IMLebanon

المطران عوده: ماذا لو تعرض أحدهم للسيدة زينب؟

قال متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عوده، خلال تراسه القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس : “يذكر بولسُ السكرَ لأنَّ المبالغةَ في شربِ الخمرةِ يُفقدُ الإنسانَ صوابَه فيقومُ بما لا يرضي الله. هنا أودُ أن أتحدثَ عما أتحَــفَــنا به أحدُ من يدّعون الشعرَ من كتابةٍ على صفحتِه الإلكترونية فيها من الوقاحةِ وقلةِ الأخلاقِ الشيءُ الكثير. وقد ظنَّ أنه بكلامِه هذا يهينُ سيدتَــنا والدةَ الإله الفائقةَ القداسة ويسيءُ إليها.

لو كان هذا فعلاً شاعراً لكان تميّزَ بالرقةِ والذوقِ والإحساسِ لأنّ الشاعرَ، مبدئياً، مرهفُ الحسِّ ورقيقُ المشاعر. أما أن يتطاولَ على رمزٍ من رموزنا المسيحية هي والدةُ الإله التي لها مكانةٌ مميّزةٌ في عبادتِنا، وندعوها أمَّ المخلّص وبابَ الفردوس والسلّمَ المُصعِدةَ إلى الله، ونلجأُ إليها لتتشفّع من أجلنا عند ابنها ربنا وإلهنا، فبئسَ الشعراء إن كانت الوقاحةُ والحقارةُ وقلةُ الأخلاقِ من صفاتهم.

قولُ هذا السكيرّ لا يضيرُ قديستَــنا لأنها أعلى وأنقى وأقدسَ من أن يدنّسَها كلامُ إنسانٍ فاجرٍ قال ما قاله ثم تراجعَ مختبئاً وراء حجة السكر. يا له من عذرٍ أقبحَ من ذنب. وقد فضحه سُكرُه فأخرجَ ما يعتملُ في صدره من حقدٍ على والدة الإله ومن يكرّمونها”.

وتساءل: “ماذا كان فَـعَـلَ هو نفسُـه لو تعرّضَ أحدُهم للسيدة زينب أو السيدة فاطمة أو لرمزٍ من رموز دينه؟ لكان بادرَ مع زمرةٍ من أمثاله إلى حرقِ الدواليبِ وقطعِ الطرقِ وتحطيم ِ الصلبان ورشقِ الكنائس بالحجارة وربما إلى القتل أو التدمير. أليسَ هذا ما حصل في 5 شباط 2006 وقد طاولت الإعتداءاتُ مطرانيتنا إذ حُطّم الصليبُ المرفوعُ على بابها وعلى كنائسنا”.

وتابع: “نحن لسنا من دعاةِ الشغـَــبِ وقطعِ الطرق. ونحن أولُ مَن ينادي بالحرية، حريةِ الرأي وحريةِ الفكرِ والتعبير، لكننا نرفضُ وندينُ بشدةٍ كلَّ ما يسيءُ إلى الآخر ويمسُ كرامتَـه وحريتَـه وإيمانَـه. الإنسانُ الذي يحترمُ نفسه يحترمُ الآخرَ ومن لا يُضمرُ الإحترامَ للآخر، كائناً مَن كان هذا الآخر، لا يحترمُ نفسَه. أما الإساءاتُ والتجريحاتُ فترتدُ دوماً على مُطــلــِقِــها ولا تمسُ المقصودَ بها خاصةً إذا كان المقصودُ اللهَ تَمَجَدَ اسمُه أو قديساً أو والدةَ الإله الفائقةَ القداسة”.

