IMLebanon

تحليل نفسي لولادة طفل في العائلة

كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:

تُعتبر ولادة طفل في كنف العائلة حدثاً هاماً جداً. هذا الحدث لا يولّد فقط تأثيرات على الأم والأب على حدٍّ سواء، خصوصاً إذا كان الطفل هو الأول لهما، ولكن تولّد الولادة أيضاً على الطفل الصغير أو الرضيع تأثيرات كبيرة ومفاجئة. وطبعاً، تتهيّأ الأم للولادة نفسياً قبل أن تتهيّأ لها جسدياً لأنّه كلّما حضّرت لخطوات الولادة النفسية وما ينتظرها من مسؤوليات، كلّما كانت الولادة هادئة وخالية من المشقات والتعب. ما هي إذاً الأهمية النفسية لولادة طفل في العائلة؟ وكيف يفسّر التحليل النفسي الولادة؟

بعد حوالى تسعة أشهر، ها هي الأم مستعدّة كل الإستعداد لولادة طفلها الذي حملته أشهراً طويلة. وهذا الإستعداد لا يقتصر فقط على الأم، لكنّه يشمل الأب أيضاً وطبعاً العائلة بأجمعها. فعندما يولد الطفل، تحتفل كل العائلة و»يتدخّل» كل أفرادها بالإهتمام بهذا الرضيع الذي يصبح مصدر فرح وغبطة لكلّ العائلة.

ولكن طبعاً هناك الكثير من المسؤوليات والتغيّرات النفسية والإجتماعية التي تطرأ مع وصول هذا الزائر الدائم الذي يتطلّب من والديه الرعاية والإهتمام 24 ساعة باليوم، سبعة أيام بالأسبوع.

الولادة والتحضيرات النفسيّة

الولادة هي «عمليةُ انتقال الرضيع من بيئة جسم الأم إلى العالم الخارجي». وطبعاً هذا الإنتقال له حسناته وسيئاته. وتكمن حسناته في أنّ الطفل ينتقل إلى البيئة الخارجية ويتعرّف الى أمه وأبيه بعدما تعرف اليهما من خلال سماع صوتهما خلال عدة أشهر بينما كان يتغلغل في أحشاء والدته. أمّا بالنسبة لسيّئات الولادة فهي تقتصر على «آلية» هذه الولادة أكانت ولادة صعبة أو سهلة وبدون أيّ مشكلات.

وعندما ينتقل الطفل الصغير إلى بيئته الجديدة، يكون يعتمد نسبياً على والدته. فبعدما كان معتمداً عليها بشكل كلّي خلال وجوده في رحمها، في تنفسه وغذائه… يبدأ الوليد بالإستقلال شيئاً فشيئاً عنها. فبات الآن قادراً على التنفس والأكل (الرضاعة) ولكن مع مساعدتها طبعاً. لم يعد بحاجة «لحبل السرى» الذي يُقطع مباشرة عند الولادة.

ولكن لحبل السرى رمزيّته النفسية. فكم من الأمهات، على رغم قطع حبل السرى لأطفالهن، يبقين «مرتبطات» بهنّ، حتى بعد مرور أعوام من الولادة. ولا تقتصر حالة «الحبل السرى» على الأمّهات فقط… هناك أيضاً آباء «يخلقون» هذا الحبل فقط للشعور بترابط وثيق مع طفلهم.

التكيّف بعد الولادة
مع انتقاله إلى العالم الخارجي، تختلف أمور عدة عند الرضيع الصغير ومنها درجة الحرارة والنور وطبعاً التنفس … ويتحدّث العديد من علماء النفس والمحلّلون النفسيون عن «صدمة الميلاد» وكان أوّلهم «أوتو رانك» Otto Rank الذي فسّر أنّ الرضيع الصغير خلال ولادته، يصاب بصدمة نفسيّة رهيبة بسبب الإنفصال، أي إنفصال الجنين الذي كان داخل الرحم وجزء من الام حيث ينال كل احتياجاته وحيث هو فرح جداً بمسكنه الدافئ الذي يؤمّن له الشعور بالسعادة الكلية… ثم تأتي الولادة، فيتغيّر كل شيء بالنسبة للمولود خاصة على صعيد الحاجات الاساسية، وذلك يشكل «صدمة» من أقوى الصدمات التي يمكن أن يعيشها الإنسان وأقسى خبرة قد يجتازها. ويعيش هذا المولود، طول أيام حياته، خوفاً من أن تتكرّر عملية الإنفصال هذه مرّة أخرى في حياته.

