IMLebanon

مقاعد موارنة الأطراف… دور أكبر من نائب

كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:

باتَ الحديثُ عن إدخال تعديلاتٍ إلى قانون الانتخاب الجديد غيرَ واقعي لأنّ الماكيناتِ الانتخابية بدأت العمل على أساس أنّ هذا القانونَ نهائيّ، في حين أنّ موعد 6 أيار اقترب ولم يعد هناك أيُّ مجالٍ للتعديل.

في خضمّ رحلة البحث عن قانونٍ جديد يسمح للمسيحيّين بانتخاب العدد الأكبر من نوابهم، دار الحديث في الفترة السابقة عن تعديلات ممكنة تُعيد التوازن الى مجلس النواب وتوقف الهيمنة على بعض المقاعد المسيحية.

ولعلّ أبرز ما تمّ اقتراحُه، قبل ولادة القانون النسبي على أساس 15 دائرة، هو نقلُ عددٍ من المقاعد المارونية من الأطراف الى جبل لبنان وأقضية الشمال المسيحية.

وقد لاقى هذا الإقتراح معارضةً من مسيحيّي الأطراف أولاً، ومن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ثانياً، على اعتبار أنّ مسيحيّي الأطراف يحتاجون الى مرجعيّة تُتابع شؤونَهم وترعاهم، ونقلُ المقاعد النيابية يعني إستكمال تهجيرهم من مناطقهم والقضاء على وجودهم السياسي، وهم أحوَج لوجود مرجعيّة في أقضيتهم أكثر من مسيحيّي المركز.

وذهب البعض الى حدّ القول إنّ الفاتيكان يرفض أيضاً إفراغَ البلدات المسيحية في الأطراف، والواقعة ضمن مناطق الغالبية الإسلامية من النواب، وحصر الوجود المسيحي في المركز فقط.

وأمام كلّ هذا الإحتجاج، لم يتغيَّر شيء في توزيع المقاعد المارونية في الأطراف. فالمقاعد الثلاثة التي كان يُحكى عنها وهي المقاعد المارونية في طرابلس وبعلبك والبقاع الغربي- راشيا، بقيَت مكانها، وتستعدّ اليوم لأشرس معركة منذ ما بعد «اتّفاق الطائف»، لأنّ المحادل كانت تنجّح النواب في ظلّ النظام الأكثري.

بعلبك

وتُراهن الماكينات على رفع نسبة التصويت المسيحي لإثبات الوجود، لأنّ مقولة «ماذا يؤثر صوتُنا لو انتخبنا؟»، سقَطَت في ظلِّ اعتمادِ النظام النسبي والصوت التفضيلي، على رغم الخلل الديموغرافي. وتبدو المعركة على المقعد الماروني في بعلبك من أشرس معارك لبنان، ففي دائرة بعلبك- الهرمل هناك حضورٌ ماروني بارز في دير الأحمر والجوار، اضافة الى وجود كاثوليكي يتركّز في رأس بعلبك والقاع.

وتحظى هذه المعركة بأهميّة كبرى بعد ترشيح «القوات اللبنانية» الدكتور طوني حبشي، وباتت مهمّة «حزب الله» منع «القوات» من الخرق، وهذا الأمر يجعل أهمّية مقعد بعلبك توازي أيَّ مقعد ماروني في الشمال أو جبل لبنان.

من جهته، يُحاول «التيار الوطني الحر» الإحتفاظ بمقعد بعلبك الماروني، وحتى الساعة لم يعلن مرشّحَه رسمياً، وسط التداول بأسماء عدّة، مثل باتريك فخري وطارق حبشي، فيما سيمنح فوز «القوّات» في هذا المقعد حضوراً سياسياً، يُكمل الحضور الشعبي، بينما لم يعطِ «حزب الله» بعد كلمته النهائية في إسم المرشح الماروني.

البقاع الغربي

المقعد الماروني الثاني الذي كان مُعرّضاً للنقل الى جبيل هو مقعد البقاع الغربي، فصحيح أنّ الحضور الماروني في دائرة البقاع الغربي- راشيا ليس بحجم بعلبك، لكنّ هذا المقعد يُكمل الفسيفساء اللبنانية في هذه الدائرة، حيث توجد 6 مقاعد تتوزّع كالآتي: 2 سنّة، شيعي، درزي، ماروني، وأرثوذكسي.

ويبرز من بين المرشحين الموارنة، مرشح «القوات» إيلي لحود حيث من الممكن إبرامُ تحالف مع تيار «المستقبل»، في حين أنّ صورة تحالف عريض يضمّ «المستقبل»- «القوات»- «التيار الوطني الحرّ»- «الإشتراكي» لم تتوضّح بعد، خصوصاً أنّ هذه الدائرة مرتبطة بشكل غير مباشر بما يحصل في الشوف وعاليه.

