IMLebanon

الحكومة في النفق الإقليمي حتى إشعار آخر

كتب جوني منيّر في صحيفة “الجمهورية”:

من السذاجة تأمين ولادة الحكومة العتيدة من دون الالتفات الى التعقيدات الإقليمية الكبيرة الحاصلة.

قد يكون تأمين الاستحقاق الحكومي من خلال المقاربة الداخلية قابلاً للحصول خلال الاسابيع الثلاثة او الاربعة الأوَل بعد تكليف الرئيس سعد الحريري، ولكنّ التشدّد بالمطالب والجشع في الحصص أضاعا الفرصة ليدخل لبنان من جديد في التوقيت الإقليمي المتشدّد لا بل المتفجّر.

ومن البساطة الاعتقاد انّ ازمة تشكيل الحكومة الآن تبدو محصورة فقط بعقبة الأعداد والحصص والثلث المعطل، ذلك انّ العقبة الاساسية اصبحت حول برنامج عمل الحكومة ولونها السياسي من خلال توازناتها الداخلية في مرحلة تأخذ فيها المواجهة السعودية – الإيرانية مداها البعيد، وكذلك السعي لترتيب الخريطة السورية لمرحلة ما بعد الحرب.

ليس من باب المصادفة أن تشتعل الأوضاع من باب المندب في اليمن الى مطار ابو ظبي في الامارات الى غزة فالعراق والسويداء وصولاً الى الشمال السوري حيث يجري الأكراد إعادة تموضع سياسي وعسكري.

ففي الآونة الاخيرة اشتدّت حرب تبادل التهديدات بين واشنطن وطهران مرفقة بضغط اميركي على الاقتصاد الإيراني الصعب والسعي لتطويق إيران اقتصادياً في مقابل رفض طهران العودة الى طاولة المفاوضات مع رسائل ميدانية بقدراتها على المواجهة.

فلقد طلب البيت الأبيض من السعودية زيادة نسبة صادراتها النفطية لتغطية احتياجات الدول الاوروبية التي تعتمد على النفط الايراني. استجابت الرياض وزادت من نسبة صادراتها زهاء عشرة ملايين برميل يومياً وهو ما يفوق الحصص التي حدّدتها «اوبك».

وردّت إيران بالتهديد بإقفال مضيق هرمز وتحت شعار: مضيق هرمز اما للجميع او لا لأحد.

غير انّ واشنطن لم تأخذ التهديد الإيراني المتكرّر على محمل الجد، أوّلاً لأنها تدرك انّ القوة البحرية الإيرانية ليست كبيرة بما فيه الكفاية للدخول في مواجهة مع القوة البحرية الأميركية الموجودة بكثافة منذ العام 2011 بالتعاون مع لندن وباريس، وثانياً لأنها تدرك انّ إيران والولايات المتحدة الأميركية لا تريدان المواجهة العسكرية المباشرة بينهما.

لكنّ التهديد بإغلاق مضيق هرمز الذي يمرّ عبره نحو 40% من الانتاج العالمي للنفط يومياً، أكان واقعياً أم لا، فإنه يؤثر في حركة الاسواق، ولذلك ربما تحرّك الوضع في مضيق باب المندب كمساحة ضغط بديلة، حيث استهدف الحوثيون ناقلة نفط ترفع العلم السعودي، وردّت السعودية بتعليق مرور شحناتها النفطية التي تراوح ما بين 500 الى 700 الف برميل يومياً عبر المضيق.

لكنّ تأثير أحداث باب المندب على اهمّيتها لا يبدو كبيراً، فمثلاً إنّ التصدير الكويتي يتأثر بنسبة عشرة بالمئة فقط لكن أهمّيته تبقى برمزيته وإمكانية توسّع دائرة التهديد، خصوصاً مع الاتّهام السعودي للحوثيين باستخدام الشريط الساحلي الذي ما يزال تحت سيطرتهم ويمتدّ من الحديدة، كقاعدة لإطلاق الصواريخ باتّجاه هذا الشريان النفطي.

وقيل إنّ السعودية تريد إنهاء وضع الحديدة كشرط لإعادة شحناتها النفطية. وليس بعيداً من ذلك أعلن الحوثيون استهداف مطار أبو ظبي للمرة الاولى عبر طائرات مسيرة، ما يعني التلويح بالذهاب بعيداً انطلاقاً من اليمن التي لا حلول للحرب العسكرية المشتعلة فيها سوى بمفاوضات وتسوية سياسية ما يزال الحوثيون يرفضونها.

وفي جنوب العراق أدّت الاحتجاجاتُ الحاصلة الى إحباط محاولات الحكومة العراقية التوقف عن التعاون النفطي مع إيران التي تحظى بنفوذ واسع في قطاع الطاقة العراقي.

وفي غزة لا تتردّد «حركة حماس» في إبراز مخالبها حتى من دون مناسبة، وقد خاضت الحكومة الاسرائيلية نقاشاً طويلاً خلال الاشهر الماضية حول حسم الوضع في غزة عسكرياً.

