IMLebanon

“الهيبة العودة”… بوسا وادعي علَيا

كتب جوزف طوق في صحيفة “الجمهورية”:

أنا قوي بالكباش وبِطعج أتخَن زند، ولن يعصى عليّ شباب الهيبة وبيت شيخ الجبل، لكن المشكلة ليست في التغلّب عليهم، فهذه منتهية، وإنّما المعضلة هي في إيجادهم، لأنّني ملأتُ خزان السيارة وقوداً وأمضيت يومين في جرود بعلبك والهرمل ولم أتمكّن من إيجاد لا هيبة ولا شيخ جبل، لكنّني لو وجدتهم لكنتُ فركتُ رقبتهم وعلّمتُهم معنى المراجل… لكنّ القصة وما فيها أنّ الموضوع كذبة ويتعلّق بكاميرات وبروجيكتورات واستديوهات وإخراج وتمثيل، ونحن لا دخل لنا بالفنّ ولا بأربابه، وطِلعوا الشباب مجرّد ممثلين عاديين يتناولون سندويشات مرتديلا بين اللقطة واللقطة ويتقاضون أموالهم من المنتج وليس من عمليات التهريب على الحدود.

وإذا كان هذا المقال عن شيء غير موجود، فإذاً المقال غير موجود، ولكن بما أنّنا نقرأه فهو موجود، ولا يوجد فيه سوى الإبداعات الإخراجية والتقنية والتمثيلية التي ترَكها مسلسل «الهيبة العودة» في أذهان الناس، وتردّدات الحال الشعبية التي استطاع أن يخلقها، سواء أحببناه أو حاربناه. لعلّ الناس تحمَّسوا جداً للجزء الأوّل من الهيبة وتماهوا مع الشخصيات والأحداث إلى حدّ بعيد، وربّما خاب ظن بعضهم من الأحداث في جزء العودة لأنها كانت نوعاً ما متوقَّعة ومعروفة النتائج والمصائر، وإنّما كلّ ذلك لم يمنع المخرج سامر البرقاوي من إثبات نفسِه واحداً من ألمعِ المخرجين العرب خلال الموسم الرمضاني، فكان بكادراته ولقطاته أكثرَ جرأةً من كلّ آل شيخ الجبل مجتمِعين، وأثبتَ في كلّ حلقة أن ليس عنده مشاهد ولقطات سهلة أو ثانوية، وإنّما كانت كلّها مشغولة بحِرفية عالية تحترم عين المشاهد وتدلّعها بسلاسة الحركة، وبالطبع لم يتمكّن من فرضِ هيبة مشاهدِه سوى بعضلات مدير التصوير محمد مغراوي الذي بصَم على الشاشات حِرفيته في الإضاءة والتقاط الوجوه والأكتاف والأرجل والسيارات باحترام.

وما النفع إذا كان باستطاعتي التغلّب على جبل شيخ الجبل بالكباش، ولا أستطيع حتى الاقتراب من أداء تيم حسن التمثيلي، والذي استطاع طوال موسمين أن لا يكون مجرّد نجمٍ درامي وإنّما شكّلَ حالةً اجتماعية بالكاراكتير الذي خَلقه، وعرَف كيف يحافظ على هيبته الإبداعية ويضيف إليها أبعاداً شعبوية جَعلت من الممثّل بطلاً قومياً متسلّحاً بإبداعه التعبيري فقط، وكلُّ رشاشاته ومسدساته تفاصيل.

وإذا كانت الهيبة محكومةً من مجرمين، فإنّ قدسيتها تتجسّد في اكتشاف قدرات عبدو شاهين التمثيلية ومنحِه المساحة الضرورية ليثبتَ أن لا ممثّلَ لبناني اليوم قادر أن يتفوّق على أدائه، فهذا الذي أغضَبنا وحمَّسنا وأزعجَنا برجوليته الفائضة بكاراكتير شاهين، استطاع أيضاً أن يبكيَنا ويحرّك مشاعرَنا بدموعه وانفعالاته الرومنسية الرقيقة، فجمعَ الضدّين كجناحين سمحا له بالتحليق في سماء الهيبة وسماء السباق الرمضاني. ويِصطفل شاهين إذا زعَّل منى، لكن نحن وقعنا في غرام روزينا لاذقاني ولا يمكن أن تستغنيَ أيُّ حلقة عن ظهورها بسبب قدرتها على إظهار الوجوه الأخرى من الشخصيات التي تقابلها بغنجِ حركتِها وسطوة تعابيرها. ولعلّ أكثر ما يُحزن في الجزء الثاني من الهيبة هو تقلّصُ دورَي سِتّ الهيبة كلّها بالتمثيل والتعبير منى واصف (أم جبل) التي مثّلت بصوتِ عصاها وحركة إصبعها عليها، وأويس مخللاتي (صخر)، اللذين لم نشبع من قدرتيهما الفريدة على خلقِ أطارٍ جديد لكلّ مشهد يظهران فيه.

وفي وجه هذا التقلّص، كانت هدية الهيبة عودة ظهور أسماء كبيرة في السباق الدرامي، وعلى رأسهم عبد المجيد مجذوب، أحمد الزين، رفيق علي أحمد، نقولا دانييل فملأوا الشاشة نخوةً تصارع النجومية في سبيل المهنية وجماليات الأداء. لكنّ الذي اقتحم الهيبة غصباً عن إرادة الجميع كان فادي أبي سمرا (هاولو)، هذا الذي لم يهَبْ موهبة ولا نجومية ولا حتى أفضلية، فاقتحم العمل من بابه العريض وأثبتَ حلقةً بعد حلقة كم هو رقمٌ صعب في عالم التمثيل وكم أنّ مقارعته صعبة وتتطلّب سنواتٍ من الخبرة والصدق في التعبير، وتمكّنَ بسهولة من أن يفرضَ نفسَه هيبةً تمثيلية في مسلسل متعدّد الهيبات.

للصراحة، أنا لستُ قوياً بالكباش، لكنّني هربتُ من جارنا الذي أراد أن يضربني واختبأتُ تحت طاولة السفرة، وخطرَ في بالي أن أستقويَ على شويِّة ممثلين حاملين أسلحة بلاستيكية إلى حين يَروق جارُنا، يعني، الإيد ما فيك عليها، بوسا واتمرجل بمقال عليا.