وأضاف: “كم كنا نتمنى أن نسمعَ أصواتاً من جميع اللبنانيين تدينُ ما كُتب وبخاصة من إخوتِنا المسلمين الذين يُكرّمُ كتابُهم سيدَتَنا والدةَ الإله وابنَها ربَّــنا يسوع المسيح. لَكُــنّا أحسسنا أننا فعلاً إخوةٌ في هذا الوطن، ما يؤذي أحدَنا يؤذي الآخر. يكفينا ما نعيشُه في هذه الأيام من مشاكلَ وضيقات، ولا ينقُــصُنا من يؤجّجُ الأحقادَ ويضربُ على الوتر الديني أو الطائفي. لذا نطلبُ من المسؤولين أن يقوموا بما يلزم، بحسب ما تنصُ عليه القوانين، من أجل محاسبةِ ومعاقبةِ كاتبِ هذه الإهانة، ليكونَ عبرةً لغيره، ولإبعادِ شبحِ التعصبِ والحقدِ والكراهية عن هذا الوطن. كما نرجو أن لا تكون العقوبةُ صُوَريةً أو مخفّفةً لأنّ التهاونَ في تطبيق القوانين أوصَلَنا إلى ما وَصَلْنا إليه من فوضى بدءاً من تخطي قانون السير إن لم نقل تَجَاهلَــه من قِبَل المواطنين، وصولاً إلى التطاولِ على المقدسات وانتهاكِ الكرامات والتعدي على الحريات”.

وتابع: “وبما أننا نخاطبُ المسؤولين، أود لفتَ نظرِهِم إلى الإجحافِ اللاحقِ بأبنائنا في قوى الأمن الداخلي والذي تناولَــتْه وسائلُ الإعلام إذ لم تراعِ التشكيلاتُ المُــقــتــَرَحَة التوازنات وكالعادة كان الإقصاءُ من نصيب الأرثوذكس. فهل يجبُ أن يدفعَ أبناؤنا دائماً الثمن؟ أم هل نفتقرُ إلى الكفاءات؟ ألم يجدوا بين الأرثوذكس من هو أهلٌ لخدمةِ وطنه من خلال المسؤوليةِ الموكَلَة إليه؟ أم أنَّ الطوائفَ الأخرى تزخرُ بالكفاءاتِ والأرثوذكس يفتقدونها؟

الدولةُ العادلةُ تعاملُ أبناءَها بالتساوي ولا تميّزُ بين مواطنٍ وآخر وموظفٍ وآخر بسبب انتمائه الحزبــــي أو الطائفي، ولطالما كرّرنا أننا لا نريدُ التعدّي على حقوقِ أحد، إنما لا نقبلُ أن يتعدى أحدٌ على حقوق أبنائنا، ولِصَبرِهم حدود. فعسى يسمعُ المسؤولون ويستجيبون.

أظنُّ أن وزراءَنا ونوابَنا لا يرفعون أصواتهم كفاية. إننا نطلب منهم أن يرفعوا أصواتهم بشدة ويضربوا الطاولة بأيديهم بقوة حتى يسمع من عليه أن يسمع وإن صَمَّ أذنيه. فليكن أبناؤنا أقوياء في الحق ولا يتوقفوا عن الإزعاج حتى يحصل إخوتُهم على حقوقهم، أي حتى تحصلَ الطائفةُ على حقوقها. هذا الواقعُ تحدٍّ لهم. آمل أن يطيعوا ضمائرهم وألا يسمعوا لأوامر زعمائهم لأنَّ هؤلاء يريدون مصلحتهم ومصالح طوائفهم لا مصلحة الطائفة الأرثوذكسية ومصلحة أبنائها.

لو كنا في دولةٍ مَدَنيةٍ لما كنّا طالبنا بما نطالبُ به. لكننا في دولةٍ يتناتشُ فيها الجميعُ الوظائفَ والمراكزَ والتعهداتِ وخيراتِ هذا الوطن. الكلُّ يحصلُ على حصته والبعضُ يحصلُ على حصتِه وحصةِ غيره، أما الأرثوذكس فهم دائماً المظلومون. لماذا؟ لأنهم حضاريون ولا يحملون السلاحَ ولا يقطعون الطرقَ ولا يتوسّلون الوسائلَ غيرَ المشروعة. لكنّ هذا ظلمٌ والحاكمُ العادلُ لا يقبلُ الظلمَ. ومن له أذنان للسمع فليسمعْ. ومن أرادَ أن يسلكَ كأولادِ النور عليه أن لا يشتركَ في أعمال الظلمةِ غيرِ المثمرةِ كما قال بولس الرسول، بل أن يوبّخَ عليها ويدينَها ويعملَ ما يرضي ضميرَه والله. ونحن نصلّي من أجل أن يُلهمَ الربُّ الإله الجميعَ للتصرف بحكمةٍ ووعيٍ بحسب مشيئة الله”.