IMLebanon

لعبة «الحوت الأزرق» وتفسيرها النفسي

كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:

في الآونة الأخيرة، نسمع كثيراً عن لعبة إلكترونية، يلعبها الأطفال والمراهقون على الهواتف الذكية وتدفعهم إلى الإنتحار. هي لعبة «الحوت الأزرق». بعد «بوكيمون غو» التي أحدثت ضجّة قوية في عالم الألعاب الإلكترونية، وأدّت إلى الكثير من المشكلات النفسية وأهمها عدم القدرة على التمييز ما بين الواقعي والخيال… ها هو «الحوت الأزرق» يظهر في هواتف أطفالنا ومراهقينا ويشجّعهم على إطاعة وتنفيذ خمسين أمراً… آخرها «الإقدام على الإنتحار». فما هي هذه اللعبة؟ وكيف تؤثّر على أطفالنا؟ وما هو دور الأهل لتفادي هذا النوع من الألعاب الخطرة؟

من المؤكد، بأنّ لعبة «الحوت الأزرق» من الألعاب الإلكترونية التي تؤثّر على الطفل والمراهق وتشجّعه على الإنتحار، كما من المؤكد بأنّ ضحايا هذه اللعبة على تكاثر يوماً بعد يوم. فقد دفعت لعبة «الحوت الأزرق»، الكثير من الأطفال والمراهقين حول العالم إلى الإنتحار بينهم، 130 طفلاً روسياً، ووصل سمّ هذه اللعبة إلى بريطانيا والسعودية والكويت ومصر والجزائر… كما من المؤكد بأنّ مخترع هذه اللعبة، «بودكين»، موجود في السجن بتهمة التحريض على الإنتحار. ولكن غير المؤكد هو تمكّن الدول من إلغاء هذه اللعبة من جميع وسائل التواصل الإجتماعي، على رغم الجهود الحثيثة المبذولة عالمياً لكبح رواجها وانتشارها.

 ما هي لعبة «الحوت الأزرق»؟

“فيليب بوديكين” الروسي، هو مَن إخترع لعبة «الحوت الأزرق» سنة 2013. إنتشرت هذه اللعبة على مواقع التواصل الإجتماعي وصولاً إلى «فايسبوك» و«إنستغرام»، من خلال تحميلها على الهواتف الذكية. فأصبحت هذه اللعبة سهلة المنال على جميع أفراد المجتمع، وخصوصاً الأطفال والمراهقين المولعين بالألعاب الإلكترونية، وهي تعتمد بشكل كبير على السرّية. كان هدف هذه اللعبة حسب «بوديكين» ذات الواحد والعشرين ربيعاً، هو «تطهير المجتمع من النفايات البيولوجية عديمة الجدوى» من خلال الإنتحار. وتعتمد اللعبة على خمسين مرحلة، «لإيجاد» المجرم وضحاياه. خلال كل مرحلة، هناك أوامر يجب أن ينفّذها اللاعب، وإذا لم يمتثل لهذه الأوامر أو أفصح عنها، يتمّ تهديده بموت والديه أو المقرّبين منه.

المراحل الأولى من اللعبة، تتكوّن من أوامر ليست «بالشاقة» ولكنها خطرة كرسم اللاعب حوتاً على ذراعه بآلة حادة، ثم يتمّ تصويره وإرساله إلى موجّه اللعبة… كما يُطلَب من اللاعب أن يسرق أو يضرب، بالإضافة إلى الإستيقاظ بأوقات متأخرة من الليل ومشاهدة أفلام رعب، الوقوف على سطحٍ عالٍ، الإستماع إلى موسيقى كئيبة مخصّصة للعبة وتمهّد للشعور بالكآبة والإنحطاط النفسي وصولاً إلى الإنتحار في مرحلة أخيرة من اللعبة، تحت وطأة تهديد اللاعب بقتل والديه من قبل موجّه اللعبة، الذي يعرف عنوان المنزل وغيرها من المعلومات الشخصية التي تكون عادةً متوفّرة على مواقع التواصل الإجتماعي.

سلبيّة الألعاب الإلكترونية

يتّفق علماء النفس على وجود نقاط سلبية مشترَكة ما بين جميع الألعاب الإلكترونية وأهمها:
-التشويش والخلط ما بين الواقع والخيال. هذا التشويش يؤدي إلى قلق وتوتّر وصولاً إلى الهذيان.
-إضطرابات النوم.
-هوس اللاعب بتكملة اللعبة التي تصبح مسيطرة على حياته.
-الإنطوائية والشعور بالكآبة من أهم النقاط السلبية لممارسة الألعاب الإلكترونية.
-تنمية العصبية والعدوانية في نفس اللاعب.

