IMLebanon

هل يضطر نصرالله لقيادة “إنتفاضة البقاع”؟

كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:

كل محافظات العراق تعاني من التهميش التنموي، ولكنّ محافظة البصرة هي الأكثر معاناة. وكل محافظات لبنان تعاني من الإهمال التنموي، ولكنّ محافظة البقاع هي الأكثر معاناةً. وأزمة البصرة مع التنمية وإهمال الدولة، عمرها من عمر دولة صدام حسين، وهي مستمرّة مع حكومات العراق الحالية. وأزمة البقاع عمرها من عمر استقلال لبنان، ولم تحلّها عهود «الطائف» ولا تبدُّل زعامات منطقتها. وتشترك محافظتا البصرة والبقاع ايضاً بأنهما مصدر اقتصادي مهم لبلديهما، الأولى نفطية والثانية زارعية.. وفيما تؤدّي البصرة دور خزان المقاتلين الشيعة لـ«الحشد الشعبي»، فإنّ البقاع هو «الخزان البشري» لمقاومة «حزب الله».

السمات المشترَكة بين محافظتي البصرة العراقية و البقاع اللبنانية، تجعل انتفاضة البصرة الراهنة ضد إهمال تنميتها ووضعها المعيشي البائس والمزمن، لها معنى داخل ما يحدث – وما يمكن أن يحدث- في البقاع الذي يعاني ايضاً من إهمال تنميته ومن تفلّت أمنه ومن وضع بائس مزمن. وبمثلما أنّ الديموغرافيا في البصرة والبقاع متشابهتان، فإنهما في السياسة تبدوان متصلتين ايضاً، وذلك من النواحي المحلية والاقليمية والدولية. قائد «عصائب الحق» الشيخ الخزعلي، أعلن في مناسبة انتفاضة البصرة المستمرة منذ ايام، أنه يسير خلف فتوى السيستاني بدعم الانتفاضة المعيشية ولكنه يحذّر من تسييسها بحيث يظهر وكأنها إنتفاضة على مشروع المقاومة الذي تدعمه إيران في العراق. والامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله طالما أعلن تأييده لاعتراضات البقاع المعيشية، ولكن حذّر من تسييسها وتحويلها جزءاً من الحرب الناعمة الدولية على «حزب الله» ومقاومته، وذلك إنطلاقاً من هدف ضرب تلاحم الحزب مع بيئته الشعبية.

وتثير اسئلة انتفاضة البصرة المستمرة منذ ايام، اسئلة عراقية واقليمية عن تأثيراتها على علاقة «الحشد الشعبي» ومِن ورائه إيران، بأهم معاقل بيئتها الشيعية العراقية المباشرة. وفي الوقت نفسه، تثير انتفاضة البصرة اسئلة في لبنان عمّا إذا كان التشابه الكبير بين ظروفهما، سيدفع البقاع الى السير على خطى البصرة بإعلان انتفاضة في وجه فشل وعود التنمية المزمنة التي قطعتها له الدولة وأحزاب منطقته التي يشكّل خزانها المقاوم.

في كل تموز من كل عام تحدث حركة احتجاجات في البصرة، بفعل أنّ الحرارة في هذا الشهر تصل الى 50 درجة، ويتزامن ذلك مع ازدياد شحّ المياه وانقطاع الكهرباء، ما يجعل الحياة جحيماً. ولكن هذا العام تحوّلت حركة الاحتجاج انتفاضة تتّجه الى أن تصبح ثورة..

والأحزاب الشيعية ذات الصلة بالبصرة «الحشد الشعبي» وتيار «الحكيم» الذي منه محافظ البصرة ووزيرا الطاقة والنفط في الحكومة المحلية – تتكلّم بلسانين، الاول يعترف بالتقصير وبحق البصرة في التنمية، والثاني يحذّر من وجود مؤامرة تحاول إستغلال أزمة التنمية الكبرى في البصرة لكي تشعل النار داخل بيت الخط المؤيّد لإيران في العراق.

وذات مضمون خطاب «اللسانين» قال به «حزب الله» حينما اعترض بقاعيون على تسميات مرشحيه الحزبيّين على لائحته البقاعية في الانتخابات النيابية الاخيرة، وطالبوه بلائحة تمثل مصالح تنمية البقاع.. والامر نفسه يقوله اليوم محتجّو البصرة الذين يريدون مسؤولين تكنوقراط لمرافق مدينتهم الاقتصادية، من ابناء البصرة، وليسوا حزبيّين.

لقد وجّه اهل البصرة إنذاراً أخيراً للدولة، مدته ايام معدودة، لكي تقدم افعالاً لا وعوداً، وإلّا فالثورة..

