IMLebanon

السنة الدراسية مُهدَّدة وحمادة: نحتاج لتريُّث تربوي

كتبت ناتالي إقليموس في صحيفة “الجمهورية”:

«… سيري فعَيْن الله ترعاك». بقدرة إلهية تطوي السنة الدراسية شهرها الثاني، فيما الكِباش يَستعر بين مكوّنات الأسرة التربوية، وشَد الحبال على أوجه. عيون الاساتذة على رواتبهم، وعيون الاهالي على الاقساط، وعيون مدراء المدارس على مصادر تمويلية. كلّ خلف متراسه، الأساتذة مُصرّون على «آخر فرنك» من حقوقهم»، فيما الاهالي رافضون أي «ليرة زيادة»، والإدارات «العَين بصيرة واليد قصيرة». واليوم ينقل أساتذة التعليم الخاص إضرابهم إلى أمام وزارة التربية والتعليم العالي، حيث سيجتمع الوزير مروان حمادة مع نقابة المعلمين ظهراً.إنقسَم المشهد التربوي أمس إلى اثنين: في أروقة وزارة التربية في الطابق 15 يبحث الوزير مروان حمادة مع وفد من اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة عن حلول تَمدّ السنة الدراسية بـ«الأوكسيجين»، في محاولة لإطالة عمرها.

أمّا في نقابة المعلمين في بدارو، فاحتشد الاساتذة الملتزمون بالإضراب وسط أجواء من الغضب والتململ على اعتبار أنهم ليسوا، كما يُقال بالعاميّة اللبنانية، «حَرف ناقِص»، نتيجة امتناع بعض إدارات المدارس عن الالتزام بدفع سلسلة الرتب والرواتب، وفق ما أقرّها مجلس النواب.

«تريّث» تربوي

في هذا السياق إعتبر حمادة، في حديث لـ«الجمهورية»، «أنّ المسألة تحتاج إلى تريّث تربوي»، قائلاً: «مثلما هناك تريّث سياسي لكي لا ينفجر الوضع، نحتاج إلى تريّث تربوي ليبقى حق كل تلميذ فوق كل اعتبار».

وعن موقفه من اعتبار البعض أنّ المشكلة تكمن في موازنات المدارس التي يتم التَكتّم عليها، قال حمادة: «يتمّ التدقيق والكشف على الموازنات بالتنسيق مع خبراء المحاسبة في المدارس، وهناك عدد من المدارس اتفق مع معلّميها انّ الزيادات التي سبق ومنحتهم إيّاها هي جزء من الزيادات الآنية.

لذا، هناك مجموعة من الحلول الموضوعية في أيدي المدارس، ولكن لا بد من المضي قدماً في حلّ عام. لذلك، نحتاج إلى التروّي والمزيد من الدرس». وأضاف: «ما يزيد الطين بلة انّ مشكلة الرواتب والاقساط جاءت في وضع إقتصادي سيئ وفي أجواء سياسية ضبابية».

في التفاصيل

قرابة نصف ساعة إجتمع حمادة مع وفد من اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة برئاسة الاب بطرس عازار، محاولاً قدر الإمكان استيعاب المشكلات الناتجة عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب في قطاع التعليم الخاص. نصف ساعة كانت كافية، نظراً إلى انّ المجتمعين باتوا على يقين بأدق تفاصيل المشكلة وعلى دراية تامة لمكامِن الخلل نتيجة وحدة التشريع ما بين قطاع التعليم العام والخاص.

كان يكفي النظر إلى ملامح وجه حمادة وهو يخرج من الإجتماع، لتقدير حجم انسداد أفق الحلول واختناقه من الإضراب الذي ينفّذه الاساتذة. بعدها، تحدث أمام الإعلام قائلاً: «تعود الامور بعد ان تدور كثيراً إلى وزارة التربية، وقد تعود منها ايضاً الى السلطات والمؤسسات الدستورية، أكان مجلس الوزراء او مجلس النواب، الخلاف لا يزال قائماً بين تفسير كل فئة للقانون.

الرأي العام الممثّل بالاهل في وضع اقتصادي استثنائي لا يستطيع ان يتحمّل زيادات في أقساط المدارس الخاصة او معظمها، خصوصاً التي لها فروع مجّانية. وهذه المدارس لا تستطيع ان تدفع كامل السلسلة من دون ان تزيد الاقساط، وإلّا ذهبت الى نقص في السيولة وبعضها إلى الافلاس.

