IMLebanon

تسليح الجيش: الهبات أولاً… والحكومات في “كوما”

كتبت ملاك عقيل في صحيفة “الجمهورية”: 

لا يزال لبنان ينتظر التزام الدول الـ 43 التي شاركت في “مؤتمر روما” في منتصف آذار الماضي تنفيذ تعهّداتها بدفع المبالغ المرصودة، أسلحة ومساعدات عينية، للقوى المسلّحة على رأسها الجيش اللبناني، والتي وصلت قيمتها المقدرة الى 400 مليون يورو. بالتزامن، المساعدات العسكرية الأميركية للجيش، بوتيرتها المكثفة لم تتوقف، تحديداً منذ العام 2014.

في التاسع عشر من أيلول عام 2012، أقرّ مجلس الوزراء خطة لتسليح الجيش بقيمة مليار و600 مليون دولار لمدة خمس سنوات، لم تشكّل سوى الجزء الأوّل من خطة شاملة، والمبلغ المرصود لها شكّل ثلث المبلغ المطلوب كأفضلية أولى من ضمن ثلاث أفضليات.

وافق مجلس الوزراء في جلسته في أيلول على “الافضلية الاولى” بمبلغ 100 مليون دولار في العام الاول! كان يفترض بمؤتمر “روما 2” أن يلبّي حاجات جزء من هذه الخطة التي “تبخّرت” سريعاً. لا خطط فعلية وجدّية إلّا بيد القيادة العسكرية التي تحاول “تغذية” الجيش بالاسلحة من خلالها.

أعلن رئيس الحكومة آنذاك نجيب ميقاتي “عزم الحكومة على توفير التمويل اللازم للخطة”. كانت الأزمة السورية قد بلغت عاماً وثمانية أشهر من عمرها. زنار نار وإرهاب على طول الحدود الشمالية والشرقية جعل المؤسسة العسكرية على تماس مع أخطر أزمة حدودية في تاريخ العلاقات السورية اللبنانية منذ الاستقلال، وفرض طرح تساؤلات جدّية عن مدى تأثر الداخل اللبناني بـ “لهيب” الميدان السوري الذي لم يتأخّر في التمدّد صوب الخاصرة اللبنانية الضعيفة.

عملياً، لم تشذّ حكومة ميقاتي ثم حكومة تمام سلام وبعدها حكومة سعد الحريري (الثانية) في استكمال عنقود تهرّب الحكومات المتعاقبة من مسؤولياتها حيال دعم الجيش ورفده بـ”عدّة الشغل” اللازمة للقيام بواجباته في الداخل وعلى الحدود، حيث إقتصر الدعم الفعلي لتسليح الجيش على شكل هبات من الخارج، وتحديداً من الولايات المتحدة الاميركية. هكذا، بقيت الخطة المزعومة بلا تمويل ومن دون مواكبة فعلية لتأمين مصادر المال اللازم لها.

“أرشيف” التسليح

“السيرة الذاتية” لتسليح الجيش تكشف الفوارق بين الأمس واليوم. بعد العام 1982، عمد الأميركيون إلى تسليح الجيش في مرحلة إعادة تنظيمه وهيكلته في فاتحة عهد الرئيس أمين الجميل. في العام 1990، تولّى “الوصيّ” السوري تزويد المؤسسة العسكرية، على مراحل وبشكل غير مبرمج، ببعض الأسلحة والمدافع والدبابات (أسلحة من صنع “الاتحاد السوفياتي السابق”)، كما تمّ شراء بعض المركبات والآليات من مخلّفات الجيش الأميركي في المانيا خصوصاً شاحنات وناقلات جند، فضلاً عن استخدام ترسانة سلاح الميليشيات اللبنانية بعد حلّها وتسليم أسلحتها للدولة.

حتى عام 2014، اضطر الجيش إلى استنزاف مخزونه من سلاح قديم أصلاً، فيما الجديد منه استهلك بعد نحو ثلاث سنوات من استخدامه. وحصلت المؤسسة العسكرية، قبل العام 2005 وبعده، على مساعدات عينيّة، وبشكل خاص من الولايات المتحدة تصنّف ضمن خانة الأسلحة غير القاتلة، نتيجة سياسة البيت الأبيض حيال عقيدة الجيش ودوره في الصراع مع إسرائيل.