فعندما ينفصل الطفل عن أمه عند دخوله إلى المدرسة أو عندما ينفصل الشاب عن أهله ليكمل دراسته في الخارج أو عندما تتزوج الإبنة وتبتعد عن بيت أهلها، وعند موت أحد الأهل… لا تكون تلك الأحداث سوى ذكرى للإنفصال الأول الدرامي الذي عاشه هذا الإنسان خلال ميلاده. لذا، إنّ مبدأ الإنفصال صعبٌ جداً على الإنسان مهما كبر شأنه وقيمته… ويعتبر «رانك» أنّ هذا المولود الذي عاش «الطرد من الجنّة»، يقضي بقية حياته باحثاً عن فردوس مماثل للفردوس الذي كان فيه. ويضيف التحليل النفسي تفسيراته، معتبراً أنّ الطفل يقضي معظم طفولته وهو يحاول التغلّب على «صدمة الميلاد» وهي صدمة من الصعب جداً التغلّب عليها.

الأمومة والأبوّة
عند الولادة، يعتمد الجنين على الوالدين بشكل كلي، خاصة على الأم التي تهتمّ به وتؤمّن له الحليب والعاطفة والحنان والحب. فالمولود تكون لديه إمكانيات محدّدة وغير كاملة، فهو لا يستطيع السير أو أن يدافع عن نفسه… فيكمن دور الاهل بتأمين تلك الحاجات للحفاظ على حياته. وطبعاً دور الأب هو الحفاظ والدفاع عن هذا الكائن الضعيف منتظراً الوقت لكي يقوم هذا الطفل بوظائفه بنفسه على الوجه الأكمل. ولكن، على الرغم من ضعف هذا المولود، هو يملك «سحراً» و»جاذبيّة» يجعلان كلّ مَنْ حوله يهتم به (وليس فقط الأم والأب). وعلى الوالدين أن يستعدّا نفسيّاً لرعاية طفلهما الذي سيكون تحت جناحيهما لفترة زمنية طويلة، خلال كلّ التغيّرات الجسدية والنفسية والحركية والاجتماعية والانفعالية التي سيعيشها طفلهما. هذه التغيّرات تكون مصدر فخر وابتهاج للأهل وكأنهم يعيشون التغيّرات التي حدثت معهم عندما كانوا هم أطفالاً صغاراً.

دور الأم والأب بعد مرحلة ولادة الطفل

للأب وللأم أدوار أساسية تلي مرحلة ولادة الطفل. ومن أهمّ هذه الأدوار:

  • تقديم الحاجات الاساسية للطفل من قبل الأم كالحليب، الغذاء الاساسي للمولود. وطبعاً خلال عملية الرضاعة، يمكن للأم أن تتحدّث مع طفلها وتخبره كم هي تحبه وتحب الإهتمام به. الطفل، رغم سنّه الصغير يفهم من خلال عيون الأم ولمساتها.
  • دور المدافع والحامي للطفل الذي يشعر بقوة أبيه بشكل مباشر أو غير مباشر. ويمكن خلال هذه المرحلة، أن يساعد الأب زوجته في العديد من الأمور أهمّها: عملية إستحمام الطفل، فهي مرحلة مهمة ومسلّية للطفل وللأهل على حدٍّ سواء.
  • تقديم الأب لطفله الحنان والسهر على حياته من خلال التواصل بشكل مباشر معه والتقرّب منه. فلا يقتصر فقط دور الأب على تأمين السكن والملبس والمصاريف وعلى فكرة أنّ ربّ البيت هو ديكتاتوري متسلّط… فكل تلك المفاهيم تغيّرت اليوم وأصبحت مشاركة الأم أساسية لتربية صالحة وسويّة.