IMLebanon

الوساطة الفرنسية صعبة في إيران

كتبت إيزابيل لاسير في صحيفة “لو فيغارو”:

مِن أجلِ إنقاذ الاتفاق النووي، ترغب باريس في الحصول على تنازلات من طهران بشأن البرنامج البالستي والتأثير الإقليمي. لكنّ جان إيف لودريان رفضَ عناد السلطات الإيرانية.

إنّها بلا شكّ من أصعبِ الوساطات التي ورثها رئيس الدبلوماسية الفرنسية، والتي يصعب ضمانُ نتيجتها، إذا ما نظرنا إلى العناد الذي أظهرَته السلطات الإيرانية أثناء رحلته إلى طهران في 4 و5 آذار. مهمّة إيجاد توازنٍ التي وافقَ على إتمامها جان إيف لودريان، بناءً على طلب إيمانويل ماكرون وموافقة الاتحاد الأوروبي، يمكن تلخيصُها في جملةٍ واحدة: الحصول على تنازلات من إيران بشأن برنامجها البالستي ورغبتها بالهيمنة في الشرق الأوسط، لإقناع دونالد ترامب بالبقاء في الاتفاق النووي الموقّع في تمّوز 2015 والذي يُجمّد برنامج الجمهورية الإسلامية الذرّي لعشرِ سنوات.

وتحت ضغوط الصين وروسيا، بقيَ موضوع الجانب البالستي للبرنامج خارج الاتفاق، وتُرك لقرارِ الأمم المتحدة رقم 2231 الذي يطالب إيران بـ»وقفِ تنفيذ أيّ نشاط يتعلّق بالصواريخ البالستية المصمَّمة لحملِ الأسلحة النووية». ويعود السؤال اليوم بقوّة، إذ يشعر الرئيس الأميركي بالقلق حول انتهاكِ جوهر هذا القرار، الذي يظهر من خلال اختبار الصواريخ وتحويلِها لـ»حزب الله»، ذراع إيران المسلّح في لبنان وسوريا.

التهديد الأميركي

يهدّد اليوم دونالد ترامب، الذي يردّد أيضاً مخاوف إسرائيل ودول الخليج السنّية، بالانسحاب من الاتفاق النووي وإعادةِ فرضِ العقوبات الأميركية بشكلٍ انفرادي على إيران، وأعطى الأوروبّيين مهلةً حتّى 12 أيّار لتعديل هذه التسوية التي يعتبرها البعض «تاريخيّة. ويُراهن الفرنسيون، الذين يشاركون مخاوفَ الأميركيين، على النجاح في تغيير رأي ترامب قبل نهاية نيسان، بمناسبة زيارة إيمانويل ماكرون، ومعه حججٌ متينة، إلى واشنطن.

وتَعتبر فرنسا نفسَها الأنسب لإجراء محاولة ربطٍ بين واشنطن وطهران. كما تَعتبر، بما أنّها عضوٌ دائم في مجلس ألامن في الأمم المتحدة، نفسَها حارسة الانتشار النووي. وكانت مَن حرّكَ المفاوضات النووية بين إيران والمجتمع الدولي. وكانت قد شدَّدت على اتّفاق 2015، بفضل إصرار الوزير السابق لوران فابيوس الذي عارَض باراك أوباما.

وبفضلِ شعبية إيمانويل ماكرون، فإنّ فرنسا، كما يقول دبلوماسيّ ما، «تتحدّث مع الجميع. وروسيا أيضاً… إلّا أنّ فلاديمير بوتين ودونالد ترامب متخاصمان…» ويضيف: «في ما يتعلّق بالقضايا الإقليمية، ليس لفرنسا، التي لم يعُد لها أيّ تأثير في سوريا منذ سنوات، شيءٌ تخسره. وبما أنّ الإيرانيين هم أكثر مَن فازوا في المشرق، فسيَخسرون كثيراً».

على رغمِ كلّ هذه المكاسب، تعثّرَ جان-إيف لودريان أمام عدمِ مرونة القادة الإيرانيين. وحول الحاجة لإنقاذ الاتفاق النووي، قال رئيس الدبلوماسية الفرنسية «إنّها متّفَق عليها» مع الرئيس حسن روحاني. وأضاف: «إذا تمَّ فسخُ الاتفاق النووي، سيَندم الجميع». ومع ذلك، من المستحيل إعادة التفاوض بشأنه.

وأكّد مصدر ديبلوماسي قبل وصول الوزير: إذ ترفص إيران كلَّ الاقتراحات، سيكون من الصعب إقناع دونالد ترامب بإفشال الاتفاق النووي، ولكنْ حول برنامجهم البالستي ودورِهم في الصراعات الإقليمية، تذرَّع الإيرانيون بحقّهم في «السيادة». واعترف لودريان بأنّه: «لا يزال هناك الكثير من العمل»، واصفاً هذه العملية بـ«الرياضية جدّاً». في اللغة الدبلوماسية، تعني العبارة أنّ السلطات الإيرانية لم تتنازل على الإطلاق».

وترفض طهران التدخّل لدى بشّار الأسد، الذي تدعم نظامه. ويَعتبر الرئيس الإيراني أنّ «الحلّ الوحيد للأزمة يَكمن في تعزيز الحكومة المركزية في دمشق». أمّا بالنسبة إلى البرنامج البالستي، فهو يندرج، وفقاً للأميرال شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وصديق مقرّب لآية الله خامنئي، في سياسة البلاد الدفاعية، وهو أمرٌ أساسي في «نظرية الردع» المعتمَدة، ولا تنوي إيران التنازلَ عنه.

إنّ عواقبَ الوضع الراهن على الأرجح وخيمة. تعتقد فرنسا أنّ في الشرق الأوسط «خطرَ صراع إقليمي». ويتفاقم هذا الخطر كلّما استمرّت الحرب في سوريا وازدادت سوءاً الأزمة الإنسانية التي تُرافق المعارك في منطقة الغوطة، بالقرب من دمشق، حيث يتمّ سحقُ المناطق المتمرّدة الأخيرة من قبَل النظام وحلفَيه، روسيا وإيران. وتخشى باريس أيضاً تجدُّد انتشارِ السلاح النووي في العالم، إذا قرّر دونالد ترامب تمزيقَ الاتفاق النووي.

وفي طهران، تؤكّد «منظمة الطاقة الذرّية الإيرانية» في هذا السياق أنّ إيران ستستأنف أنشطة تخصيبِ اليورانيوم خلال 48 ساعة. وتُراقب كوريا الشمالية والسعودية والعديد من البلدان الأخرى التطوّرات في مسألة النووي في العالم لبدءِ أو تسريعِ برامجها النووية إذا لزمَ الأمر.

ولكنْ لم نصِل بعد إلى هذه المرحلة. ويشرَح مصدر دبلوماسي: «في إيران كما في الولايات المتحدة، تتعدّد الآراء حول كلّ هذه المواضيع». ولا يَستبعد أنّ بعض المواضيع قد تتّضح قبل حلول الموعد النهائي في 12 أيار. على أيّ حال، هذا هو شرط تنظيمِ زيارة إيمانويل ماكرون، الذي سيكون أوَّل رئيس دولة غربية يزور طهران منذ الثورة الإسلامية في 1979. ولن تتمّ الرحلة إلّا «إذا استوفَت الشروط».