IMLebanon

حرب باردة جديدة مع روسيا

كتبت إيزابيل لاسير- لو فيغارو في صحيفة “لو فيغارو”:

منذ وصوله إلى السلطة، يحاول بوتين، الذي يشعر بحنين إلى أيام الاتحاد السوفياتي، إعادةَ المواجهة السابقة الخلافية مع الولايات المتحدة. وأقتنَع الغرب تدريجياً بأنه يتوجّب عليه التصرّف.

هذه هي القشّة التي قصمت ظهر البعير. تتحدّث لندن عن «نقطة تحوّل» في العلاقات مع روسيا. أربعٌ وعشرون دولة، بما فيها الولايات المتحدة وسبع عشرة دولة في الاتحاد الأوروبي، تطرد مئةً وسبعة عشَر دبلوماسياً روسياً، ناهيك عن أعضاء البعثة الروسية السبعة الذين أقالهم حِلف شمال الأطلسي من منصبهم أمس. إنّ ردَّ الدول الغربية وحلفائها الشرقيين الضخم والمتناسق على قضية سكريبال غيرُ مسبوق في التاريخ.

وقال السفير الروسي في واشنطن: «ما فعلته الولايات المتحدة دمَّر ما تبَقّى من العلاقات الروسية-الأميركية».

ودام شهر العسل بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، الذي شغلَ الصحافيين كثيراً خلال الحملة الانتخابية، لوقتٍ أقلّ من «إعادة الإحياء» أي «استئناف العلاقات» الذي اقترَحه باراك أوباما. ويقول المحلّل فيودور لوكيانوف في صحيفة «Vedomosti» الروسية: «إنّ العلاقة بين روسيا والغرب تدخل مرحلة حربٍ باردة بكلّ معنى الكلمة.»

وكانت هذه الحرب الباردة الجديدة تتحضّر منذ مدة طويلة، وإنْ أحرزت الآن خطوةً إضافية إلى الأمام في قضية سكريبال، التي تُذكّرنا باغتيال المعارضين في الخارج من قبَل النظام السوفياتي،. والتدابير الانتقامية ليست سوى حصيلة تدهورِِ طويل في العلاقات بين الشرق والغرب، وكانت الحرب في جورجيا عام 2008 أولى بوادرها. ولكنّ العلاقات تأثّرت بشكل خاص نتيجة ضمِّ شبهِ جزيرة القرم في شهر آذار 2014.

ومنذ ذلك الحين تراكمت مواضيع النزاع: زعزعة الاستقرار في شرق أوكرانيا، تدمير رحلة MH17 للخطوط الجوّية الماليزية التي أُسقِطت فوق المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون، التدخّل في الحملات الانتخابية في العديد من البلدان، تكاثُر الأنشطة الدعائية في الديمقراطيات الغربية.

وتلوم أوروبا والولايات المتحدة أيضاً روسيا على مواقفها في سوريا، حيث لم تستعجل في محاربة داعش ورفضَت أن تنأى بنفسها بشأن بشّار الأسد. وإنّهما قلقتان بسبب استعراضات الكرملين لقوّته العسكرية، لا سيّما «الحرمان من الوصول» الذي فُرض على الغربيين في سوريا وعلى الحدود الشرقية عن طريق نشرِ أنظمة مضادة للصواريخ S-400. كما تعبوا أخيراً من الإجابات التي يقدّمها الكرملين لكلّ هذه المواضيع التي تُضعف النظام الدولي والتي ينتقل الروس حولها من الإنكار إلى الاقتراحات المتناقضة ومن الأكاذيب إلى النظريات التآمرية.

وقال وزير الخارجية البريطانية بوريس جونسون: «إنتهى الزمن الذي تكون فيه هذه الاستراتيجية في زرعِ الشكّ فعّالةً، ولكن لا يمكن خداع أحدٍ اليوم.»

