IMLebanon

الحكومة العتيدة بين توازنات “نصرالله والصدر” و”الحريري والعبادي”

كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:

ربما تكون «المصادفة» هي التي جعلت كلّاً من سمير جعجع في لبنان والسيد مقتدى الصدر في العراق يستخدمان بالحرف «مصطلحاً واحداً» لدى إبداء رأيهما بما هو مطلوب فعله لإنتاج السلطة بعد الإنتخابات. ومفاده مطالبتهما بـ»وجوه جديدة». لم يوضح جعجع مفهومَه لـ»الوجوه الجديدة» عندما طرح هذا المصطلح بعد خروجه من زيارة الرئيس سعد الحريري، فيما الصدر أوضح أنّ الوجوه الجديدة تعني الإتيان بـ»وزراء تكنوقراط وغير حزبيّين».

والواقع أنّ المصطلحات ـ المطالب التي يطرحها الصدر، في مناسبة البحث عن تشكيل حكومة جديدة إثر الإنتخابات العراقية، لا تشبه فقط مصطلحات جعجع الأخيرة، بل تشبه في جانب آخر منها، مطالب ومصطلحات كان طرحها تمام سلام بدايات تكليفه عام 2013، ودعا فيها الى تأليف «حكومة حيادية أو تكنوقراط»، واعتبر «حزب الله» طروحاته آنذاك بأنها تضمر قراراً خارجياً بعدم تمثيله في الحكومة. وهذه التهمة نفسها يوجّهها اليوم «الطيف الإيراني» في «الحشد الشعبي» العراقي لمصطلحات الصدر عن «الوجوه الجديدة» و«حكومة التكنوقراط».

لا يحمل أيّ جديد القول إنه لا يمكن النظر الى نتائج الإنتخابات في كل من العراق ولبنان، بمعزل عن بعضهما البعض، حيث إنّ نتائج التصويت الشيعي فيهما أوضحت مضمون الرسالة الإقليمية المراد توجيهها من صناديق الإقتراع، وذلك ضمن جهد «الحرب الباردة والساخنة» الدائرة على النفوذ في المنطقة بين العرب والغرب من جهة وإيران من جهة ثانية.

هناك سوابق تُظهر ترابط ما يحدث ضمن عملية إعادة إنتاج السلطة في العراق مع ما يحدث على هذا الصعيد في لبنان. حدث عام 2010 أن رُكِّبت تسوية توافق «السين – السين» العربية (السعودية وسوريا) سيناريو لحكومة في لبنان والعراق برئاسة حليفَي الرياض سعد الحريري وأياد علاوي، ثم حدث تصاعدٌ في النزاع الإيراني السعودي ـ الغربي، قاد الأسدَ الى الإنحياز فيه لمصلحة طهران، ما أدّى الى فرط تسوية الـ«سين ـ سين»، فجُدِّد لنوري المالكي لولاية رئاسية حكومية ثانية في العراق (أيار 2010) وأستُبعِد علاوي، وأُسقطت حكومة الحريري (مطلع عام 2011) بعد استقالة الثنائي الشيعي منها، وجاء نجيب ميقاتي بديلاً عنه. كان ذلك، بحسب مراقبين، إنقلاباً إيرانياً بامتياز ضد استبعاد طهران من تسوية هندسة التوازنات العربية في كل من العراق ولبنان.

اليوم، تُظهر نتائجُ انتخابات العراق ولبنان، أنّ إمكانية توقع عودة محورَي النزاع الإقليمي الى إنتاج انقلابات على مساحتي تشكيل الحكومتين العراقية واللبنانية وارد بالمقدار نفسه الذي يتمّ فيه الحديث عن تحييد تأليف الحكومتين عن نزاعهما: فتصدّر مقتدى الصدر المرتبة الاولى في الانتخابات (54 مقعداً) تمثل نجاحاً للسعودية ومعها واشنطن، وذلك في سعيهما لإظهار أنّ نفوذَ إيران بين شيعة العراق، أو بين نسبتهم الأكبر، تضاءل الى حدٍّ كبير، فيما فوز «حزب الله» بالحصة الأكبر من التمثيل الشيعي، وبالحصة الأهم من مجمل نتائج انتخابات لبنان، يُظهر أنّ نفوذ إيران داخل لبنان وإعادة عملية إنتاج السلطة فيه، لا تزال في ألف خير.

