IMLebanon

كواليس جلسة إستجواب غانم… ماذا سيحمل القرار الظنّي؟

كتبت ناتالي اقليموس في صحيفة “الجمهورية”:

«لو أمطرَت السماء حرّية، هناك من سيرفعون المظلّات». قول أفلاطون بات حقيقة راسخة لدى معظم الصحافيين والإعلاميين الذين تداعوا إلى وقفة تضامنية أمس أمام قصر العدل في بعبدا تزامناً مع انعقاد جلسة استجواب الزميل مارسيل غانم والمدير المسؤول في «المؤسسة اللبنانية للإرسال» الزميل جان فغالي، والتي بمحصّلتِها تُرِكا بسند إقامة. في هذا الإطار، أوضَح مصدر قضائي لـ»الجمهورية»: أحلنا الملفّ إلى النيابة العامة التي ترَكَت الأمر للمحكمة للقيام بالإجراءات القانونية، فتمّ تركُ غانم بسند إقامة نظراً إلى ما ورد في التحقيق في ضوء الاستجواب، وننتظر صدورَ القرار الظنّي»، مشيراً إلى أنّ «أهمّية سند الإقامة تكمن في أنّ الشخص يُحدّد مكان سكنِه لنتمكّن من إبلاغه لاحقاً بأيّ إجراء قد يُحدّد»، مؤكّداً «أنّ المحكمة لم تأخذ أيّ تدبير بحق غانم لا على مستوى التنقّل ولا على مستوى سقف الكلام».

حتى الساعة التاسعة والنصف صباحاً كانت الأجواء هادئة في الأروقة المؤدية إلى مكتب قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان القاضي نقولا منصور، فيما محيط قصر العدل في بعبدا كبُركان يَغلي وسط تدابير أمنية مشدّدة، وتهافُتِ سياسيين، إعلاميين، محامين… متضامنين مع مارسيل غانم.

في التفاصيل

عند العاشرة صباحاً دخل غانم يرافقه وكيله النائب المحامي بطرس حرب، وفغالي مع وكيله، إلى مكتب القاضي منصور، نحو ربعِ ساعة من الدردشة لم تخلُ من ضحكة عالية سُمع صداها في الرواق حيث تجمّعَ أفراد عائلة غانم ورفاقه. ومن بين المنتظرين بفارغ الصبر كارمن شقيقةُ غانم، فسألتها «الجمهورية» عن رأيها، فأجابت: «لن أدخل في كواليس السياسة وغطائها، أنا هنا لأقفَ إلى جانب أخي». بعدها خرج الفغالي ووكيله، ليبدأ الاستجواب الخاص بغانم. وعند الحادية عشرة والربع خرج غانم وحرب، ليدخلَ فغالي ووكيله.

ككرةِ ثلجٍ بدأ يزداد عدد المتضامنين داخل قصر العدل كما خارجه، ومِن بينهم نقيب الصحافة عوني الكعكي، الذي أكّد لـ«الجمهورية» أن لا خوفَ على الحرّيات في لبنان، قائلاً: «أنا هنا أوّلاً من واجبي كزميل، وثانياً كوني نقيباً، ولستُ خائفاً على الحرّيات رغم ما يواجهه الإعلام من ضغوط، إنّما فقط الوضعُ الاقتصادي قد يؤثّر سلباً بما فيه قلّة الإعلانات، وما سوى ذلك لا يَستدعي منّا الخوف «مهما يحاولوا السياسيين»، داعياً إلى «تركِ القضاء يُمارس دورَه، ومحاسبته لاحقاً إن أخطأ»، معتبراً «أنّ استفسار القضاء لا يعني نهاية المطاف، بحقّي 120 دعوة حتى يومنا، وتبقى الحرّية الأساس».

وبعد ربع ساعة خرج فغالي وموكّله ليعودا ويَدخلا مع غانم وحرب عند القاضي منصور لمعرفة خلاصة الجلسة. ونحو الثانية عشرة وعشر دقائق خرج الأربعة يتقدّمهم حرب، والسؤال نفسه على ألسِنة المحبّين: «شو؟ طمنونا؟»، فردَّ غانم: «إخلاء سبيل مع سند إقامة».

في الخارج…

ضيفٌ ثقيل حلَّ الانتظار على المتضامنين في الخارج وقوفاً لنحو ساعتين، وسط زحمةِ السير وحرارة الشمس وغيابِ ما يتّكِئون عليه، ورغم ذلك صَمدوا، وصَبروا، إلى أن أطلّ غانم فارتفعَ التصفيق وعلت الهيصات: «الحمد لله عَ السلامة»، «المِتلك قلال»، «إنتَ كلام الناس»، وغيرها من العبارات العفوية، التي تنضَح تعاطفاً، فيما غانم انهَمك ما بين ردِّ التحية وتلبيةِ طلبات أخذِ السلفي معه.

في هذا الإطار قال حرب لـ«الجمهورية»، ردّاً على سؤال ما إذا كان هناك من غالب ومغلوب: «في النتيجة الدولة هي التي يجب أن تنتصر، دولة العدالة والمؤسّسات، دولة فصلِ السلطات، فهذه الدولة التي انتصرت اليوم، ونأمل أن يصبَّ قرار قاضي التحقيق في هذا الاتّجاه ولا يحمل لنا المفاجآت بمتابعة الادّعاء أو الظنّ بغانم. هذه القضية فارغة المحتوى، لا يجوز أن تطولَ فصولاً».

