IMLebanon

باسيل يَرسم سقفَ مواجهة تهويد القدس

 كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:

لا تزال أصداءُ الموقف اللبناني العالي السقف في قضية القدس تتردَّد محلّياً وإقليمياً ودولياً، إذ طلبت جهاتٌ ديبلوماسيةٌ غربية من سفرائها في لبنان تزويدَها نصَّ كلمة لبنان التي ألقاها وزيرُ الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل في اجتماع وزراء الخارجيّة العرب في القاهرة السبت الماضي، ورسم فيها سقفاً لمواجهة القرار الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقْل مقرّ السفارة الأميركية من تل ابيب اليها. وسيمثّل باسيل لبنان اليوم في الاجتماع الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي الذي يُعقد في اسطنبول، تمهيداً للقمّة الاستثنائية للمنظّمة حول القدس التي دعا اليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

إنطوت كلمة باسيل في القاهرة على رسائل عدة في كل الإتّجاهات:

ـ رسالة الى مَن فاته أنّ القدسَ ليست رمزاً للنضال الفلسطيني فقط ولا للمسلمين وحدهم، وإنما هي رمزٌ للمسيحيين وفي طليعة مقدّساتهم.

ـ رسالة الى العالم المسيحي بضرورة التدخّل لإنقاذ مقدّساته في القدس.

ـ رسالة الى العرب الذين أهملوا القضية الفلسطينية الى حدود النسيان وانشغلوا في خلافاتٍ ونزاعاتٍ في ما بينهم على حساب القدس التي هي عاصمة دولة فلسطين، الأمرُ الذي شجّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تنفيذ قرار الكونغرس المتّخَذ منذ العام 1995 ولم يغامر أيُّ رئيس اميركي سبقَه في تطبيقه.

ـ رسالة الى المتقاتلين والمتنازعين العرب تدعوهم الى المصالحة والتوحّد لمواجهة مرحلة تفتيت وتقسيم وتقاسم نفوذ يخوض غمارَها اللاعبون الدوليون والإقليميون.

«أنا اليوم هنا، أنا المسيحيُّ بالإيمان، اللبنانيُّ بالهوية، المشرقيُّ بالإنتماء، والعربيُّ بالهوية والانتماء بالجامعة، أدعوكم الى المصالحة العربية- العربية، سبيلاً وحيداً لخلاص هذه الأمّة ولإستعادة ذاتها»… قد تكون هذه العبارةُ التي أطلقها باسيل في الإجتماع غير العادي لوزراء الخارجية في القاهرة، أصدقَ تعبيرٍ عن قضيّة القدس، حيث ترى مصادرُ سياسيةٌ أنّ «كلامَ باسيل أخرَج القدسَ من إطارِها الضيّق، ليضعَها في إطارٍها الجامع بين المسيحيين والمسلمين، ويوحِّد العربَ حول القضيّة الأساس، قضية فلسطين».

وتضيف هذه المصادر: «يحاول البعضُ جعلَ القدس قضيّةً فلسطينية، أو قضيةً إسلاميّة، لكنّ تمسّكَ لبنان برمزيّة القدس، ومخاطبة باسيل الوزراءَ العرب المجتمعين والرأيَ العام وضعت قضيّة هذه المدينة الرمز في إطارها الصحيح، لأنها مدينةٌ تضمّ المقدّسات السماويّة الثلاث: الإسلاميّة والمسيحيّة واليهوديّة، وقضيّتُها قضيةٌ تمسّ جميع الشعوب، وبالتالي فإنّ ما أعلنه باسيل من مواقف شكّل، في رأي كثيرين، دعوةً مباشرة للعالم المسيحي الى ضرورة التدخّل من أجل إنقاذ مقدّساته أيضاً، فضلاً عن أنّ هذه المواقف من شأنها أن تؤسّسَ لورقةِ عملٍ عربيّة لمواجهة تداعيات القرار الأميركي، خصوصاً أنّ الديبلوماسيّة العربية يجب أن تعمَلَ في دول القرار الدولي التي بدا أنّ قسماً منها عارض ما ذهب اليه ترامب ورفض الإعترافَ بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وعلى رأسها الدول الأوروبية، وروسيا والصين، وهذه الدول تدعو الى وضع حدٍّ للنزاع العربي- الإسرائيلي، وإيجاد حلٍّ للقضية الفلسطينية على أساس «حلّ الدولتين»، وتطبيقِ قراراتِ مجلس الأمن الدولي في هذا الشأن.

على أنّ الجميع كانوا يتوقعون تصعيدَ الموقف ضد قرار ترامب من الدول العربية، ولم يتوقّعوه من لبنان البلد الغارق في أزمات داخلية متشعّبة ويعاني من تداعياتِ ما سُمّي «الربيع العربي».

فجاءت كلمتُه في اجتماع القاهرة العربي متقدِّمةً على سواها من حيث التشديد على وجوب مواجهة القرار الأميركي بتهويد القدس، ووضع الإصبع على الجرح لإنهاء الخلافات العربية- العربية التي تأجَّجت أخيراً، وبدأت تهدّد بضياع فلسطين والقدس، تحت وطأة إغراق المنطقة في حروبٍ طائفيّة ومذهبيّة دخلت دول أساسيّة فيها الى نحوٍ يهدّد بدمارِها وإعدامِها القدرة على مواجهة إسرائيل.

وإنّ نظرةً الى وضع المنطقة الآن، تُظهر أنّ دولاً عربيّة وعلى رأسها سوريا والعراق باتت مفكّكةً، والى جانبها دولٌ غارقة في أزماتها الداخلية وأبرزها مصر، وبالتالي فإنّ كل حديث عن مواجهةٍ عربية- إسرائيليّة في ظلّ هذه الأوضاع يكاد يكون ضرباً من المستحيل، ولذلك، كان تركيزُ باسيل في كلمته على وحدة الموقف العربي سبيلاً للمواجهة ولاستعادة القدس، راسماً خطّة مواجهة بدءاً بالإجراءات الديبلوماسية، مروراً بالتدابير السياسية، ووصولاً الى العقوبات الإقتصادية والمالية.

وفي هذا الأمر تحدٍّ للقرار الأميركي بطريقة عمَليّة، لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسَه هنا هو: ما مدى إستعداد العرب للدخول في مواجهةٍ مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل؟

قد يكون تصعيدُ اللهجة، الذي إعتمدَه باسيل، من الأساليب التي تُبقي قضيّة القدس حيّةً ولا تؤدّي الى تهويدِها. وفي السياق، تؤكّد مصادرُ ديبلوماسيّة، أنّ الأساس يبقى في توحيدِ الموقف العربي، ومن ثمّ الإنطلاق في حراك ديبلوماسي نحو دول العالم أجمع لحشد الدعم والتأييد الموجود أصلاً، وتستطيع الديبلوماسيّة اللبنانية أن تؤدّيَ دوراً بارزاً في هذا المجال، خصوصاً أنّها تملك مروَحةً واسعةً من العلاقات الدولية.

وينتظر الجميع ترجمة الموقف اللبناني عربياً، لأنّ لبنانَ وحدَه لا يستطيع فعلَ شيء، فهو يتحمّل أعباءَ المواجهة الفلسطينية- الإسرائيلية والعربية- الإسرائيلية منذ عشرات السنين، وبات على العرب تحمّل مسؤولياتهم في ضوءِ سقفِ المواجهة الديبلوماسيّة الذي حدّده.