IMLebanon

عندما يتحوّل التلميذ المراهق سفّاحاً

كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”: 

قبل موعد الإنصراف من المدرسة في مقاطعة فلوريدا الأميركية، تسلّل التلميذ السابق نيكولاوس كروز إلى أروقتها وفتَح النارَ على تلامذتها… ما أوقع 17 قتيلاً. هذه المعلومات تمّ تداولُها على التلفزيونات ونشرات الأخبار وعبر جميع وسائل التواصل الإجتماعية. ولكن ما لم يتمّ تداولُه هو لماذا يتحوّل بعض التلامذة إلى وحوش، يدوسون ويقتلون كلَّ مَن يظهر أمامهم؟ ما هو تحليل شخصيّة هؤلاء التلامذة؟ وكيف يفسّر علمُ نفس الجريمة هذه التصرّفات الخطيرة؟

حصلت جرائم كثيرة في المدارس في كل أنحاء العالم، والجدير ذكره أنّ معظم سفّاحي هذه الجرائم ينتحرون بعد إقدامهم على فعلتهم. فما هو التكوينُ النفسي للسفّاح الشاب الذي يقتل من دون رحمةٍ تلامذةَ مدرستِه؟

القتلُ عبر التاريخ

عرف المجتمع الإنساني القتلَ منذ بداية الأزمان، وذُكر ذلك في الكتب المقدّسة، مثلاً عندما قتل «قايين» أخاه «هبيل»… ولم يتوقف القتلُ منذ ذلك الحين حتّى يومنا هذا. ولكنّ هناك القاتل… وهناك السفّاح الذي لا يكتفي بقتل شخصٍ واحد، مدفوعاً بعطشه للدماء والقتل. ومِن أشهر السفّاحين عبر التاريخ، يمكن ذكر «جيل دو رايس» Gilles de Rais، (1404، فرنسا) حيث قتل ما بين 200 و600 طفل تتراوح أعمارهم ما بين الـ6 والـ18 عاماً.

ومَن منا لم يقرأ كتاباً أو يشاهد فيلماً أو مسرحيةً عن حياة الأختين «ريا وسكينة» المصريّتين، اللتين قَتلتا حوالى 13 إمرأة بعد سرقتهنّ وقامتا بدفنهنّ في منزلهما. إلى ذلك، هناك «جيفري دامر» Jeffrey Dahmer الأميركي الذي عُرِفَ بقاتل الشباب الذكور.

والقتل والسفح دقّ أبواب المدارس، حيث نسمع دائماً أخباراً عن المذابح التي تشهدها العديد من المدارس من قبل تلامذتها. ففي نيسان سنة 1999، قام التلميذان «هاريس» و«كيبولد» بقتل 12 تلميذاً ومربّياً وجرح 20 شخصاً في مدرسة «كلومباين» في ولاية كولورادو الأميركية.

وفي سنة 2007، في فنلندا، إحدى البلدان السكادينافية، قتل التلميذ «أوفينن» 8 أشخاص بينهم تلامذة وممرّضة المدرسة والمديرة كما جَرح 12 شخصاً آخرين.

التلميذُ المراهق… السفّاح

بشكل عام، يتمتّع القتلة بشخصيّة مختلفة عن الأشخاص المسالمين. وعموماً، يمكن ملاحظة بوادرُ استعدادٍ للجريمة في تصرّفاتهم، كما نجد لديهم بعض الإنفعالات غير السويّة. ويمكن أن يكتسبَ الإنسانُ سلوكه وميله إلى الجريمة من بيئة حاضنة للإجرام تدفعه إلى ارتكابه.

وعادةً تكون شخصيّة المراهق «المجرم» على النحو التالي:

أولاً، من أهم صفات المراهق «السفّاح»، إزعاج الآخرين ومضايقتهم، وهو لا يبالي بمشاعر الغير وحقوقهم. يرسل تهديداتٍ لأقرانه في المدرسة ويتحدّى الأساتذة والمربّين والمسؤولين عنه. يكره المدرسة والتلامذة ونظامها الداخلي وكل ما له علاقة بها.

ثانياً، لا يرضخ للقوانين والأعراف والمعايير الإجتماعية، ويتصرّف بطريقة إندفاعية وهجومية دون أن يدرك عواقبَ أفعاله اللاعقلانية. علاقته بوالديه تعرف مشكلات كثيرة وخصوصاً مع الوالد. وتنتقل عدوانية المراهق «السفّاح» المفرطة تجاه المجتمع وتجاه كل مَن يعترض طريقه كالشرطة مثلاً.