بعدها توجَّه حرب إلى وسائل الإعلام قائلاً: «من بعد إعطاء الإفادة، أتصوّر أنّه تكوّنَ اقتناع بأنّ هذه الجرائم المنسوبة إلى مارسيل هي من صنيعةِ ظرفٍ سياسي معيَّن، لا علاقة لها بالقانون، لذلك قرّر قاضي التحقيق الأوّل تركَ مارسيل بسند إقامة، والنيابة العامة ترَكت الأمر لتقدير قاضي التحقيق الأوّل.

ونحن ننتظر القرارَ الظنّي بالحفظ أو بالادّعاء». ولفتَ حرب إلى «أنّنا في انتظار قاضي التحقيق، إمّا بتحويله إلى محكمة المطبوعات أو أن يحفظ الملفّ وتقفَ الملاحقة». أمّا بالنسبة إلى الصحافيين السعوديين، فقال: «قرّر قاضي التحقيق فصلَ ملفّهما عن ملفّ غانم».

كواليس الاستجواب

وفي غمرةِ الحشود، أوضَح غانم طبيعة التّهَم التي وُجِّهت إليه، قائلاً: «هناك ثلاث جرائم وجَّهها الادّعاء ضدّي، وهي تحقير رئيس الجمهورية، وتحقير القضاء، وعرقلة سَير العدالة أو حتى مقاومة السلطة. شرَحتُ ظروف هذا الموضوع، وحتى الآن أقول إنّ هذه الدعوى لا أساس لها».

وأعلن أنّ «جلسة الاستجواب لم تكن سهلة، كانت صعبة، والأسئلة التي توجَّه بها القاضي كانت بشكل محترَم جداً وموضوعي، ولكنّها لم تكن سهلة». وأسفَ لمحاولة البعض «تدجينَ الإعلام من خلالي، نحن وقفنا معكم ومن خلالكم سدّاً منيعاً في وجه ذلك، ولا أريد القولَ إنّ كلّ السلطة في لبنان ضد الإعلام، بل بعض من في السلطة حاوَل، ولكنّه فشل».

أمّا بالنسبة إلى طبيعة الاستجواب الذي خضَع له، فأوضَح فغالي لـ»الجمهورية»: «الأسئلة التي وجّهها القاضي منصور كانت مِهنية وقانونية، ترتبط بدور المدير المسؤول، وكيفية تحضير الحلقة، ومسؤولية المدير المسؤول، إذا كان يتدخّل في إعداد الحلقة». وأضاف: «نحن متمسّكون بحرية الإعلام إلى أبعد الحدود، وأعتقد أنّنا لم نتجاوز القانون، والدليل أنّ برنامج «كلام الناس» تجاوَز عمرُه رُبع القرن».

بيار الضاهر

من جهته، قال رئيس مجلس إدارة المؤسسة اللبنانية للإرسال الشيخ بيار الضاهر، الذي بدا متريثاً، مفضّلاً انتظارَ صدورِ القرار النهائي: «أشعر بقلقٍ كبير على الحرّيات في لبنان وبالأسلوب الذي يتمّ التعامل فيه مع الإعلام، منذ نحو 7 أشهر ننشغل بقضايا صغيرة، وآخرُها قضية هشام حداد، في وقتٍ هناك قضايا أكبر وأهمّ، على الدولة أن تنشغل بها».

وأضاف بنبرةٍ غاضبة: «يُحاولون تشويه القضاء وإعادتَه إلى أيام غازي كنعان، ليس من مصلحة أحدٍ التضييقُ على الحرّيات في لبنان، فكلّ من يلوم الآخر، ويحاول تبرئة نفسِه متنصّلاً من مسؤولياته هو من يُشوّه الحرّية». وأضاف: «يمكن لإثنين أن يختلفا في الرأي ولكنْ شرط أن يتقبّل بعضُنا الآخر، وما نسمعه من تراشقٍ كلاميّ بين السياسيين وما يخرج بحقّ بعضِهم يستحقّ المحاسبة، وهو مسيءٌ أكثر».

د. شدياق

أبَت رئيسة مؤسسة MCF Foundation الدكتورة مي شدياق إلّا أن تُشارك منذ اللحظة الأولى للوقفة التضامنية، مرّةً تجيب على أسئلة الصحافيين ومراراً تسترجع في بالها ثمَن الحرّية، مُتمتِمةً: «غالية جداً، دفَعنا دماً وحياة لتبقى». وفي حديث لـ»الجمهورية»، قالت: «لا يَعتقد أحدٌ نفسَه بمنأى عمّا يواجهه الزميل غانم، علماً أنّ الحرّية يجب أن تبقى «مقدّسة» رغم اختلاف المواقف، وعلى الصحافيين أن يكونوا قلباً واحداً».

وسألت: «أيّ قيمة للصحافة متى ارتُهنّا للإرادات السياسية وإرادات السلطة وما نَطقنا إلّا بما يرضى عنه السياسيون؟»، مؤكّدةً: «لبنان حتى يومنا لا يزال مهد الحرّيات، وقد دفعَ ثمنَها دماً، وشهداء كثُر سبقونا، وحتى يومِنا هناك للأسف من يحاول أن يقمعَنا، ولكن يبقى الرهان على المناضلين والناشطين في الدفاع عن الحرّية التي من دونها يَفقد لبنان معناه».