المعلمون، وعن حق، يريدون التمسّك بما أعطاهم إيّاه القانون 46 في مادته التاسعة، وفي المواد التي وَحّدت التشريع بين التعليم الرسمي والتعليم الخاص. معضلة مستمرة لا تستطيع الدولة ان تحلها بضَخّ مئات المليارات لتغطية هذا العجز وهي عاجزة اصلاً، ولا أريد هنا ان ادخل في متاهات السياسة والاقتصاد والمال، ومن جهة اخرى لا بد ان تستمر السنة الدراسية بشكل منطقي».

أضاف: «سأجتمع بنقابة المعلمين. فَشّة الخلق هذين اليومين من حقهم. هناك مدارس لم تضرب ومدارس أضربت، وهناك أوضاع غير مستقرة، واتمنى ان أتوجّه الى مجلس الوزراء بعد يوم او يومين او اسبوعين وان نعود الى المؤسسات الدستورية بشكل منتظم، ولكن في هذه الاثناء سأستمر بجَمع لجنة الطورائ ولو إرباً إرباً أو شَقفة شَقفة».

وتابع: «لجان الاهل ما زالت قيد التأسيس، لجان الاهل الموجودة انتهت مدتها، وأريد ان تكون لجان الأهل التي تأتي ممثلة حقيقية عن الأهل لتعود وتكتمل العائلة التربوية، معظم المدارس الخاصة التي تمثّل خصوصاً المدارس المجانية، هي مؤسسات خيريّة من كل الطوائف لا تزال تعتبر انّ الدرجات السِت لا يستحقها معلمو التعليم الخاص، هيئة التشريع والقضايا أعطت رأياً لم نتبلّغه رسمياً من وزارة العدل، منها نظرة انّ السلسلة مُحقّة للمعلمين في القطاع الخاص ومنها تحفّظ على المفعول الرجعي في أمور كثيرة، ولم تعط بعد رأيها في الدرجات الست».

واعتبر حمادة «انّ أيّ إضراب هو إضراب لا حاجة له، كلنا نتابع حقوق المعلمين إنما كلنا يجب ان نكون مُتنبّهين الى الحق الاعلى والمقدس الذي هو حق الطالب والتلميذ اللبناني، حقه فوق كل الاعتبارات، فوق ميزانية المدارس، وفوق حقوق المعلمين». وأضاف: «رجاء ألّا تضعوا التلميذ كبش محرقة في صراع هو صراع منطقي ربما مشروع، ولكن لا شيء ليس له حلّ.

بالتدرّج، يمكن مدّ الامور مع اعتراف بالحقوق على سنتين او ثلاث، فلنبقَ كما نعمل بالسياسة في هذه الايام نأخذ بعضنا بالهدوء والتروّي، وكلّ واحد يأخذنا «بحلمه» كما يقال، ونعيد القطاع التربوي الى هدوء مستمرّ للسنة الدراسية من الآن حتى آخر الفصل.

هناك انتخاب اللجان وآراء هيئة التشريع والقضايا، وهناك ربما مداولات في مجلس الوزراء ومجلس النواب، وإن شاء الله نجد حلاً لكل هذه الامور. إنتبهوا الى الطالب والتلميذ قبل كل شيء». وأكد حمادة انّ «تطبيق القانون 515، الذي يُحدّد كيفية وضع الموازنات، هو السائد حتى آخر العام 2017».

وعن موقفه من بعض لجان الاهل الذين لن يسدّدوا القسط الثاني ولن يوقّعوا الموازنة المدرسية، قال حمادة: «ليس كل واحد يأخذ مسدساً ويصوّب في اتجاه رجليه.

اذا لم يدفعوا الفصل الثاني فالمدرسة ستُغلق، فلا يكونوا حَرموا الاستاذ من حقوقه بل حَرموا اولادهم من التعليم. وبرأيي، لا أحد يدفع الامور الى الآخر. فليَنظروا ماذا يحصل في السياسة، ولنَتروَّ قليلاً، فليكملوا لجان الاهل والموازنات، ونَستقصي من هيئة التشريع والقضايا عن الزوايا الضبابية في هذا القانون، ونتّفق في النهاية ولا يذهب حق لأحد».