ثالثاً، على صعيد النموِّ النفسيّ لشخصيّته، يعاني هذا المراهق «السفّاح» إضطراباً مستمراً في السلوك خلال كل فترة البلوغ، ترافقها مشكلات كثيرة وعدوانية تجاه شتّى الأشخاص من جميع الفئات العمريّة وليس فقط زملاء المدرسة أو الأصدقاء في الحيّ…

رابعاً، هذا المراهق متهوِّر، قريبٌ إلى الهيجان واللاعقلانية، وقد يشكّل سلوكُه هذا خطراً على حياته الشخصية وحياة الأشخاص القريبين منه. كما يمكن أن يُلحقَ الأضرارَ بممتلكات الغير ويدمرَّها بشكل كامل.

خامساً، هناك مراهقون، ذوو شخصية إنطوائية أو شخصية معادية للمجتمع، يحبّون تعذيبَ الحيوانات وقتلها بدمٍ باردٍ جداً. كما يمكن أن ينخرطوا في مشكلاتٍ أخرى كالسرقة والخداع وتعاطي المخدرات… وغيرها من المشكلات القضائية.

سادساً، إستعمالُ القوة الجسديّة خلال المشكلات وعدم الشعور بالمسؤولية.

ونجد بعض الأحيان، شخصيةً مغايرة عن ما ذكرنا، تكون ذات إضطراباتٍ نفسيّةٍ كبيرة تدفع المراهقَ إلى ارتكابِ أبشع الجرائم تجاه أقرانه. وطبعاً سبب تلك التصرّفات هو طفولة بائسة.

الأسبابُ… نفسيّة!

تُجمع كلّ الدراسات النفسيّة حول موضوع الإجرام وشخصية المجرم على أنّ طفولةَ وحياةَ هذا الشخص كانت حزينة ومضطربة. فأهمّ الأسباب التي يمكن أن تساعدَ على نموِّ هذه الشخصية تعود جميعُها إلى الطفولة المضطربة، ونذكر منها:

  • عدمُ التوازن الإجتماعي خلال طفولة المراهق المجرم، ونجد خصوصاً تغيّراتٍ كثيرة ومتلاحقة خلال نموِّه النفسي. هذه التغيّرات تشمل: السكن، المدرسة، إنفصالُ الأهل، السفر…
  • تربية خاطئة، وعدوانيّة مطلقة من الأهل تجاه الطفل، وتغيّرات في العلاقات الشخصية، مع عدم إصغاء كلا الوالدين لمشكلات الطفل، ومعاناته من الحرمان العاطفي. بالإضافة إلى تصرّف الأهل بعصبيّةٍ مع الجميع من دون تفريقٍ بين شخص وآخر، أي مع الغرباء ومع أطفالهم… بشكلٍ مستمرّ.
  • تعرّض الطفل للعدوانية من الأشخاص الذين يحاوطونه. هذه العدوانية يمكن أن تشمل العدوانية اللفظية، الجسدية، أو حتّى الجنسية.
  • على صعيد التحليل النفسي، لم تتكوّن عند الطفل الأنا الأعلى التي تفرض عليه احترامَ القوانين والمعايير الإجتماعية. وعادةً لا تتكوّن الأنا الأعلى بسبب عدم وجود الأب بشكل فعلي في حياة الطفل خلال مرحلة عقدة أوديب.
  • وفي إطارِ جوٍّ عائليّ مشنّج وعنيف تتكوّن العدوانية في نفس الطفل وصولاً إلى ميله لأذيّة الآخرين وأذيّة نفسه.التعامل والعلاج

يصعب التعامل مع الأشخاص العنيفين الذين يعانون نفسيّاً. فالتقلّبات المزاجية لا تساعد الشخص على الاستمرار بجلسات الحوار مع الاختصاصي النفسي، كما لا يستطيع التركيز على الذات بسبب اضطراباته الداخلية. ولكن لا يمكننا التعميم.

الإرشاد النفسي والإرشاد العائلي، يلعبان دوراً أساساً في توعية الأفراد خصوصاً الذين يعيشون ضمن عائلة «مريضة»، أي الأب والأم غائبان وبعيدان عن أطفالهما، كما يمكن أن ينتميَ هذا الفرد إلى بيئة تحفِّز النشاط العدواني تجاه الآخر. فالإرشادُ النفسي يخفّف من الإحتقان والغضب والقلق عند الإنسان.

أما العلاج النفسي فيكون ضرورياً خصوصاً عند الأشخاص الذين يتمتّعون بإستعداد للعدوانية وللقتل. ويبقى الدورُ البارز للعائلة التي تلعب دوراً أساساً في تربية الطفل وتحديد شخصيّته وسلوكه أكان سويّاً أم لا.