IMLebanon

“لا أسمع”… أرقص!

كتبت منال عبد الأحد في صحيفة “الجمهورية”: 

«كنت في الثامنة من عمري عندما بدأت أتحسّس رغبتي في الرقص، وكان ذلك عندما رأيت مايكل جاكسن، فأصرّيت على أن أتسجّل في صفوف متخصّصة»، يبدو إلى الآن ما يقوله بيار جعجع عن موهبة الرقص التي نمت داخله اعتيادياً جدّاً إلى أن يكمل: «لم يكن ذلك بالأمر السهل كوني لا أسمع». هنا يكمن التحدّي إذاً.

بدأت تجربة جعجع مع الرقص قبل أن يتمكّن من الفهم العميق للموسيقى، هذا ولم تُشبع نهمَه فئة واحدة منه، بحيث تنوّع أداؤُه بين الفولكلوري والمعاصر، الباليه جاز والباليه كلاسيك، وكان ما يزال غريباً إلى حدّ كبير عن العامل الأكثر تأثيراً بأيِّ راقصٍ ألا وهو الموسيقى. وفي هذا الإطار يفيد جعجع: «عندما كنتُ في الخامسة عشرة من العمر حصلت على أداة المساعدة على السمع وساهم ذلك في تعزيز فهمي للموسيقى وعمّق إحساسي بها، رغم أنّه ليس من السهل الرقص مع هذه الأداة أيضاً». وبجانب كلّ تلك التحدّيات واجه بيار أيضاً تحدٍّ لا يقلّ عنها أهمية تمثّل في إقناع والده بأنّه يحب الرقص ويريد أن يمتهنه خصوصاً وأنّه كبر في مرحلة الحرب الأهلية الصعبة، إلّا أنّه تصدّى لذلك وأكمل عمله في الرقص والموسيقى.

“تواصل”

وبعد أن شارك في عروض عالمية عديدة، وقدّم عرضيه الفرديَّين «اللغة الأم» و «Entre-Chains»، ها هو اليوم في طور تقديم عرضه الجديد «تواصل» مع الفنان جورج كرونيس وهو عازف ومغنٍّ ومؤلِّف أغانٍ نمساوي يمتاز بعزفه على آلة «الفيولا دا غامبا» مستنداً في التأليف والعزف إلى الأعمال الكلاسيكية كمرجعية يترجمها في أداءٍ يتماشى مع عصرنا الحالي. وفي هذا الإطار يقول جعجع: «تعرَّفت الى جورج من خلال الفيسبوك، واقترح عليّ إمكانية التعاون سويّاً فوُلدت فكرة العرض». وهي مبنيّة بشكل كبير على الصعوبات التي واجهها كلّ من جورج وبيار في التواصل والعمل سوياً، رغم الاختلاف في العوالم، فاللغة كانت حاجزاً، وكون واحدهما أصمّاً والآخر يسمع كان حاجزاً أيضاً، على سبيل المثال لا الحصر، يوضح بيار. ورغم تلك التحدّيات استطاعا أن يتوغّلا في عمقهما الإنساني متجاوزَين كل المعوقات ليتواصلا من خلال الفن، تلك اللغة الجامعة، ويعدّا عرضهما المنتظَر كاسِرَين بذلك الحواجز اللغوية والثقافية بينهما وتلك التي قد تنشأ بينهما وبين الجمهور تالياً.

شاعرية لغة الإشارة

ويستند العرض إلى لغة الإشارة التي أراد الفنّانان أن يُظهراها كلغة شاعرية قائمة بذاتها توازي الكلام أهمّيةً وعمقاً. وقد سعيا من خلال هذا العمل إلى تعزيز تواصلهما مع مجتمع الصمّ، وتوعية المجتمع اللبناني حول هذه الفئة المهمّشة والصعوبات التي تواجهها في التواصل مع الآخرين والتعبير عن ذاتها والاندماج في مجتمعٍ لا يعي كيفية التعامل مع الآخر المختلف. ويسعى الفنّانان أيضاً إلى تقديم عرض «تواصل» في مختلف المدارس في لبنان لنشر التوعية حول هذه المسألة.

يعزف جورج موسيقى عمرها 400 عام على آلة «الفيولا دا غامبا» ويغني فيما يسخّر بيار لغتي الجسد والإشارة في التعبير عن هذا «التواصل» الفنّي مستخدِماً بذلك الرقص المعاصر. وفي هذا الإطار يؤكِّد بيار: «تفاعلي مع الموسيقى يستند الى الإحساس وليس إلى السمع، وقد كان التفاعل مع الفيولا أصعب نظراً لخصوصية هذه الآلة فوجدتُ في ذلك تحدّياً».

وكما أسلفنا فإنّ هذا العرض هو العرض الثالث للراقص والكوريغراف بيار جعجع الذي وُلِد أصماً وصاغ طريقته الخاصة في التفاعل مع الموسيقى من خلال جسده ويديه. ويجمع العمل بين الموسيقى والغناء والرقص والكلام ولغة الإشارة لاستطلاع هذا التماس القائم بين الأجساد من خلال الموسيقى والرقص وبين البشر من خلال اللغة المحكيّة ولغة الإشارة. يقدَّم العرض في استوديو زقاق في 31 من الجاري ويومَي الأول والثاني من حزيران المقبل.