المحتجّين التي تُظهره أنه ليس من اللون الطائفي الغالب في حيّ السلم.

ورغم أنّ الكلام الذي صدر عن محتجّين في حيّ السلم يُعتبر حالةً فردية وانفعالية، ورغم أنّ السيدة التي تمّ تركيزُ الأضواء الإعلامية عليها عادت وأصدرت بياناً اعتذرت فيه من السيد نصرالله، إلّا أنّ ما حصل هو من منظار «حزب الله» يشكّل سابقةً تحتاج الى قراءتها بمنظار أوسع ويقع تحت عنوان خطورة التحدّيات المعيشية والاجتماعية التي تواجه حاضنته الاجتماعية وانعكاسات نتائجها على علاقتها به.

والواقع أنّ الإستنتاجات الأساسية حول ما حصل في حيّ السلم تتمّ مقاربتُها من وجهة نظر أجواء قريبة من «حزب الله» انطلاقاً من المعطيات الأساسية الآتية:

ـ أولاً، منذ الأحداث التي حصلت في محيط مخيم برج البراجنة قبل نحو شهرين وسقط فيها جرحى بفعل اشتباك بين عائلتين على خلفيّة تنافسهما على تهريب منتجات للمنطقة، أصبح «حزب الله» أكثرَ تشدّداً في موضوع ضرورة أن تدخل الدولة الى عمق مجتمع الضاحية الجنوبية.

ويفسّر قرار «حزب الله» هذا، لماذا لم يتدخّل لإيقاف مفاعيل الإنذار الذي تمّ توجيهُه الى أصحاب أربعة أكشاك مخالِفة في حيّ السلم لإزالتها طوعاً خلال مدة أسبوع، علماً أنّ الجهة التي وجّهته هي إتّحاد بلديات الضاحية وبلدية الشويفات، والأول يرأسه «حزب الله» ما يؤشر الى أنّ الحزب كان على علم بالقرار المتَّخَذ لإزالة الأكشاك المخالِفة ولم يتدخّل لإيقافه.

ويُعتبر هذا الأمر رسالةً واضحة منه لجهة أنه ماضٍ في سياسة دعم دخول الدولة عملياً الى عمق مجتمع الضاحية ومعالجة مشكلات الفلتان فيها، وذلك تحت سقف الدولة وبواسطة أدواتها حصراً.

ـ ثانياً، لقد حاول الحزبُ قبل اتّخاذه قرارَه النهائي بوجوب دخول الدولة الى الضاحية لمعالجة مشكلاتها المتعاظمة على المستوى الأمني الإجتماعي والمعيشي، كان شجع ورعى لفترة غير قصيرة إطلاق مبادرات جهات من داخل الضاحية (هيئات من مجتعها المدني وبلدياتها)، والهدف من ذلك محاولة إنتاج حلّ لهذه الأزمات بالتعاون بينه وبين مجتمعها المدني وبلدياتها، والتشارك في مسعى إنتاج وعي عام لمصلحة انتظام الحياة العامة فيها.

فقبل أشهر عدة أطلقت بلديات في الضاحية وجمعيات أهلية مبادرة «النظافة من الايمان» (الشعار مقتبَس من حديث ديني في محاولة لمخاطبة الوجدان الديني للسكان لإنجاح المبادرة) ثم قبل نحو أسبوعين أطلقت مبادرة أخرى مشابهة.

غير أنّ النتيجة من هذه المبادرات لم تؤشر الى أنّ في إمكانها إحداث فارق نوعي، أو حتى يعتدّ به، على مستوى قدرتها على مواجهة حالة فوضى تسود الضاحية، والتي زادت خطورتُها بعدما تداخل فيها شقُّ انتشار المخدرات بشقَّي الفلتان الاجتماعي والمافيات ونزاعاتها المسلّحة داخل الأحياء، الخ..

ـ ثالثاً، لا شك في أنّ قرار الحزب النهائي بدعم بدء العودة الفعلية للدولة الى الضاحية، والذي كانت حادثة تجريف الأكشاك الأربعة أوّل بوادره العمَلية، له أسباب موجِبة سياسية وأمنية وإجتماعية.

فالحزبُ يرى أنّ هدفَ الاتّجاه الراهن لتشديد حملة العقوبات المالية، ليس إيذاءَه كجسمٍ تنظمي لأنّ الغرب وحلفاءَه يعرفون أنّ هذه الإجراءات لن تؤدّي هذا الغرض، بل هدفه الحقيقي هو النيل من بيئته الحاضنة وتقليبها عليه.

وعلى رغم محدوديّة ما حصل في حيّ السلم إلّا أنّ الحزبَ يراه إشارةً تريد خدمة هذا الهدف الضمني للعقوبات عليه، كما يرى في تركيز الإعلام عليها جزءاً من هذا الهدف الذي يتوقع تصاعد تعبيراته السياسية والإعلامية.

ـ رابعاً، ثمّة رأي داخل الحزب يرى أنّ مع اقتراب الانتخابات النيابية، فإنه حتى موعد إجرائها، سيواجه نوعاً من ممارسات القوة الناعمة ضده داخل بيئته، وذلك لإحباط هدفه الانتخابي الأساسي وهو حصد كل المقاعد الشيعية في الجنوب، وأيضاً في عدد من الدوائر الأخرى.

والفكرة الأساسية في هذا المجال، تفيد، ودائماً من وجهة نظر الحزب، أنه مع إدراك خصومه بأنّ «الحربَ الخشنة» ضده لن تعطي نتيجة، أقله في هذه المرحلة، فإنّ هناك سعياً الى تجريب توجيه «حرب ناعمة» ضده إقتصادية وإجتماعية وسياسية..

أضف الى ذلك أنّ الحزبَ ثبت له بالتجربة أنه لا يستطيع حلّ الأزمة الإجتماعية داخل الضاحية التي أصبحت أزمةً بظواهر عدة، وكلها خطرة، وأبرز عناوينها يتمثّل أوّلاً بنشوء «حزام بؤس» داخل بيئة الضاحية، وهو يمتدّ من صحراء الشويفات فمناطق «حيّ السلم» و«العمروسية» وجانبَي طريق المطار في اتّجاه «حرش القتيل»، وأيضاً في اتّجاه منطقة برج البراجنة.

ويقيم في هذا الحزام نحو 200 ألف نسمة هم خليط من غالبية شيعية وديموغرافيا فتيّة في نموِّها كسُنّة بلدة عرسال والنازحين السوريين، وأيضاً مع تداخلاتٍ ديموغرافية فلسطينية. وبات «حزامُ البؤس» داخلَ الضاحية يمثل بالنسبة الى قلبها «الأكثر استقراراً إقتصادياً وإجتماعياً نسبياً»، عبئاً لا يملك «حزب الله» رفعَه عنه.

والخلفية الأعمق لما يحدث في الضاحية على المستوى الاجتماعي، هو أنها الى جانب غياب الدولة عنها، تحوّلت كنتيجة الصعود الشيعي خلال العقدَين الأخيرين، من حزام بؤس على الطرف الجنوبي لبيروت الى مدينة توازي بيروت ـ العاصمة.. وككلّ العواصم أو المدن ذاتَ الثقل في العالم، فإنّ تطوّرَها الاقتصادي يُنشِئ حزامَ بؤس حولها.

وهكذا تحوّلت الضاحية من شريط بؤس حول بيروت الى عاصمة لديها شريط بؤس من أبناء جلدتها يحوط بها ويضع أمام «حزب الله» حقيقة أنّ الحلّ يحتاج لإمكانات دولة وليس لحزب.