IMLebanon

“ماكينزي” تكاد تتحوّل أزمة قبل أن تبدأ

كتبت رنا سعرتي في صحيفة “الجمهورية”:

قرّر لبنان، أكبر البلدان العربية استدانة من حيث نسبة الدين العام التي تعادل150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ان يستعين بشركة استشارات عالمية من أجل هيكلة اقتصاده، بعد فشل الحكومات المتعاقبة على مرّ السنوات، في وضع خطط اقتصادية استراتيجية طويلة المدى، تضع الاقتصاد اللبناني على السكة المطلوبة.

يوقّع لبنان نهاية الاسبوع الحالي، عقداً مع شركة «ماكينزي» وشركائها للاستشارات، مدّته 6 أشهر وقيمته مليون و300 ألف دولار، من أجل مساعدته على إعادة هيكلة الاقتصاد.

تبدأ «ماكينزي» نشاطها في لبنان الأسبوع المقبل، وستتمثل خطواتها الاولى بالعمل مع عدد من الوزارات والهيئات الاقتصادية من اجل صياغة رؤية اقتصادية جديدة.

ويبدو ان القطاعات الاقتصادية كافة قد أعدّت رؤيتها الخاصة لكلّ قطاع والمطالب أو الاجراءات اللازمة لتفعيل الحركة من جديد.

ولكن السؤال المطروح اليوم: هل ان المهام المولجة بها شركة «ماكينزي» لا تستطيع اللجنة الوزارية الاقتصادية المؤلفة لهذا الهدف، القيام بها؟

ولماذا شكّلت هذه اللجنة إذا كانت ستجتمع مرّتين في السنة فقط كما حصل في العام الماضي؟ وهل ان مهام المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي تمّ إحياؤه من جديد، ليست مماثلة لتلك التي ستقوم بها «ماكينزي»؟

تعليقا على هذه التساؤلات، يقول وزير الصناعة حسين الحاج حسن لـ«الجمهورية» : «برأيي ان السياسات الاقتصادية لأي دولة، يجب على الدولة أن تضعها وليس شركة خاصة.

كما لدينا خبرات كافية ولدينا المعرفة الكافية لادراك ما يحتاجه اقتصادنا، وما ينقص الاقتصاد اللبناني. ومن هنا سجّلت هذا التحفظ على اعتماد شركة «ماكينزي» لاعداد هذه الدراسات الاقتصادية. وسوف ننتظر لنرى ماذا سوف تقدم لنا هذه الشركة من معطيات لم يسبق ان أعطيناها وهي معروفة».

المجلس الاقتصادي الاجتماعي

موقف رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي شارل عربيد جاء مختلفا بعض الشيء، وقد ذكّر بأن مجلس الوزراء اتّخذ قرار تعيين شركة «ماكينزي» قبل تشكيل الهيئة العامة للمجلس الاقتصادي الاجتماعي.

واشار الى ان مجلس الوزراء قرر التعاقد مع شركة أجنبية من اجل اعداد دراسة حول هوية لبنان الاقتصادية ووضع خطة اقتصادية للسنوات المقبلة، مؤكداً ان المجلس الاقتصادي الاجتماعي يهمّه وقد طالب المشاركة وإبداء الرأي بأي خطة اقتصادية، خصوصا ان المجلس يضمّ كل شرائح المجتمع والقوى العاملة، ويتمثل دوره الاساس بإعطاء المشورة في أي خطط اقتصادية.