المرجعية الدينية الشيعية في العراق، حاولت ركب موجة الانتفاضة، وتسرّبت تحت غطائها لفعل الأمر نفسه، أحزاب شيعية كـ»الحشد الشعبي» وتيار الحكيم وحزب «الدعوة الإسلامية»، الخ.. ولكن في مقابل كل هؤلاء، فإنّ مَن يحرّك واقعياً انتفاضة البصرة على الأرض، ويقتحم مبنى المحافظة ويعطل عمل مرافئ النفط، هم في الغالب جمهور الفئات الصامتة، وجماعات المجتمع المدني الذين تحالف معهم «التيار الصدري» في الانتخابات الاخيرة التي تمّ تعطيل نتائجها. وهناك الآن سباق على مسألة مَن يستطيع قيادة «ثورة البصرة» التي لم يعد في الإمكان مداواتها بـ»الاسبرين»؟.هل تنجح في ذلك تيارات المجتمع المدني الشيعية ذات الأجندات غير الموالية لطهران.. أم ينجح «الحشد الشعبي» بقيادة الانتفاضة، واعلان نفسه قائداً لها، بدلاً من أن يصبح احد ضحاياها، وحينها ستنتصر- كما يقول خطابه السياسي- المؤامرة ضد إيران وحلفائها في العراق؟؟

السؤال نفسه بات يقترب شبحُه اليوم من أزمة التنمية في البقاع. ومفاده هل يستبق نصرالله تململ الحراك الشعبي الجاري هناك، والمتّسم أنه بكليته يتشكل من جمهور هو من خارج أطر «حزب الله»، وغايته الراهنة هي تطوير الاعتراض البقاعي ليصبح انتفاضة بدلاً من أن يظلّ احتجاجات؟

لا شك في أنّ العِبر السياسية لإنتفاضة البصرة، توصِل لنصرالله رسالة واضحة، وهي أنّ الوقت فات على انتظار تماسك الوضع الحكومي، لمداواة أزمة البقاع مع التنمية، وبات السؤال الملحّ الآن: هل يجب على «حزب الله» المبادرة الى قيادة انتفاضة البقاع المعيشية لتجنّب انفجار ثورة إحباطه في وجهه، وأيضاً حتى يتمّ قطع الطريق على مشروع أن ينقاد من قبل الحراك المدني المتهم بأنه ذو أجندة سياسة غربية هدفها الاساس ضرب علاقة الحزب بقاعدته الإجتماعية؟

وثمّة وقائع ميدانية تغذّي طرح هذا الخيار لدى الحزب. فأخيراً تكرّرت تحت أعين الحزب القلقة زيارات ديبلوماسيين وسفراء دول غربية الى منطقتي بعلبك والهرمل. وبعض هؤلاء مكث اياماً في تلك المناطق، بضيافة فعاليات اجتماعية بقاعية مستقلّة. ومادة هذه الزيارات هي البحث في سبل مساعدة تنمية البقاع. وكل ذلك يحدث، وسط تعاظم نقد البقاعيين لـ»حزب الله» الذي وعدهم خلال الانتخابات بـ «خطة تنمية»، ولكن بعد الانتخابات أرسلت اليهم الدولة «خطة أمنية»!.

قبل عقدين قُمِعَت «ثورة الجياع» التي قادها الشيخ صبحي الطفيلي المنشقّ عن «حزب الله»، تحت مبرّر أنّ غايتها سياسية. وخلال الانتخابات الاخيرة، فاز على لائحة «حزب الله» اللواء جميل السيد بصفته شخصية مستقلة مؤيّدة للمقاومة، ولكنّ اللواء السيد بدأ يركّز في تقديم نفسه، على أنه شخصية بقاعية تحمل همّ منطقتها المعيشي. وأخذ يردّد في كل مناسبة أنّ «البقاع يستحق رئاسة مجلس النواب والعدالة في نيل الثروة»، وهذه لغة لا يستسيغها «حزب الله»، ليس لأنه لا يعترف بحقّ البقاع في التنمية، بل لأنّ هذه اللغة تؤدّي الى شقاق بين جناحي الشيعة في لبنان، أي الجنوب المتّهم بـ»تخمة الثروة والمناصب» والبقاع الموسوم بـ«الحرمان المدقع».

والواقع، أنه كما في البصرة، كذلك في البقاع، يمكن لحظُ وجود مشاريع عدة داخل المكوّنات السياسية الشيعية هناك وهنا، وأيضاً من خارج الشيعة. وجيمعهم يتسابق على نيل لقب مُطلِق انتفاضة المنطقتين الأكثر فقراً في العراق وفي لبنان، والأكثر عطاءً لمشاريع المقاومة التي تدعمها إيران. وكل طرف من هؤلاء المتسابقين له اجندته السياسية الذي يضمرها وراء الشعار المعيشي الملحّ والجذّاب، إضافة لكونه المُحِقّ.