IMLebanon

شجاعة طرح برنامج

كتب فادي عبود في صحيفة “الجمهورية”:

انطلقت المعركة الانتخابية بكل زخمها بعد انقطاع طويل عن ممارسة هذه العملية الديموقراطية الاساسية في لبنان، الّا أنها انطلقت باتّهاماتٍ متبادَلة وباحتكار للشفافية، إذ يحاول كلّ طرف إقناع ناخبيه بصدقيّته وبشفافيته وبامتلاكه الحلّ الأوحد للخلاص، كما من المؤسف العودة الى الخطاب المتعصب وشدّ العصب الديني والمناطقي لاستقطاب الناخبين، إلّا انّ ما أجمعت عليه كل الكتل النيابية هو مكافحة الفساد، الشعار الاكثر رواجاً والذي يٌنفض الغبار عنه في كل موسم انتخابي. إلّا انّ النية التي أبداها المرشحون اليوم في التعامل مع موضوع الفساد تحديداً بجدّية، يجب أن يتلقّفَه الناخبون فيعتبروه تعهّداً تتمّ المحاسبة على أساسه.

الغائب الاكبر في هذه الحملات الانتخابية يبقى البرنامج الانتخابي الواقعي والعملي والقابل للتنفيذ، فالبرنامج هو عبارة عن عدة العمل التي سينتهجها النائب في محاولة للوصول الى الاهداف المرسومة، فإن لم تكن عدة العمل هذه واضحة على أيّ أساس سيتمّ تقييم أداء النائب، فالتاريخ لا يسجّل النوايا؟

اليوم، وبما انّ جميع الاحزاب متفقة على شعار محاربة الفساد، نأمل أن تكون المرحلة المقبلة مختلفة عن السابق وتشهد تعاوناً في تحقيق الإنجازات. نرى انّ قانون الحق في الوصول الى المعلومات لم يتمّ تفعيلُه بعد، وكأنّ القانون تمّ إقرارُه لرفع العتب، او للإيحاء بانتهاج طريق الشفافية المطلقة.

يقول ستيف هاوكينغز، الذي فارقنا أخيراً وهو من اعظم الفيزيائيين في العالم إنّ «العدو الاعظم للمعرفة ليس الجهل بل هو وهم المعرفة». وبالتالي فإنّ وهم الشفافية هو أسوأ من الفساد نفسه إذ يتوهّم المواطن انّ السلطة تنتهج الشفافية ولكنها تقوم بعكس ذلك.

هذا هو حال قانون الحق في الوصول الى المعلومات اليوم بعد إقراره، وكأنّ السلطة أدّت قسطها للعلى وأقرّته ولكنه قانون مجرّد من الصلاحية، من الفعالية، هو قانون يحتاج الى تعديل لأنّ فيه ثغرات ومنها إمكانية صرف 5 ملايين ليرة لبنانية من دون نشرها كما عدم إلزامية نشر رواتب وملحقات موظفي القطاع العام بعكس كل قوانين الشفافية في العالم، ويحتاج القانون الى تنفيذ والى مراقبة التنفيذ، هكذا يكون التعهّد بمحاربة الفساد.

فإذا أخذنا مثالاً شركة خاصة، متعثّرة، ألا يتمّ الاطّلاع على حساباتها الكاملة كأوّل خطوة لوضع خطة إنقاذ وتأهيل؟

الشيء نفسه ينطبق على القطاع العام، لن تنفع شركات ماكينزي وغيرها ما دام الوصول الى الحسابات متعذّراً، كما لن يتمكّن المواطن من أن يكون شريكاً في المحاسبة ما لم يطّلع على الحقائق والأرقام، ولن يكون الإعلام مراقباً وممارساً لعمله كسلطة رابعة إذا لم يتمكّن من الحصول على المعلومات، والأهم كيف سيتمكّن النائب من لعب دوره الاساسي أي سلطة الرقابة على سياسة الحكومة وأعمالها؟ ستبقى نوايا محاربة الفساد يتيمة في ظلّ عدم تعديل وتنفيذ هذا القانون.

الوهم الآخر الذي نعيشه هو تعهّد المرشحين بتأمين فرص عمل (علماً أنه من غير الواضح عند البعض الفرق بين فرصة عمل وفرصة الإنتاج، فرص العمل الناتجة عن اعمال لا يحتاجها المجتمع ومن الممكن استبدالُها بالتحديث الاداري ستكون حتماً مضرة للاقتصاد وللدخل القومي)، تأمين خدمات افضل، وكيف سيتم ذلك في ظلّ بيئة اقتصادية يحكمها الاحتكار وتتحكّم بها كارتيلات المحتكرين، من القطاع الخاص الى القطاع العام؟

فالدولة أكبر محتكر، من الاتّصالات الى الكهرباء، والتبغ والتنباك، كازينو واحد، شركة طيران ومطار واحد، الى القطاع الخاص من الإسمنت والكابلات ووكلاء حصريّين الخ، ما سبّب أغلى كلفة اتّصالات في العالم في منع شركتي الخلوي من التنافس، وارتفاع الاسعار، وهذا أدّى الى تهشيل المستثمر الشريف من البلد، فنحن لا نقدّم ايَّ خدمة إلّا عن طريق الاحتكار، من أبسط الأمور كتغيير لوحات السيارات الى خدمة المعاينة الميكانيكية.

لم يتمكّن المجلس النيابي حتى الآن من إقرار مشروع قانون المنافسة المطروح امام المجلس النيابي منذ 15 عاماً ، في اشارة واضحة الى انتصار ذهنيّة الاحتكار في لبنان. وبالتالي غياب المشاريع الواضحة سيجعل من الغامض معرفة ماذا سيدعم هذا المرشح او ذاك وما موقفه من الحق في الوصول الى المعلومات ومن محاربة الاحتكار وتوفير مناخ تنافسي للاقتصاد اللبناني.

وخصوصاً انّ وظيفة النواب مساءلة الوزراء عن عدم تطبيق القوانين التي أقرّها مجلس النواب، فمثلاً مَن مِن النواب ساءل الوزراء عن عدم تطبيق قانون منع التدخين في المؤسسات السياحية؟

خلال خدمتي كوزير للسياحة تمّ تسطير اكثر من 8000 آلاف محضر ضبط، وتوقّفت مفاعيلُ القانون بعد ذلك ولم يقم أحد من النواب بمساءلة الوزراء المختصين، إذ إنّ نسبة المدخنين في لبنان هي 30 في المئة يريدون أن يفرضوا عادتهم المضرة داخل الصالات المقفلة من دون اعتبار للبقية من اللبنانيين أو لصحّتهم.

لنعيد الاعتبار الى المشاريع الانتخابية، وعلى الرغم من عزوفي عن خوض الانتخابات، استمرّ في طرح برنامج انتخابي للمناقشة ليشكّل مثالاً لأيّ مرشح للانتخابات النيابية. لنفكّر سوياً في كيفية صياغة البرامج الانتخابية غير المرتكزة على شعارات، غير التحريضية والتي تلعب على الوتر الأكثر حساسية، وتر العصبية والمذهبية.

فلنبدأ بصياغة برامج انتخابية تخاطب العقل والمنطق، وتستفزّ تفكير المواطن وتشركه بإيجاد الحلول، والأهم علينا انتزاع تعهّدات واضحة من المرشحين بأن يدعموا ويعدلوا ويطالبوا بتنفيذ قانون الحق في الوصول الى المعلومات ويؤسّسوا لمجتمع تنافسي عبر شجاعة طرح قوانين تعزّز التنافسية وتلغي كارتيلات الاحتكارات.