وقد كانت الولايات المتحدة برئاسة دونالد تراب قد بدأت تردُّ على كلّ هذه الهجمات قبل قضية سكريبال، فوافقَت على منحِ أوكرانيا دبابات مضادة للصواريخ لكي تمكّنها من الدفاع عن نفسها بوجه الانفصاليين المدعومين من روسيا.

وفي سوريا، ضَرب الأميركيون منشأةً عسكرية مرتبطة بالكرملين بعد هجوم شُنَّ على قواتهم. ويتمّ توجيه أصابع الاتهام إلى روسيا في أفغانستان أيضاً حيث يتّهمها قادة أميركيون بتسليح الطالبان. وفي كوريا الشمالية حيث انتقدها دونالد ترامب بمساعدة النظام على التهرّب من عقوبات الامم المتحدة. ومنذ وصول رئيس الولايات المتحدة الجديد، عادت روسيا مرّة أخرى إلى ملفّ الأمن الوطني.

حنين سوفياتي

الحرب الباردة: منذ وصوله إلى الكرملين وفلاديمير بوتين يشعر بالحنين إلى تلك الفترة من التاريخ التي رآها تنهار أمام عينيه عندما كان ضابطاً في «لجنة أمن الدولة» في برلين، والتي كانت تضمن لروسيا السوفياتية موقعاً متساوياً مع الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، لم ينفكّ بوتين عن البحث عن دور القوّة الكبيرة والمواجهة مع أميركا. ونجَح في إيجاد جزء من هذا الدور بفضل سوريا.

وأصبح منذ ذلك الحين يتحدّى النظام التي فرضته الولايات المتحدة منذ الحرب الباردة ويريد الانتقامَ من النصر الأميركي الذي لم يهضمه أبداً. من ناحية موسكو، إنّ الأميركيين هم من شنّوا هذه الحرب الباردة الجديدة عندما انسحب الرئيس السابق بوش من معاهدة الحد من الصواريخ المضادة للباليستية (ABM) في عام 2002.

وتتعدّد الاختلافات بين هذه الحرب الباردة وتلك الحاصلة في الحقبة السوفياتية. ويوضح أستاذ في جامعة Sciences Po ووزير سابق جورجي قائلاً: «خلال الحرب الباردة، كانت المواجهة الأيديولوجية محدّدة بوضوح، أمّا اليوم، فالصراعات زادت تعقيدًا وقلَّ المنطق فيها. وما يهتمّ إليه فلاديمير بوتين قبل كلّ شيء هو أن يُلحقَ الانهيار بالاتحاد الأوروبي داخلياً. فهو يريد زعزعة النظام الأوروبي باستخدام شتّى الوسائل، ومنها غير العسكرية.

ولا تشكّل هذه الاختلافات خبراً جيّداً بالضرورة. ويَعتبر البعض أنّ الأزمة الحالية أكثر خطورةً من الحرب الباردة لأنّها تطبّق المبدأ الثوريّ السوفياتي على العلاقات الدولية. ومن خلال ضمِّ شبهِ جزيرة القرم، أعادت روسيا رسم حدودِ القارّةِ الأوروبية لأوّل مرّة منذ عام 1945.

أمّا بالنسبة لقضية سكريبال، فيشير مصدر دبلوماسي فرنسي إلى «أنّ هذه هي المرّة الأولى التي يتمّ فيها هجوم بواسطة عامل يشلُّ الأعصاب في أوروبا، منذ الحرب العالمية الثانية».

يبدو أنّ احتمال نشوء صراع نووي بين الشرق والغرب، والذي كان أحدَ أهمّ التهديدات لدخول حرب باردة، يشهد في هذه المرحلة حالاً من الاستقرار، إلّا إذا قرّر يوماً فلاديمير بوتين الذي يُدعّم عقيدته النووية، أن يضع حدّاً للوضع الراهن، كما اعترَف أنّه كان يمكن أن يفعل ذلك إذا اعترض الغربيون على ضمِّ شبهِ جزيرة القرم.