ووفق أوساط ديبلوماسية اوروبية إنّ القيادة العسكرية الاسرائيلية قدّمت رؤيتها حول كيفية السيطرة العسكرية استناداً الى دروس الحرب الأخيرة والوصول الى وسط غزة. لكنّ السؤال الذي عجز الجميع عن الردّ عليه هو: ماذا نفعل في اليوم التالي؟ وهل نستطيع الصمود امام حرب عصابات ستطال الجنود الاسرائيليين وتؤدّي الى خسائر يومية وبالتالي الاضطرار الى الانسحاب وإعلان الهزيمة؟

اضف الى ذلك انّ واشنطن بدت متحفّظة خشية أن تؤدّي أيّ حرب عسكرية جديدة الى دفن مشروع «صفقة العصر» الذي يعوّل عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب كثيراً.

لذلك يتردّد في الأروقة الديبلوماسية انّ واشنطن حثّت الامم المتحدة ومصر لإيجاد السبل لإعادة قطاع غزة الى تحت كنف السلطة الفلسطينية من خلال تفاهم ما مع «حركة حماس» وتحت وطأة الوضع الاجتماعي المتراجع.

وفي السويداء حيث تحظى المنطقة ذات الغالبيّة الدرزية بوضع خاص بالتفاهم مع النظام السوري منذ سنوات، حصلت مجزرة لم تتبيّن بعد بوضوح الرسائل التي حملتها، وهل تهدف الى تهجير اهل المنطقة او المطالبة بتوسيع دائرة الامن الذاتي تمهيداً للابتعاد عن السلطة المركزية في وقت يسعى فيه الأكراد لانتزاع موافقة دمشق على لامركزية مناطقهم شمالاً.

الثابت انّ الجيش الاسرائيلي الذي يضمّ في صفوفه قوة درزية فاعلة، لم يحذّر وجهاء السويداء رغم أنه من المفترض أن يكون على اطّلاع بتحرّكات «داعش» وهو الذي امّن رعاية لمجموعات مسلّحة طوال السنوات الماضية.

والساحات السورية متداخلة. أضف الى ذلك انّ لدروز إسرائيل مشكلات حالياً مع السلطة الاسرائيلية نتيجة إعلان يهودية دولة إسرائيل ما يضع الدروز خارجها. فهل هناك مَن يريد تفتيت المناطق الحدودية في سوريا؟

المعلومات القليلة التي سبقت مجزرة السويداء تحدثت عن إعادة تنظيم صفوف «داعش» في الصحراء ما بين سوريا والعراق حيث يجري «تسريب» اسلحة وذخائر ولكن بشكل مدروس ومضبوط، وعن استعادة التنظيم لحقل الصيحات شرق دير الزور.

وفيما كان الجيش السوري يستعيد المناطق المتاخمة لخطوط الفصل كانت قوات اخرى له تخوض معركة السيطرة على حوض اليرموك.

وفي الوقت عينه كانت إسرائيل تُسقط طائرة حربية سورية فوق المنطقة الجنوبية لسوريا. والغريب انّ تقارير ديبلوماسية كانت ذكرت أخيراً عن ظهور «داعش» في ريف درعا ورغم ذلك لم يحذّر أحدٌ الدروز.

وفي الشمال السوري وتحديداً في إدلب، يستعيد تنظيم «داعش» حضوره القوي في وقت تتحضّر دمشق لحلٍّ سياسي في إدلب بمشاركة روسيا وتركيا. فأنقرة تريد إخضاع إدلب لنفوذها اضافة الى منطقة الشمال ولكن بالتفاهم مع روسيا ودمشق وطهران.

وخلال المرحلة الماضية أدخلت تركيا قوات اضافية لها تحمل معدّات لوجستيّة ونقلتها الى ريف حماه الشمالي، اضافة الى تحصينات لنقاط المراقبة في إدلب، وذلك بعد إدخال أبراج اتّصال وإنجاز بناء مهابط للطيران في أرياف حلب وإدلب وحماه.

وسط كل هذه الصورة وشدّ الحبال الحاصل، أليس من المفترض النظر قليلاً الى التعقيدات الحاصلة؟

صحيح انّ الجميع يسلّم بالمحافظة على الاستقرارالأمني في لبنان، لكنّ الكباش الإقليمي يطال ما كان يُعتبر سابقاً محرّمات، ألا يعني ذلك انّ كل فريق سيعمل على عدم وصول حكومة لبنانية بتوازنات مناقضة له، وحكومة تحمل برنامج عمل بنده الأول التعاون مع الحكومة السورية وبشكل رسمي وعلني وهو ما يضع لبنان وسط تجاذب، الّا إذا قرّر أحد الفريقين التسليم للفريق الآخر، وهذا ما لا يبدو متوفّراً حتى إشعار آخر.

أليس معبّراً ما قاله الوزير نهاد المشنوق بأنّ شهر العسل مع «التيار الوطني الحر انتهى»، رغم أنه كان أساسياً في طبخ التسوية الرئاسية وبقي من أقرب وزراء «المستقبل» الى رئيس الجمهورية؟