IMLebanon

الرئاسات مأزومة والحكومة مهدّدة 

دخول البلد في عطلة الأعياد، وَجده اللبنانيون فرصة للرهان على انّ السنة الحالية ستطوي معها الكَمّ الهائل من الازمات التي تعصف بالبلد على كل صعيد، وتؤسس لمرحلة جديدة عنوانها الاستقرار العام وانتظام الحياة السياسية واستفاقة ولَو متأخرة للحكومة للدخول في مرحلة العمل والانتاج تِبعاً للوعود التي قطعت مع عودة رئيس الحكومة سعد الحريري عن استقالته. الّا انّ هذه السنة قررت خلال الايام القليلة المتبقية من عمرها ان تخسّر اللبنانيين رهانهم، بتأسيسها لمشكلات كبرى تضع مصير الحكومة في مهب احتمالات سلبية كثيرة. وامّا شرارات هذه المشكلات فانطلقت من مرسوم منح أقدمية سنة لضبّاط ما سُمّيَت «دورة عون»، وكذلك من ملف الاتصالات الذي تهدّد تطوراته التي دفعت «حزب الله» الى الطلب عبر النائب حسن فضل الله بعقد جلسة عامة لمجلس النوّاب لإستجواب الحكومة في هذا الملف. ومعلوم أنه في جلسات كهذه لا يلغى إحتمال طرح الثقة..

تؤكد الوقائع المحيطة بمرسوم الاقدمية، أنه نار مشتعلة تحت الرماد، وعكست الساعات الماضية معطيات مؤكدة حول دخول العلاقات الرئاسية مرحلة حرجة يحكمها توتر شديد يُنذر بسخونة أشد في القابِل من الايام، تفتح على احتمالات سلبية ومعقدة، وذلك تبعاً لأجواء النقاشات المكثّفة التي دارت في الساعات الـ24 الماضية بين بعبدا وعين التينة وبيت الوسط.

حيث عكست الوقائع التي حصلت عليها صحيفة «الجمهورية» تَمسّك رئيس الجمهورية بهذا المرسوم ونشره، ومُماشاة رئيس الحكومة لرئيس الحكومة في هذا الامر، مقابل الاعتراض الشديد من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وبَدا جَلياً انّ اعتراض بري هو لأسباب كثيرة، ليس الخطير فيها تَخطّي وزير المال علي حسن خليل وتجاوز توقيعه على المرسوم، وهي في رأي رئيس المجلس سابقة خطيرة، إنما الأخطر كما قال بري هو «انّ هذا الامر يضرب الميثاق والقانون، والأكثر خطورة انه يشكّل جريمة بحق الجيش، هذا الجيش الوطني الذي كنّا وما زلنا حريصين على حمايته وعلى تماسكه، وحَميناه ونحميه بأشفار عيوننا». وعندما سُئل: ماذا لو تمّ الإصرار على المرسوم؟ أجاب: ساعتئذ لكل حادث حديث.

وفي السياق يأتي اعتراض «حزب الله» والنائب وليد جنبلاط على هذا المرسوم، وقد عبّر رئيس الحزب التقدمي عن اعتراضه بتغريدة عبر «تويتر» دعا فيها الى ترك الجيش «بعيداً عن الحسابات الضيقة والطائفية، وعن رواسب الحرب الاهلية». وقال: «لا لدورات على حساب الكفاءة».

توضيحات

وفي وقت كان المرسوم المذكور على أهبة إحالته أمس الى النشر ليصبح نافذاً، تحركت الاتصالات في اكثر من اتجاه. وبحسب المعلومات فإنّ رئيس الجمهورية أرسل توضيحات عبر قناة معينة في اتجاه عين التينة، تضمنت التأكيد أن ليس في الامر او في الخلفية او في النية محاولة تجاوز لفئة معيّنة، إنما هناك سابقة من هذا النوع تمّ الاستناد إليها.

الّا انّ الرد على التوضيحات لفت الى «انه اذا كان هناك خطأ ما قد وقع في الماضي فهذا لا يبرّر الاستناد اليه لتكراره، وبالتالي ما يُبنى على باطل فهو باطل».

الحريري وخليل

والموضوع نفسه كان محلّ لقاء بين رئيس الحكومة ووزير المال، وبحسب المعلومات فإنّ الحريري حاول تبرير توقيعه المرسوم، إلّا انّ الوزير علي حسن خليل حذّر من انّ السير بهذا المرسوم سيفجّر مشكلة كبرى وأزمة كبرى. وانتهى الاجتماع عند هذا الحد مع فتح الباب على مزيد من التشاور، مَقروناً بالترَيّث في نشر المرسوم بعد اعتراض بري الشديد عليه، والذي أبلغه خليل للحريري.

وكشفت مصادر وزارية معنية بهذا الملف لـ«الجمهورية» انها فوجئت بتوقيع المرسوم بالطريقة التي تمّت، خصوصاً انّ هذا الأمر قد سبق وطرح على مجلس النواب بصيغة اقتراح قانون قَدّمه تكتل الاصلاح والتغيير قبل أشهر، ولم يتمّ السير به، كما انها فوجئت بتغيير موقف الرئيس الحريري منه، إذ انّ رئيس الحكومة، وعندما راجَعه احد الوزراء المعنيين بتوقيع المرسوم، أبلغَه ما حرفيّته انّ هذا المرسوم يخرّب الجيش، وانا لا يمكن ان أوقعه. وعندما تمّ استيضاحه عن الامر بالأمس، أشار الى انه تعرّض لضغوط وإلحاح شديد من قبل رئيس الجمهورية».

المعترضون

وبحسب أجواء المعترضين على المرسوم كما لَخّصتها مصادر وزير لـ«الجمهورية»، فإنّ ما حصل هو أخطر من أزمة استقالة الحريري، وهو امر لا يُعالج تحت سقف التسويات، بل يجب ان يعالج وفق الأصول، وإذا لم يعالج وفق هذه الاصول فإننا ذاهبون الى مشكل كبير جداً. خصوصاً انّ في هذا المرسوم، سواء بمضمونه او بالطريقة التي وقّع فيها، ثغرات موصوفة.

الأولى انه يتجاوز توقيع وزير المال بحجّة انه لا يُرتِّب أعباء مالية، وهو أمر ينفيه وزير المال ويؤكد وجود العبء المالي. والثانية انه ينطوي على مخالفة ميثاقية بامتياز.

والثالثة انه يضرب مبدأ العدالة والمساواة في المؤسسة العسكرية للمسلمين والمسيحيين على السواء. والرابعة انه مُجحف بحق ضباط الدورات التالية لدورة الضباط المنوي منحهم سنة أقدمية بحيث يمنحهم أسبقية عليهم. والخامسة انه عبث كبير بمؤسسة الجيش ويضرب التوازن الطائفي داخلها.

وسألت «الجمهورية» مصادر وزارية معنية بالمرسوم عن المدى الذي يمكن ان يبلغه الاعتراض عليه، وعن الخطوات التي يمكن ان تتخذ في حال تم الإصرار عليه، فقالت: دعونا لا نضع سقوفاً من الآن، نحن ننتظر ان تتمّ معالجة الأمر، وإن لم يحصل ذلك فكل الاحتمالات واردة، مشيرة في هذا السياق الى تداعيات قد تهدد الحكومة.