IMLebanon

غوروستارزو يُمسرِح الـ«أحلام» في لوحاته

كتبت منال عبد الأحد في صحيفة “الجمهورية”:

يتيح الفنان تييري دو غوروستارزو Thierry de Gorostarzu، في معرضه «أحلام» (Rêveries)، الذي يُقام في «غاليري شريف تابت»، للناظر إمكانية امتلاك المكان للحظات فيشعر أنّ اللوحة رُسِمت خصيصاً له كي تصحبَه إلى أروع الأماكن في إيطاليا، فرنسا ولبنان. فمدينة كالـ»بندقية» مثلاً تعجّ بالناس، إلّا أنّ تييري اختار أن يفرِّغ لوحاته من الحضور البشري وكأنّه يصحِّرها، ليتركَ للمشهديّة، الأشبه بخشبة المسرح المتألّقة بديكوراتها قبل دخول الممثلين، أن تستحوذَ على انتباه المشاهد.

يتطلّع غوروستارزو باستمرار نحو فضاءات من الحرية، تلك الحرية التي تحلّق معها بعيداً في أفق اللوحة، ويعتبر، في حديث لـ»الجمهورية»، أنّ اقتصارَ اللوحة على مشهدية مطلّة على البحر، يتيح للناظر إمكانية إسقاط حضوره الشخصي عليها فيشعر أنّ المكان يخصّه حصراً.

سوريالية الطبيعة والخشبة

وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك عاملين رئيسيّين يتركان عميقَ أثرهما في رسومات غوروستارزو وهما: طفولته التي قضاها في منزل مطلّ على البحر، وعمّه الكوميدي الذي كان يصحبه معه إلى المسرح. فتغدو سوريالية الطبيعة والخشبة حاضرتين في رسوماته التي يبدأها بطبقة من الأكريليك ليكملها بالألوان الزيتية حصراً.

كما تلعب المساحة دوراً بارزاً في رسوماته، وحضور المياه أساسي، كما يقول. إذ يحكي غوروستارزو عن وجه الشبه الكبير بين لوحاته والمسرح، ويرى أنّ أعماله تتيح للناظر تجربةً حسّية، يشعر معها برطوبة المياه، وحرارة المكان. إذ إنّ للحواس والأحاسيس التي تخلقها أهمية قصوى في نظره.

وعن إطلاق اسم «أحلام» على معرضه المكوّن بالكامل من لوحات تُعرَض للمرة الأولى، فهو يعتبر أنّها اللحظة التي تتيح للمرء أن يكون وحيداً يحدّق في اللوحة، وهي شبيهة بلحظات عاشها بنفسه وحيداً معها، والتي تجعل منها أفقاً واسعة للتحفيز على الأحلام، بما تكتنزه من إِعمال للمخيّلة.

تيمة مقفز السباحة

ورغم أنّه، وكما أسلفنا، غالبية لوحات غوروستارزو تفرغ من العنصر البشري بصورة مباشرة، إلّا أنّه خصّص لوحاتٍ صغيرة في جانب من زوايا المعرض وضع فيها نساءً على مقفز السباحة، تبدو حركاتهنّ أنيقة ورشيقة أشبه بإحدى خطوات الرقص التعبيري، وهي التيمة التي يقول غوروستارزو إنّه سيعمل على تطويرها بصورة لاحقة.

وفي هذا الإطار يؤكِّد: «تكمن أهمية مقفز السباحة بكونه المكان الذي نختلي فيه بأنفسنا لنخبترَ الأحاسيس ونحفِّز حواسنا، فنحن نجد أنفسنا بمفردنا في صحبة العوامل الطبيعية. أحبّ كثيراً هذه الفكرة، وأعشق الوقفة المنسجمة التي تحاكي فنّ الرقص».

وعن اختياره للألون الفاتحة يقول غوروستارزو إنّها تحاكي زرقة البحر وإشراقة الضوء اللتين تسحرانه.

جبيل والبترون

في استعادة لتجربته مع الرسم، يخبرنا غوروستارزو أنّ هذا العالم قد استحوذ على اهتمامه منذ كان في ما يقارب الثامنة أو التاسعة من العمر، إلّا أنه درس الحقوق واحترف الرسم متأخّراً، أمّا عمر مسيرته الفنية فيناهز الخمسة عشر عاماً.

وعن معرضه في بيروت، يرى غوروستارزو أنّ لقاءَه الذي حدث محضُ صدفة مع تابت، بحيث حضر هذا الأخير معرضاً له في باريس، لم يكن عبثياً، بل أثمر هذا المعرض الذي رسم فيه لوحات للبنان من خلال الصور فجسّد جبيل والبترون في أعمال فنية، تحاكي تميته الرئيسية التي يرتكز المعرض إليها.

مشهديّة مسرحيّة

فيما تمعن النظر في لوحات غوروستارزو تشعر فعلاً بحضور ذلك الطفل العاشق للبحر، المستسلم لإطلالته، والهائم بالمسرح، خصوصاً في تلك اللحظات التي تسبق بدء العرض حيث يشعر المشاهد أنّ كل شيء متاح، إذ إنك تتحسّس فعلاً مشهديةً مسرحيةً في تلك اللوحات المتجانسة التي تنقل المكان بكل ألقه غير منغصّة سحر اللحظة على الناظر بأيّ حضور لعنصر آخر، وخصوصاً العنصر البشري، الذي قد يخلق مسافة بينه وبين المكان، ليختلي بالمشهد بسجيّة مطلقة ويرخي بظلال أحلامه عليه.

وختاماً، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ لوحات غوروستارزو تتّسم بتلك النفحة الشخصية التي تُميّز فنّه، بحيث لا تنقل المكان كما هو، بل تجسّده مسرحياً في مشهد مليء بكل عناصره، لا ينقصه إلّا أن يدخله المشاهد ليعيش في المكان ولو للحظة.