IMLebanon

حكومة الحريري الثالثة… بِلا نواب!

كتبت ملاك عقيل في صحيفة “الجمهورية”:

حَسَم الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله باكراً أحدَ معايير توزير ممثليه في الحكومة: فصل النيابة عن الوزارة. مواقفُ رؤساء الكتل السياسية الكبرى لا يزال يكتنفها الغموض في شأن مدى إلتزامها «شعارٍ» شكّل أحدَ العناوين الإصلاحية لـ «التيار الوطني الحر». بالتأكيد، يرتبط هذا الخيار بملفٍّ أكثرَ حساسية. طريقة توزيع الوزارات السيادية في الحكومة المقبلة، وتحديداً المال والداخلية.

خلال إعلان السيد نصرالله أسماءَ مرشّحي «حزب الله» الى الانتخابات النيابية، أكّد إلتزامَ الحزب، للمرة الأولى، فصل النيابة عن الوزارة «لتوزيع ثقل المسؤوليات» وذلك على مدى الولاية النيابية المقبلة، مشدّداً على أنّ هذا القرار ليس نهائياً «وسيكون خاضعاً للنقاش والتقييم على ضوء تجربة الأربع سنوات». بتأكيد مطّلعين، أتى هذا القرار منسجِماً أيضاً مع توجّه الحزب لتشكيل إطارٍ تنظيميّ لمكافحة الفساد يحظى برعايةٍ نصرالله الشخصيّة وإشرافه المباشر.

بنتيجة هذا القرار الحزبي، حُدِّدت هويةُ أوّل وزير في حكومة الرئيس سعد الحريري الثالثة وهو الوزير محمد فنيش الذي خرج من السباق النيابي، مع العلم أنه شغل حقائبَ وزارية عدة، أوّلها الطاقة، منذ العام 2005.

موقفُ «حزب الله» المفاجئ أحرج كثيرين وعلى رأسهم «التيار الوطني الحر» المنادي الأوّل بتطبيق هذا الشعار «تأميناً لمزيدٍ من الشفافية والمحاسبة»، لكنه عمليّاً لم يسعَ جدّياً، منذ دخوله أولى الحكومات عام 2008، لفرض إقرارِه في مجلس النواب، مع العلم أنّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وافقت على «مشروع الفصل» في تشرين الثاني 2011.

وردّت الفكرة للمرة الأولى في البرنامج الانتخابي لـ»التيار» عام 2005، ثمّ تقدّم «التيار» باقتراحِ قانونٍ بفصل النيابة عن الوزارة في تشرين الأول 2008، طالباً إلغاءَ المادة 28 من الدستور لتصبح كالآتي: «لا يجوز الجمعُ بين النيابة ووظيفة الوزارة.

أما الوزراء فيجوز انتقاؤُهم من أعضاء المجلس النيابي أو من أشخاص خارجين عنه أو من كليهما»، أما إذا خلا مقعدٌ في المجلس لسبب قبول نائب تعيينه في الحكومة، فيحلّ محلّه في المركز الشاغر الرديف الذي يكون قد اختاره الأخير على لائحته.

خلال طلّاتها الإعلامية القليلة، حَسَمت مستشارةُ رئيس الجمهورية ميراي عون مسألة تبنّي «التيار» عمليّاً للاقتراح، مؤكّدةً حين سُئلت تحديداً عن الوزير جبران باسيل، في حال فوزه بالانتخابات، بأنه «لن يكون وزيراً في الحكومة المقبلة»، لكنّ أيَّ موقفٍ رسميّ لم يصدر حتى الآن عن رئيس «التيار».

يلمّح باسيل دوماً حين يُسأل عن إحتمال توزيره بعد إنتخابه نائباً، بأنه سيفاجئ الجميع بقراره. المعطياتُ تشير في هذا السياق الى أنّ «التيار» لن يلتزم بالضرورة فصل النيابة عن الوزارة إذا لم يتمّ إقرارُه بقانون في مجلس النواب. وقد كان ملفتاً عدم إدراجه كبندٍ على جدول أعمال الجلسة التشريعية الأخيرة ما يعني أنه خارج أولويات القوى السياسية والبتّ به سيكون من مهمات مجلس النواب المقبل بعد تشكيل الحكومة!