في رأي مطّلعين أنّ تناقض المعنى السياسي لأرقام التصويت الشيعي في كلّ مِن لبنان والعراق، لن يساعد على إنشاء معادلة سلسة تمكّن من تأليف حكومة في بيروت على وزن حكومة يتمّ تشكيلُها في العراق، بل سيعقّد عملية التأليف في البلدَين. فمعادلة الإتيان بحيدر العبادي «الشيعي الوسطي بين الرياض وطهران» رئيساً للحكومة العراقية التي يؤيّدها الصدر ليُكرَّس بواسطتها دفن مشروع عودة نور المالكي شديد الصلة بإيران لترؤس الحكومة العراقية، لا يقابلها في لبنان، بحسب ما أظهرته النتائج الشيعية في انتخاباته، معادلة تجاريها، بل معادلة تعاكسها. وعليه فالمتوقع هو أن يمرَّ تأليفُ الحكومتين العراقية واللبنانية بنزاع بين محورَي الحرب الإقليمية، نظراً لكون الرياض ستحاول العمل لمنع إيران من تسييل نتائج فوز «حزب الله» الإنتخابي سياسياً في لبنان، في مقابل أنّ طهران ستعمل لمنع السعودية من تسييل فوز مقتدى الصدر الإنتخابي سياسياً في العراق. وستشكّل مناسبةُ تزامن تأليف الحكومتين في كل من العراق ولبنان، مسرَحاً ليدور عليه هذا الإشتباك الإقليمي على نتائج انتخابات إنتهت اقتراعاً، وبدأت مرحلة تداعيات ما حملته نتائجُها من رسائل للداخل والخارج.

وتقود هذه الإعتبارات، في رأي مراقبين، الى توقّع أنّ تأليف الحكومة سيحدث ضمن واحد من سيناريوهين اثنين:

ـ السيناريو الأول يتمثل في أن تتمّ تغطية تأليف الحكومة بضغط دولي عموماً وأوروبي خصوصاً، لتحييدها عن انعكاسات أن يفرض الإقليميون على معادلات تركيبتها السياسية، تأويلهم السياسي لنتائج انتخابات العراق ولبنان. وبموجب هذا السيناريو سيتمّ رفعُ شعار «إعطاء الأولويّة القصوى لتأليف حكومة إنقاذ إقتصادي، في العراق ولبنان» برئاسة العبادي والحريري، وتضمّ كلّ خليط القوى المحلّية المتناقضة إقليمياً من دون شروط سياسية متضادة بينها.

ـ السيناريو الثاني هو أن يجري تأليف الحكومة في كل من لبنان والعراق، على وقع محاولة الإقليميين الاستثمار في نتائج الانتخابات التي جرت في البلدَين، وحينها سيصبح في الإمكان توقّع حدوث واحد من مسارَين: نزاع على اسم مرشّح لرئاسة الحكومة اللبنانية بحيث يتمّ ردّ صفعة تحالف العبادي ـ الصدر السعودية لإيران في العراق بتوجيه صفعة للرياض في لبنان، وحينها سيكون محتمَلاً أنه بدلاً من تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، ستطرح أطراف وزانة تسمية شخصية تراعي المعادلة الجديدة التي فرزتها الانتخابات والمتمثلة بفوز «سنّة 8 آذار» بنحو ثلث المقاعد السنّية النيابية، مضافاً اليهم فوز الحزب بثلثي المقاعد الشيعية، وبجميعها مع شريكته حركة «أمل».

.. وذهاب النزاع الداخلي الى هذا السيناريو، يحتمل حدوثه في حال فشل الدوليّون في تحييد تأليف الحكومة عن تداعيات النزاع الإقليمي، وأيضاً في حال تصاعد النزاع الدولي والإقليمي أكثر في شأن ملفّي إيران وسوريا و«حزب الله»، ما قد يخلق واقعاً سياسياً على مستوى تأليف الحكومتين العراقية واللبنانية، قد يكرّر مشهد حدوث انقلابات سياسية على غرار ما حدث مع علاوي والحريري بين عامي 2010 – 2011.

أما المسار الثاني المتوقع فيتمثل بإيجاد تسوية ضمن النزاع الإقليمي على وقع نتائج الانتخابات العراقية واللبنانية، بحيث يتمّ إنتاج مقبولية إقليمية باستمرار «الستاتيكو» السياسي في العراق ولبنان بعد الانتخابات على التوازنات نفسها التي كانت عليها قبلها، بحيث تستمرّ في لبنان تطبيقات التسوية الرئاسية التي احتضنت عودة الحريري عن استقالته، ويستمرّ العبادي في العراق رئيساً لحكومة لا تغلب على تركيبتها شروط مقتدى الصدر على شروط طيف خصومه داخل «الحشد الشعبي» وحزب «الدعوة». وبذلك يتمّ الحفاظ حتى إشعارٍ إقليميٍّ آخر، على «ستاتيكو» الحدّ الأدنى من الاستقرار في البلدَين اللذين توجد فيهما أكبر ديموغرافيا شيعية عددية وسياسية في المنطقة.