وقد طرأ تطوّرٌ جديد منذ أيام تَمثّل في عزوف النائب روبير غانم عن الترشّح، وهذا الأمر يجعل الحساباتِ الإنتخابية تتغيَّر، لأنّ غانم هو إبنُ بلدة صغبين التي تُعدّ أكبرَ بلدة مارونية في المنطقة.

وفي هذه الأثناء، ترتفع أسهمُ المرشح المحامي ناجي غانم، إبن بلدة صغبين، الذي يحظى بقبولٍ شعبيٍّ مسيحي، وحتى إسلاميّ، حسب أوساط بقاعية، وهو قادرٌ على خلق فارق للائحة الموجود فيها نظراً إلى ضراوة المعركة هناك، وحاجة اللوائح إلى أصوات مسيحيّة، خصوصاً أنّ غانم جهَّز ماكينته الانتخابية ويعمل على الأرض من أجل تأمين أكبر تأييد شعبي، وحضّ الموارنة والمسيحيّين على التصويت ولعب دورهم الجامع، والعودة الى المشاركة في القرار بقاعاً.

وفي انتظار بلورة التحالفات، وما سيفعله الوزير السابق عبد الرحيم مراد والثنائي الشيعي، يبقى إسم المرشح السابق هنري شديد الذي خاض إنتخابات عام 2009 على لائحة «التيار الوطني الحرّ» من بين الأسماء المارونية المطروحة رغم أنّ الأمور تنتظر بعض الوقت في ظل الحديث عن اتّجاه «التيار» لتسمية مرشّح أرثوذكسي لا مارونياً، لأنّ تحالف «القوات»- «المستقبل»- «التيار الوطني الحر»، إنّ تمّ، سيمنح المقعد الماروني إلى «القوات».

طرابلس

وتتّجه الأنظار أيضاً الى المقعد الماروني في طرابلس الذي كان يطلق عليه اسم «مقعد جان عبيد»، وتكمن أهمّية هذا المقعد حسب البعض بأنّ المسلمين ينتخبونه، خصوصاً أنّ عدد المقترعين الموارنة لا يتجاوز الألف.

وينتظر الجميع قرار عبيد من ناحية ترشّحه، ومع أيّ لائحة سيخوض المعركة. وفي حين رشّحت «القوات» إيلي الخوري، لم يُحدّد تيار «المستقبل» وبقيّة القوى الطرابلسية أسماء مرشحيهم عن هذا المقعد، وكذلك الأمر بالنسبة الى «التيار الوطني الحرّ»، في وقت يتردّد إسم رئيس «حركة التغيير» إيلي محفوض كمرشّح مستقلّ عن المقعد الماروني، في صلب «14 آذار»، وقد يشكّل تقاطعاً بين أحزابها وقواها.

وفي ظلّ التطاحن على المقاعد السنّية، يَعتبر كل مرشح ماروني أنّ فوزَه سهل لأنّ الضغط سيكون على المقاعد السنّية الخمسة، وسيعمل أيّ ماروني على حصد أصواتٍ إسلامية لسدّ العجز في التصويت الماروني، لذلك فإنّ الجهد المطلوب مضاعَف، لأنّ أحداً، وفي ظلّ القانون النسبي، لا يستطيع تمريرَ أصوات تفضيلية لحليفه على اللائحة.

ستتّخذ المعركة في هذه الدوائر طابعاً «أشرس» مع اقترابِ موعد 6 أيار، ويحظى مسيحيّو الأطراف بعطفٍ خاص من الكنيسة المارونية بغضّ النظر عن الإنتماءات السياسيّة، علماً أنّ أحداً لم يضع المقعدَ الماروني في عكّار ضمن لائحة المقاعد المعرّضة للنقل لأنّ الوجود المسيحيّ فيها كثيفٌ ووازن، على رغم الحضور الإسلامي الطاغي.

ويُحتّم القانون الجديد على المسيحيّين في تلك المناطق القيام بواجبهم الإنتخابي بعد إقرار قانون النسبية، وهذا ما تحضّهم عليه الكنيسة والأحزاب، وذلك من أجل العودة السياسية الى تلك المناطق، علماً أنّ الإصطفافات هي على أساسٍ سياسيٍّ إنتخابيّ، وليس على أساسٍ طائفيّ.

وبالتالي بعد انتخاب رئيس جمهورية ماروني يمثلهم، وعودة أحزابهم الأساسية الى المشاركة في صنع القرار، هل سيستغلّ المسيحيون الفرصة للقول نحن هنا، أو إنهم سيعتكفون عن تأدية واجبهم، على رغم سقوط حجّة أنهم خارج التركيبة وليسوا شركاءَ في القرار؟