IMLebanon

قراءة إقتصادية في الإحتجاجات الإيرانية

كتب باسم عجاقة في صحيفة “الجمهورية”:

أثار الغلاء المُرتقب على أسعار المياه والكهرباء والمحروقات الذي أقرّ في موازنة العام 2018، غضب الشارع الإيراني الذي بدأ بالتظاهر في عشرات المُدن الإيرانية. هذه الإحتجاجات تخفي وضعا إقتصاديا وإجتماعيا أليما يُعاني منه الشعب الإيراني وسببه بالدرجة الأولى العقوبات الدولية على إيران ولكن أيضًا الفساد المُستشري وفشل السياسات الإقتصادية.

تبلغ مساحة إيران مليون و649 ألف كم2 (أي ما يوازي 158 مرة مساحة لبنان) ويقطنها 83 مليون شخص. هذا الإمتداد الهائل له إيجابياته وسلبياته على كل الأصعدة، حيث أن الإقتصاد الإيراني يحتلّ المرتبة الثانية في الشرق الأوسط (514 مليار دولار أميركي) والتاسع عشر عالميًا مدعومًا بثروة نفطية وغازية هائلة.

وتحوي إيران على 10% من إحتياطي العالم من النفط وتحتل المرتبة الثانية عالميًا بإحتياطي الغاز الطبيعي (30 مليار م3) مما جعلها في المرتبة الثانية بين مُنتجي النفط في منظمة الأوبك.

من أهم القطاعات الإنتاجية في إيران النفط، البتروكيماويات، المنسوجات، الترابة، مواد البناء، الصناعة التحويلية الغذائية، المعادن والأسلحة. ويبقى النفط على رأس الصادرات الإيرانية مع نسب تتراوح بين 75% و80% من إجمالي الصادرات، تليها البتروكيماويات مع نسب تتراوح بين 6 و12%…

تتلقى إيران تحاويل من المُغتربين الإيرانيين بقيمة 1.33 مليار دولار أميركي سنويًا موزّعة على الشكل التالي (أرقام 2016): الإمارات (27%)، الولايات المُتحدة الأميركية (25%)، ألمانيا (10%)، كندا (7%)، أوكرانيا (5%)، السويد (4%)، إسرائيل (3%)، الكويت (3%)، قطر (2%)، أوستراليا (2%)، هولندا (2%)…

النشاط الإقتصادي في إيران غير متوازن على كل الأراضي الإيرانية وتُشكّل منطقتي قمّ وأصفهان قلب إيران الإقتصادي إضافة إلى منطقة خوزستان على الحدود العراقية الكويتية. من جهة أخرى هناك ما يقارب 287 ألف كم2 من الصحراء في وسط البلاد كما أن الأطراف الشرقية والشمالية الشرقية تُعاني من فقدان الإنماء المُتوازن.

يبلغ نمو الإقتصاد في إيران 3.3% (2017) بعدما تأرجح بين -1.6% في العام 2015 و6.5% في العام 2016. ويبقى التضخمّ المُشكلة الأساسية للإقتصاد الإيراني مع تضخمّ 15.6% في 2014، 11.9% في 2015، 8.9% في 2016 و11.2% في 2017. بلغ عجز الموازنة -1.2% من الناتج المحلّي الإجمالي في 2014، -1.8% في 2015، -2.8% في 2016 وما يقارب الصفر بالمئة في العام 2017.

بُعيد الثورة الإسلامية في إيران في أواخر سبعينات القرن الماضي، دخلت إيران في حرب دامية مع العراق. هذه الحرب إستمرت من العام 1980 إلى العام 1988 وتُعتبر من أطول الحروب التقليدية في القرن العشرين حيث أدّت إلى مقتل مليون شخص مع كلفة تقدّر بحوالي 1.2 تريليون دولار أميركي.

هذه الحرب غيّرت المعادلات السياسية في منطقة الشرق الأوسط إذ أدّت إلى عزل إيران خصوصًا على الصعيد العربي. وأخذ إنتاج النفط في التراجع، وهو العنصر الأساس في المداخيل كما أن الإنفاق الكبير على الأسلحة خلال هذه الفترة تسبّب بتراجع الإستثمارات الداخلية وتآكل الماكينة الإقتصادية، وإزداد هذا التآكل مع بدء فرض العقوبات الأميركية ولاحقًا الدولية.

رزحت إيران تحت ثقل العقوبات الدولية خلال عقود أدّت إلى ضرب إقتصادها عبر تراجع الإستثمارات، خصوصاً في قطاع الطاقة مما إستنزف القدرة الإنتاجية للنفط والغاز في إيران. تراجعت معدلات إنتاج الآبار بنسبة 12% وتراجعت معها معدلات الإسترداد الفعلي التقني بنسبة 27%.

تُسيطر الحكومة الإيرانية على أكثر من 80% من القطاع الصناعي في البلاد وأنفقت القسم الأكبر من مداخيل هذا القطاع على التسلّح العسكري ولم تستثمر في القطاعات الإنتاجية التي عانت من غياب الإستثمارات الأجنبية المُباشرة بسبب العقوبات الدولية.