مدارس المقاصد

وعلى هامش الإجتماع، أعربت مدير عام «جمعية المقاصد» عدلا شاتيلا لـ«الجمهورية»، عن الهَم المشترك الذي يخيّم على المدارس الخاصة قائلة: «70 في المئة من مدارسنا مجانية، وبالتالي تمنعها الدولة من أخذ رسم من الاهالي، وفي حال زيادة الرواتب، من أين سنأتي بالتمويل؟

هذا الأمر سيعرّض مدارسنا المجانية للإقفال، نتيجة تطبيق السلسلة والاصرار على تسديد المادة التاسعة التي تَنص على إعطاء 6 درجات للمراحل التعليمية كافة».

وتضيف: «لذا، نصرّ على أن تكون الـ 6 درجات هذه للأساتذة في القطاع العام وليس في الخاص، والتي تمّت المطالبة بها على أساس رَدم الهوّة بين الاساتذة في القطاعين»، مُتأسفة كيف «انّ الدولة أقرّت لنفسها التمويل بعدما وَفّرت مصادرها، فيما لم تأبَه لمصادر التمويل في قطاع التعليم الخاص».

مدارس المصطفى

بدوره، تحدث ممثّل مدارس المصطفى محمد سماحة عن الأزمة التي تكاد تنفجر في مدارسهم، قائلاً لـ«الجمهورية»: «المشكلة لا تنسحب فقط على مدارسنا التي تضمّ نحو 7000 تلميذ ونحو 800 أستاذ، إنما تشمل الوضع التربوي العام برمّته.

نحن على استعداد لدفع الرواتب بناء على السلسلة، ولكن المشكلة الاساسية في الـ6 درجات، ونحن لا نَجد أنفسنا معنيّين بها وليست حقاً بالأصل». وأضاف: «أمّا بالنسبة إلى تمويل السلسلة، فحتماً سيكون هناك زيادات على الاقساط. وكلّ مدرسة تحدّدها بحسب خصوصيتها، فإن لم يشارك الأهل الإدارات لن نتمكن من تَخطّي الأزمة».

نقيب الأساتذة

من جهته، أكّد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود «أنّ كل ما تطالب به النقابة هو تطبيق القانون 46، وفي حال بقيت الأمور بهذه السلبية سنُصعّد، كما سنتوجّه نحو إضراب مفتوح». وأضاف: «نعمل ليكون كل الزملاء على مستوى واحد، إذ لا يمكن التصريح انّ هناك أستاذاً يتلقّى راتب مليوني ليرة في حين لا يتجاوز راتبه الـ 500 ألف».

ورداً على الاهالي الذين يتهمونهم بأخذ التلامذة رهينة في ظل الازمة الراهنة، لفتَ إلى «أنّ الادارات في المدارس هي التي أخذت التلاميذ والاهل كما الأساتذة رهينة لها»، ملوّحاً بـ«أننا سوف نُسمّي المدارس التي مارست الضغط وخالفت، وسنُريها من تكون النقابة».

الأهل يصعّدون

وفي السياق، عقدت الهيئات الإدارية لاتحادات وتكتلات لجان الأهل في بيروت والمتن وكسروان الفتوح وجبيل و«منسقية لقاء الجمهور – بعبدا»، لقاء ناقشت فيه تطورات تداعيات قانون السلسلة، لا سيما سياسة الاضرابات وانعكاسها السلبي على حُسن سَير العام الدراسي، كما درست خطواتها التصعيدية اللاحقة لكي لا يدفع أولادها ثمن التجاذبات القائمة، والتي لا دخل لهم فيها. لذا، دعا المجتمعون «الأهل في المدارس التي تَوقّفَ فيها التعليم يومي 28 و29 تشرين الثاني، الى التوقّف التام عن تسديد الأقساط المدرسية».

وناشَدوا الاساتذة العودة عن إضرابهم، معتبرين أنه «رغم تضامن الأهل مع حقوق الهيئات التعليمية، ندعوهم مجدداً الى العودة عن الاضراب وعدم استعمال أولادنا وسيلة ضغط، مع إصرارنا على عدم وَضع الأهل ومعلّمي أولادهم وإدارات مدارسهم في المواجهة». وطلبوا من لجان الأهل في المدارس الخاصة كافة «البقاء على أهبة الاستعداد للتحرّك في أي وقت، في ما لَو دَعت الحاجة».