IMLebanon

صونيتشكا: قصة امرأة خرجت من ضباب الكتب

كتبت نسرين البلوط في صحيفة “الجمهورية”:

صونيتشكا رواية تحمل اسم بطلتها، للكاتبة الروسية لودميلا اوليتسكايا. هي فتاة تعشق القراءة وتموج حياتها بين صفحات الكتب لتتركّز في محورها، لم تكن في أولى سنين صباها جميلة أو جذّابة، فاستعاضت بتثقيف نفسها عن الجمال الخارجي، حتى اكتسبت مؤخرتها شكلَ الكرسي لكثرة ما قرأت وطالعت حسبَ تعبير الكاتبة.

بدأت بالقراءة في السابعة من عمرها واستمرّت على هذا المنوال لمدة 20 عاماً، أبصرت فيها أبطال رواياتها في الحلم يتدلّون من مجلّدات الكتب كأرواحٍ لا تنام في يقظتها ولا تهدأ في نومها، ونالت شهادة متوسطة في إدارة المكتبات خوّلتها العمل في مستودع للكتب في المكتبة القديمة في بلدتها، إلى أن حصل الحدث المبدّل في حياتها عندما بدأت الحرب. فتمّ إجلاؤها مع والدها إلى مدينة سفيردلوفسك، حيث عملت في قبو المكتبة هناك أيضاً، إلى أن تعرّفت بالرسّام الشهير روبرت فيكتوروفيتش الذي جاء ليستعيرَ بعض الكتب.

كنزٌ لا تستحقّه

أعجب بها لسرٍّ لم يفقه كنهه ورغم فقره المدقع وظروفه السيّئة وافقت على الزواج منه وكانت تخال بأنّ دخوله إلى حياتها بمثابة كنز لا تستحقه، فعملت لسنوات طوال لتحقّق له السعادة وتؤمّن راحته ولو على حساب نفسها. كان هناك اختلاف ثقافي بينهما، لأنّ روبرت يحتقر الأدب الروسي وهي تثني عليه. لكنّ اختلافهما لم يمنعهما من التقرّب إلى بعضهما البعض وإنجاب طفلة أطلقا عليها اسم تانيا.

تحسّنت ظروف روبرت المادية والمعنوية، وفي كلّ مرة كانت صونيتشكا تحسد نفسها على سعادتها اللامتناهية والتي ما زالت مصرّة بأنها لا تستحقها، رغم طيبتها وإخلاصها وبساطتها، إلى أن تكبُر ابنتها تانيا وتتعرّف إلى صديقة لها في الجامعة تدعى ياسيا وهي فتاة يتيمة تشرّدت منذ صغرها ولم تجد أيَّ رادع في أن تستغلّ جمالها وجسدها في بذلهما للرجال من أجل الحصول على متطلباتها، فتدعوها صونيتشكا عن طيب خاطر للإقامة بينهم رأفة بها.

حبّ محرّم

تُعجب ياسيا بروبرت العجوز رغم أنها في سنّ ابنته ويتّخذها خليلة له وتعلم صونيتشكا بالأمر ولكنها لا تتذمّر ولا تثور لأنها فعلت الخير في غير محله، فلطالما أنبأها إحساسُها بأنّ سعادتها كثيرة عليها وأنّ عليها التضحية من أجل إسعاد غيرها.

تسافر ابنتها تانيا لتعيش مع صديق لها في مدينة أخرى وتظلّ صونيتشكا وحيدة بعد أن سافر روبرت مع ياسيا إلى مدن أوروبية لنشر رسومه، وقد أصبحت قصة حبهما واضحة للعلن ولكنه رغم هذا لم يطلّق صونيتشكا احساساً منه بأهمّيتها في حياته ولأنها لم تظلمه يوماً وأعطته الدفء الشحيح الذي مدّتها به الحياة.

تلجأ صونيتشكا للكتب من جديد لتبرّئ جرحها وتطعّم عالمها بنكهة السحر واللازود.. إلى أن يأتيها خبر وفاة زوجها روبرت وهو نائم فوق جسد ياسيا.

إنتقادُ النظام السياسي

تبكي زوجها في عزاء كبير وهي تحتضن ياسيا وسط دهشة الجميع بهذه الزوجة التي لم تضمر الحقد على المرأة التي خطفت زوجها. وتنتهي الرواية بأن تعيش صونيتشكا حياة مديدة، وتتزوّج ياسيا من جديد، وتبقى الصداقة بين الزوجة والعشيقة قائمة حتى وفاة الأولى.

صونيتشكا رواية رشّحت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر رصدت التحوّلات السيكولوجية للأبطال في ظلّ النظام السوفياتي الجليدي، ولكنها سُرِّبت في مقاطع غير مثبتة في فواصل قائمة، فلم تحافظ على تسلسل الحبكة، وقفزت الأحداث من المعقول إلى اللامعقول في لمح البصر، إذ يركّز السرد على فحوى حدث معيّن ثم ينتقل سريعاً قافزاً للحدث الذي يليه من غير أن تبرد أنفاسه أو ترسب في عقل القارئ. وكان من المفترض أن تنقد النظام السياسي القائم آنذاك في روسيا ولكنها تجاوزته بطريقة بهلوانية ولم تعلّق عليه إلّا ما تيسّر لسطور قليلة أن تحمله..

العبرة في الرواية مبهمة يسودها التعتيمُ الضبابي، والتضحية الأفلاطونية التي بذلتها صونيتشكا تنتمي للعالم المثالي الذي فرضته علينا الكاتبة في الرواية وكأنّه أمرٌ مجزوم مفروغ منه. كل ما يبدو مثالياً لنا هو رسم روبرت الجريء باللونين الأسود والأبيض والقراءة النهمة التي عاشت من أجلها صونيتشكا.. أما الباقي فهو حشوٌ سردي ارتقى إلى مرتبة الترفيه ولم يسمُ إلى حدّ التثقيف والتنوير.