وقال عربيد لـ«الجمهورية»: ما يهمّنا هو ان نصل عبر دراسة «ماكينزي» الى منتج قابل للتنفيذ، يضع الخريطة الاقتصادية التي نحتاجها، وان يكون هناك سياسة اقتصادية واضحة للدولة، وان تستطيع القطاعات الانتاجية والقوى العاملة في لبنان المشاركة في اعداد هذه الخطة وإبداء رأيها، للتوصل في وقت قصير الى صياغة اطار العمل في السنوات الخمس المقبلة مع مراعاة عدّة عناوين منها الاصلاح، الانتاجية، الميزة التفاضلية، الهوية الاقتصادية للبنان، السياسة الاقتصادية…

وشرح ان المجلس الاقتصادي الاجتماعي سيبدي رأيه بكلّ شفافية وجرأة بأيّ موضوع سيُطرح عليه وسيعطي المشورة اللازمة وفقا لقناعاته ومصالح البلد العليا، «ولدينا ما يكفي من الخبرات بين أعضاء الهيئة العامة، لإبداء الرأي اللازم».

واكد عربيد ان المجلس الاقتصادي الاجتماعي سيواكب عمل «ماكينزي» تباعاً لكي يتم التوصل الى منتج مفيد للاقتصاد اللبناني ولتطلّعات شبابه.

أضاف: لا اريد ان أحكم على آلية العمل التي ما زلنا نجهلها، ولا على النتائج قبل صدورها. ما يهمّنا ان تكون مقاربتنا اليوم ايجابية وبنّاءة وفعاّلة وموضوعية وقابلة للتنفيذ وفق آلية واضحة.

وأعرب عربيد عن اعتقاده بأن دراسة «ماكينزي» ستستعين بالخبرات المحلية داخل المجلس الاقتصادي والاجتماعي وخارجه. داعياً لأن تكون هناك وحدة وطنية حول خلاصة اي دراسة اقتصادية.

أما السؤال الثاني المطروح اليوم: هل ان الدراسة التي ستتوصل اليها «ماكينزي» سيتمكن لبنان من تطبيق توصياتها في ظلّ الفساد المستشري ومكامن الهدر المعروفة وسيطرة الاحزاب السياسية على مختلف المرافق الاقتصادية الحيوية في لبنان؟

في هذا الاطار، رأى ديفيد باتر، المحلل الاقتصادي في معهد «تشاثام هاوس» البريطاني في حديث لوكالة «بلومبرغ»، «أنّ «ماكينزي» ستعمل على تحليل وتحديد حجم الخدمات والتدفقات المالية بالاضافة الى الاقتصادات الموازية في لبنان، أي تلك التي يسيطر عليها «حزب الله» المدعوم إيرانياً، والتي يصعب تحديد حجمها»، معتبرا انه من الصعب وضع خطة استراتيجية في ظلّ وجود العديد من «الجوانب الرمادية».

اسكندر

بدوره، اعتبر الخبير الاقتصادي مروان اسكندر «اننا لسنا بحاجة الى دراسة من شركة عالمية لأن الامراض الاقتصادية في لبنان واضحة لأيّ جاهل في شؤون الاقتصاد، ولا تحتاج الى أي فلسفة».

وقال لـ«الجمهورية» ان الاستعانة بـ«ماكينزي» هو في الواقع استعانة باسم عالمي لتلميع صورة لبنان امام المجتمع الدولي «ولنقول اننا على دراية بالمشاكل التي نعاني منها ونحتاج الى مساعدتكم.

إلا ان أحداً لن يساعدنا في ظلّ غياب الاصلاحات، أبرزها على سبيل المثال، استمرار الهدر في قطاع الكهرباء الذي يصل حجمه الى ملياري دولار سنوياً». وشدد اسكندر على ان الاستعانة بالاطار العام لدراسة شركة «ماكينزي» من اجل طلب المعونات خلال مؤتمر باريس 4 في نيسان المقبل، «لن يجدي نفعاً».

وفيما اعتبر اسكندر ان كلفة الاستعانة بشركة «ماكينزي» ليست بالكارثية «وهي نقطة في بحر الإنفاق غير المنتج والمتمادي في لبنان»، أكد «اننا لن نستفيد من تلك الدراسة». وسأل: هل ستجرؤ «ماكينزي» على تحديد مكامن الهدر والسرقات؟