IMLebanon

النازحات في فنيدق يتعلّمن بعد سنين… لقراءة الرسائل

كتب مايز عبيد في صحيفة “الجمهورية”:

الجميع هنا مُجمع على أنّ الأمّية مشكلة كبيرة، وأنّ قراءة رسائل ذويهم أولوية. ففي فنيدق في أعالي جرد القيطع في عكار، تلك البلدة التي استقبلت أعداداً كبيرة من النازحين السوريين، تحاول النساء النازحات فيها البحث عن أنفسهنّ من خلال اللجوء إلى التعليم، لمحو أميتهنّ انطلاقاً من مبدأ أنّ مَن لا يعرف القراءة والكتابة، هو أعمى بكل ما للكلمة من معنى.قرَّرت مجموعة من السيدات السوريات من سكان بلدة فنيدق، التعلّم واكتساب اللغة ومحو أميّتهنّ، من أجل أن يكنّ أمهاتٍ صالحاتٍ في تعليم أبنائهن من جهة، وفي القدرة على التعامل مع الهاتف وقراءة وكتابة الرسائل التي أصبحت ضرورة أساسية للتواصل في هذه المرحلة في وطن الشتات لبنان، مع أبنائهن وذويهن سواءٌ في لبنان أم في سوريا، من جهة ثانية.

من 17 حتى 65 عاماً

في مبنى جمعية «جيل الأمل» في فنيدق، نسوة تتراوح أعمارهن بين 17 و65 سنة، يجلسن على مقاعد الدراسة، يتعلمن اللغة العربية من الصفر. يتعلمن فكّ الحروف وتركيبها وتشكيل الكلمات قراءة وكتابة، على يد المعلمة السورية فاطمة عبيد. ومن الجدير ذكره أنّ الدورة تطوّعية: فلا منظّمة تدعم، إنما جهودٌ ذاتية من المعلمة، إلى جانب مبنى صفّ مقدّم من إدارة جمعية «جيل الأمل»، مع متطوّعات يساعدن لوجستياً ونساءٍ يثابرن على الحضور والتعلّم.

هدى الثائر، نازحة سورية من حمص تقول لـ«الجمهورية»: «هذه دورة مهمة جداً بالنسبة إلينا. كنا نمرّ على الطرق فنرى لافتات ولا نعرف ما هو مكتوب عليها. وكنا نتلقى رسائل من أقاربنا إن في سوريا أو حتى في لبنان على هواتفنا ولا نعرف ما فيها. هذه الدورة مهمة جداً واستفدنا فيها أقلّه في تعليم أولادنا».

أما وضحة مصطفى وهي نازحة من حمص أيضاً، فاعتبرت «أنها تتعلّم اليوم من أجل أولادها، من أجل تعليمهم وتثقيفهم والإنتباه عليهم في هذا المضمار، كنا في غموض تام والآن أصبحنا نرى ونبصر بالعلم والمعرفة».

المعلمة المسؤولة عن الدورة فاطمة مصطفى عبيد، أوضحت «أنه كونها كانت تعمل سابقاً مع جمعيات إغاثية عدة في الشأن السوري، وعلى تماس دائم مع النازحين والنازحات، فكانت أكثر الطلبات على التعليم ومحو الأمية.

طرحنا هذا الموضوع على المنظمات لكن من دون تجاوب بسبب غياب التمويل». وأضافت: «قرّرنا أن نعتمد على أنفسنا، ودعوت النساءَ اللواتي يرغبن في التعلّم في فنيدق، فجاءتنا 15 طالبة من أعمار 17 حتى 65، وبدأنا معهنّ التدريس والتعليم ومحو الأمية وواجهتنا صعوباتٌ كثيرة لكن في النهاية النساءُ ثابرن على الحضور والإلتزام، والآن اكتسبن اللغة العربية بجزءٍ مهم منها بعدما كنّ لا يفقهن فيها شيئاً. أشكر جمعية «جيل الأمل» ورئيسَها علي صلاح الدين لأنها قدّمت لنا مركزها مجاناً معنا لإنجاح هذه الدورة التطوّعية».

صلاح الدين

رئيس جمعية «جيل الأمل» علي صلاح الدين، اعتبر أنّ هذه الدورة أتت بناءً على رغبة النساء السوريات بالتعلّم، والخروج من حال الغموض لديهنّ إلى حال المعرفة والوضوح من خلال دورة محو الأمية.

ولفت إلى “أننا في جمعية «جيل الأمل» نعمل على إغاثة النازحين السوريين منذ فترة طويلة، ولا نترك أيّ جهد إضافي ممكن أن نساهم فيه إلّا ونتجاوب معه، وما حصل في هذه الدورة التي قدّمنا لها الصف بالمجان، أنّ هناك عدداً من النسوة من سكان فنيدق أصبحن قادرات على القراءة والكتابة وهذا أمر جيد ومهم من أجلهن ومن أجل حياتهن وحياة أبنائهن ونحن فخورون كجمعية أننا ساعدنا في شيء من أجل هذه الغاية”.

بعد أشهر على انطلاق الدورة في محو الأمية للنساء السوريات بجهود ذاتية وقدرات تطوّعية، أصبحت النسوة قادرات على التعامل مع اللغة العربية قراءةً وكتابةً بشكل مقبول، أما مستواهن فهو يتطوّر بشكل ملحوظ يوماً بعد آخر، والأهم من ذلك كله، أنهنّ قرّرن أن يمحين أميتهنّ من أجلهن ومن أجل أولادهن ومجتمعهن، ذلك المجتمع القابل للتطوّر في كل لحظة، فلم يعد باستطاعة المرء فيه مهما بلغ سنّه أن يبقى أعمى ويعيش على الهامش.