بلغت ذروة التراجع الإقتصادي في العامين 2012 و2013 حيث أجبر هذا التراجع السلطة الإيرانية على توقيع أول إتفاق على البرنامج النووي في تشرين الثاني من العام 2013.

وقامت إيران بالتوقيع على الإتفاق النووي الأخير في آب 2015 مع وعود كثيرة تلقتها إيران بتحرير أموالها في المصارف الغربية ورفع الحظر عن التعامل التجاري معها وإعادة العلاقات الإقتصادية إلى طبيعتها. هذه الوعود لم تُنفذّ وأخذ الوضع الإقتصادي بالتراجع بشكل كبير مع إرتفاع الأسعار نتيجة الحظر ومع زيادة العقوبات نتيجة التجارب الإيرانية على الصواريخ البالستية.

الوضع الإقتصادي المُتردّي في إيران هو حصاد عاملين أساسيين: الأول السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة والتي أدّت إلى تكتل دولي وعربي ضدّها، والثاني هو الصراع الداخلي بين التيار المُحافظ والتيار الإصلاحي اللذين لا يفوتان أي فرصة للنيل من الأخر مما أضعف من السياسات الإقتصادية المرسومة من قبل الحكومات المُتعاقبة.

السياسات الإقتصادية الإيرانية لم تفلح في تنويع الإقتصاد الإيراني ولا في تحفيز القطاع الخاص حيث أن الدولة إن مباشرة أو غير مباشرة (عبر الحرس الثوري الإيراني، أو منظمة الأمان الإجتماعي) سيطرت على قسم كبير من الإقتصاد الإيراني (ما بين الثلث إلى النصف) دون ترك مجال للقطاع الخاص مما حوّل الإقتصاد الإيراني إلى إقتصاد شبه موجّه. وقد إستدركت السلطات الإيرانية هذا الأمر في العام 2015 ووضعت خطّة لجذب الإستثمارات الخارجية، لكن العقوبات الدولية حالت دون أن يكون هناك إستثمارات.

ساعد فرض العقوبات على إيران الحكم الإيراني في بسط نفوذه على الإقتصاد من ناحية أن المُستقلين من رجال الأعمال لم تعد لديهم القدرة على الإستثمار بسبب شح الأموال (نتيجة العقوبات) كما أن هذه العقوبات لم تُسهّل إستيراد التكنولوجيا والتصدير للبضائع من قبل رجال الأعمال المُستقلين.

في المقابل، تمتلك إيران قطاعا مصرفيا معزولا عن العالم مع شحّ هائل في السيولة وغياب التكنولوجيا عن هذا القطاع.

وبالتالي، فقد هذا القطاع دوره المنصوص عليه في النظرية الإقتصادية – أي تمويل الإقتصاد حيث تبلغ الفائدة على القروض في إيران 30%. وإرتفعت نسبة القروض المُتعثرة حتى بلغت قيمتها 350 مليار دولار أميركي مما يجعل طبع العملة الإيرانية (الريال) المخرج الوحيد للمركزي الإيراني أي بمعنى أخر التضخم.

كما أن العقوبات المفروضة على المركزي الإيراني تمنع إيران من التبادل التجاري مع العالم على مثال لبنان الذي لا يستطيع أن يُقيم علاقات تجارية مع إيران بسبب العقوبات على المركزي الإيراني. وكأن هذا الوضع المُتردّي غير كافٍ، فقد أدّى إنخفاض أسعار النفط العالمية إلى تراجع كبير في مداخيل الدولة.

يُعتبر كوكتيل التضخّم، البطالة والفساد السبب الأساسي في الإحتجاجات الشعبية التي تطال إيران حاليًا. فالعقوبات المفروضة على إيران ترفع من أسعار السلع المُستوردة وعلى رأسها الأدوية وكل ما هو مُستورد. وزاد الطين بلّة مشروع موازنة العام 2018 الذي رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء والمياه وبعض المواد الغذائية مما يزيد الأسعار إلى الضعف.

هذا الإجراء الذي كان هدفه إعادة التوازن إلى المالية العامّة مع إنخفاض أسعار النفط، أطلق شرارة الإحتجاجات في المناطق التي تُعاني من البطالة والفقر. الجدير ذكره أن الدخل الفردي الإيراني هو 4900 دولار أميركي أي أن الدخل الشهري لا يزيد عن 400 دولار.

يبقى أن الإقتصاد الإيراني الذي يمتلك مقومات هائلة من موارد طبيعية وبشرية، يحتاج بشكل كبير إلى إستثمارات تتعدّى الـ 200 مليار دولار أميركي لتُصبح معه إيران قوّة إقتصادية هائلة، لكن عزلة إيران السياسية تمنع هذه الإستثمارات وتُنذر بتردّي الوضع الإقتصادي والإجتماعي إلى أبعدّ مما هو عليه الأن.