القطبة الأساسية تكمن في كون إهتمامات باسيل باتت تتجاوز أيَّ حقيبة وزارية، بما في ذلك السيادية منها. القريبون منه يجاهرون بأنه يسعى الى تشكيل أكبر كتلة نيابية داعمة للعهد تتجاوز عدداً كتلة «المستقبل»، الأكبر في مجلس النواب الحالي، وتضمّ المحازبين والأصدقاء والحلفاء وأهميّتها أنها متنوّعة طائفياً وتضمّ وزراءَ ونوابَ «حِلف العهد». لطالما ردّد باسيل أنه باحثٌ دائم عن الشرعية الشعبيّة، حيث يعتقد أنها الممرَّ الإلزامي الى رئاسة الجمهورية!

لكنّ مصادرَ قيادية في «التيار» تجزم بأنّ توزيرَ جبران، أو أيّ نائب عوني آخر في الحكومة المقبلة، لن يكون بالضرورة خاضعاً لمعيار»الفصل»، «وتحديداً إذا لم يتمّ إقرارُه بقانون،ما سيعني أنه لن يكون ملزماً للجميع وبالتالي لنا أيضاً»!

وفيما يتّفق الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط على السير في «الفصل» فقط في حال إلتزمه الجميع مع تقديرهما المسبَق أنّ الأمر لا يتعدّى إطارَ المناورات، فإنّ الرئيس سعد الحريري أعطى الإشارة بالقبول من خلال تخيير وزراء «المستقبل» بين النيابة والتوزير في الحكومة المقبلة، فإختار كل من جمال الجراح وجان أوغاسابيان أن يكون في عداد «مشاريع الوزراء» في الحكومة المقبلة.

في حين فضّل الوزراء نهاد المشنوق وغطاس خوري ومحمد كبارة مشروع النيابة، مع العلم أنّ الأخير حَسَم متأخّراً إنضمامَه الى لائحة «المستقبل» في طرابلس بعد أخذٍ وردٍّ بسبب ترشيح إبنه كريم كبارة.

أوساط «التيار الأزرق» تجزم في هذ السياق، بأن على رغم من إعلان الحريري تبنّيه هذا الخيار، فإنّ لا شيءَ محسوماً حين يبدأ شدّ الحبال حول الحصص وتوزيع الحقائب. أما «القوات اللبنانية» فأدبيّاتها تنسجم تماماً مع هذا المبدأ، وستبقى ملتزمةً تطبيقه.

لكنّ هذا المشهد لا يمكن فصلُه عن النزاع المقبل على الحقائب السيادية، إن لجهة النقاش في شأن المداورة أو لجهة الشخص المعني بالحقيبة. ومنذ الآن بدأت الصالونات السياسية تطرح السؤالَ الكبيرهل سيتخلّى بري، واستطراداً الفريق الشيعي، عن حقيبة وزارة المال، وإذا رسا القرار على إبقائها في عهدة عين التينة مَن سيكون شاغلها في حال إلتزم بري، مثل بقية القوى السياسية، خيار فصل النيابة عن الوزارة.

القريبون من رئيس المجلس يلفتون الى أنّه «عادة ما يترك لعنصر المفاجأة أن يلعب دورَه في اللحظة الأخيرة. وهذا ما حصل مع توزير فيصل كرامي من ضمن الحصة الشيعية، وتوزير عناية عز الدين في الحكومة الحالية».

ويبدو أنّ بري لن يلتزم عدم توزير نوابه إلّا حين يسبقه الجميع الى هذا الملعب. لكنّ النزاع على حقيبة المال سيتقدم عليه مشروعُ «مشكل» أكبر يتعلّق بمجاهرة قياديّين في «التيار الوطني الحر» منذ الآن برفضهم التصويت لبرّي رئيساً لمجلس النواب المقبل!

وينسحب النزاعُ السياسي نفسُه على وزارة الداخلية وإحتمال إنتقالها الى فريق آخر، في وقت تؤكّد أوساطُ مطّلعة أنّ الحريري، وبعد تكليفه تأليف الحكومة المقبلة سيطرح عناوين أساسية في عملية التأليف منها المداورة في توزيع الحقائب، و»الكوتا» النسائية.