كيف تؤثر لعبة «الحوت الأزرق» على أطفالنا؟

تتطلّب هذه اللعبة سرّيةً كاملة من اللاعب لتوفير بيئة حاضنة للأفكار الإنتحارية. يعني ذلك، بأنّ هذه اللعبة تتطلّب تكتّم اللاعب عن أيِّ طلب يصدر عن «موجِّه» اللعبة. ويشعر اللاعب بنوع من الإستفزاز والتحدّي، لتخطي المرحلة الموجود فيها بدون علم الأهل. لذا يطبّق الطفل أو المراهق الذي يلعب ما يُطلب منه بشكل أوتوماتيكي لكي لا يشعر بالدونية تجاه «الموجِّه».

وعلى صعيد التحليل النفسي، فإنّ متطلّبات مختلف مراحل اللعبة، هي خارج إطار «الأنا الأعلى» أي إحترام القانون والأعراف الإجتماعية والقواعد التي تنظّم المجتمع… وهذه المتطلّبات كلها تصبّ في خانة «اللهو» وهي تسيطر على مختلف غرائز اللاعب فتدفعه إلى العدوانية تجاه الذات والآخرين وصولاً إلى القتل و»قتل الذات».

وعندما نتكلّم عن إنصياع اللاعب بشكلٍ أوتوماتيكي للعبة، يعني ذلك نوعاً من «غسيل الدماغ» أو تطبيقاً بشكل لاإرادي للأفكار التي تُطلب منه… مهما كانت هذه الأفكار. لذا نجد بأنّ اللاعبَ الصغير أو المراهق يستجيب بشكل لا واعٍ لجميع متطلبات «الموجّه» أو مرسل الأفكار. وطبعاً تتأثر شخصيية اللاعب بهذه العملية النفسية إلى حدّ بعيد، خصوصاً بأنّ أوّل المتطلبات تكون بسيطة، ثمّ تتوسّع، فيحقّق اللاعب كل المتطلبات لأنه مستعدّ للتطبيق مهما كان الطلب ولأنه طبق «المطلوب» وشعر بأهميّته تجاه «الموجِّه».

كما تقوم اللعبة على «تغييرٍ» في سلوك اللاعب ونمط حياته وأفكاره القديمة التي يحاول «الموجِّه» إستبدالها بأفكار جديدة. لذا نلاحظ، أنّ هذه اللعبة تتطلّب من اللاعب أن يستيقظ مثلاً الساعة 4:20 صباحاً ويقوم ببعض المتطلّبات، مثل: «الوقوف على سطح بيته» أو سماع موسيقى مزعجة…. وذلك يؤثر في سلوك اللاعب بسبب توجيهات الموجِّه التي تكون بصيغة الأمر والتهديد. لذا يعيش الأطفال والمراهقون، ضحايا «الحوت الأزرق» ضغوطاً نفسيّة ولا يستطيعون طلب المساعدة من أهلهم تحت وطأة التهديدات بالقتل والإيذاء.

كما يمكن التحدّثُ عن موضوع «الرضوخ للسلطة» في لعبة «الحوت الأزرق». الطفل والمراهق على حدٍّ سواء، بحاجة لسلطة ما لإحترامها وتطبيق متطلّباتها، (عادةً ما تكون سلطة الأب). وطبعاً سلطة الأب «إيجابية» و»مطابقة للأعراف الإجتماعية». ولكنّ الأمر مختلفٌ في لعبة «الحوت الأزرق»، حيث تؤذي السلطة اللاعب. يستجيب هذا الأخير لجميع متطلّبات «السلطة» (موجِّه اللعبة)، التي تتميّز بإيذاء الجسد (رسم حوت على اليد بآلة حادة) أو النفس (الضغوط النفسية والقلق الذي يعيشه اللاعب). فتُستبدَل السلطة «الأبويّة» التي تريد الأفضل لطفلها، بسلطة موجِّه اللعبة الذي يسعى للأذى و»دمار» اللاعب.

ودور الأهل…

دورُ الأهل ليس فقط تأمين حاجات الطفل الأساسية من مأكل ومشرب وملبس… بل أيضاً التوجيه والتربية ومشاركة حياة طفلهم اليومية ومراقبته عن كثب. وهذه أهم أدوار الأهل في حياة طفلهم المتعلّق بالألعاب الإلكترونية:

-يجب أن يحدّد الوالدان فترة زمنية للعب بالاتّفاق مع طفلهم، حتّى لا يستغرقَ الطفل وقتاً طويلاً في اللعب، ما قد يؤدّي إلى إدمانه. مثلاً يمكن أن تحدّد الأم فترة ما بين 15 دقيقة وساعة كحدٍّ أقصى للعب في اليوم الواحد خلال الفرصة الصيفية.
-منعُ الألعاب الإلكترونية عن الأطفال في بحر الأسبوع خلال السنة الدراسية، ويسمح للطفل أن يلعبَ لوقتٍ محدَّد في عطلة نهاية الأسبوع.
-إكتشافُ مواهب الطفل، من خلال التقرّب منه وتوجيهه نحو نشاطات يمكن أن يمارسها.
-تنميةُ المهارات المتعدّدة عند الأطفال ومنها الرسم والموسيقى.
-ممارسة الرياضة بإنتظام كلّ يوم، والتمارين الرياضة تساعد الطفل على الإبتعاد عن لعبته الإلكترونية.