وخصّصت للجيش موازنات رمزية للصيانة، كما عمدت المؤسسة في السنوات الماضية إلى شراء آليات عسكرية وذخائر من ضمن الموازنات المرصودة لها.

بعد 2014 تسليح “نوعي”

كان الأميركيون، على مرّ السنوات، الأكثر سخاء في دعم الجيش بالمساعدات العينيّة من أسلحة وذخائر واعتدة وآليات وبرامج تدريب.. لكنّ النقلة النوعية في التسليح الاميركي حصلت بعد العام 2014 مع تمدّد تنظيم “داعش” على الحدود اللبنانية وتمكّن عناصره المتطرّفة من مهاجمة مراكز الجيش في عرسال. ويجزم مطلعون أنها مرحلة التسليح الأكثر نوعية وإستثنائية منذ عقود في تاريخ المؤسسة العسكرية.

أكثر من 80% من سلاح الجيش اليوم مصدره الولايات المتحدة، والنسبة الباقية من بريطانيا ودول الإتّحاد الاوروبي (فرنسا، هولندا، المانيا، ايطاليا، اليونان..) ودول عربية كالأردن والإمارات.

في أواخرعام 2017 وخلال 2018، وعلى مرحلتين، تسلّمت القوات الجوية طائرات مقاتلة من نوع “سوبر توكانو” كهبة ضمن برنامج المساعدات الأميركية لتعزيز قدرات المؤسسة العسكرية، وقد صمّمت لتتلاءم مع المواصفات اللبنانية المطلوبة. وحصل الجيش، بدءاً من عام 2014، على عدد كبير من مدافع الميدان، وعربات قتالية من طراز برادلي وصل عددها الى 32، صواريخ مضادة للدروع (250 صاروخَ تاو من الجيل الثاني بنسخة متطوّرة مع قواعدهم)، طائرات سيسنا (3)، وصواريخ متطورة نسبياً بما يتلاءم مع نوعية سرب الطائرات اللبناني (صواريخ هلفاير)، مدفعية 155 (مع قذائف ذكية) وطائرات إستطلاع… مع إستكمال دائم للنواقص من هذا السلاح الذي شكّل عاملاً أساسياً في إنتصار الجيش على الارهاب في معركة “فجر الجرود” خصوصاً لناحية القدرات النارية وتوسّع مدى الرماية وتحديد الأهداف بدقة أكبر.

وقد ساهمت “الأبراج البريطانية” في لعب دور هام في مسار المعركة لناحية تثبيت مراكز الجيش في المناطق الحدودية ورفع مستوى الحماية والمراقبة.

يذكر أنّ قائد الجيش العماد جوزف عون وقبل توجّهه الى الكويت كان أكد أنّ السلاح الاميركي شكّل عاملاً حاسماً في الانتصار على الإرهاب.

بين البنتاغون والكونغرس

وبموازاة تشديد الجانب الاميركي والوفود العسكرية الاجنبية على ضرورة أن يكون الجيش “الحامل الوحيد للسلاح في لبنان”، فإنّ الثقة الاميركية بالمؤسسة العسكرية لا سيما بعد معركة “فجر الجرود” ضد مسلّحي “داعش” و”جبهة النصرة” وقدرتها على الصمود في مواجهة الإرهاب وحسن إستخدام “منظومة الأسلحة” كرّست مواصلة الدعم اللوجستي للجيش لمساعدته في مجال مكافحة الإرهاب وتفكيك خلاياه.

ويتواصل برامج المساعدات المخصّصة للجيش، في الوقت الذي يستمرّ فيه الجانب الاميركي بتطبيق كامل الاتفاقات المقرّة لعام 2018 دون أيّ تغيير.

وفي هذا السياق، اشارت مصادر مطّلعة أنّ ما طرحه بعض أعضاء مجلس الشيوخ ينحصر برفع تقرير للكونغرس يبيّن ما اذا كانت المساعدات المخصّصة للجيش اللبناني والمموّلة من أموال المكلّف الاميركي تحقّق الغاية التي تقدم من أجلها، مشيرة الى “وجود لوبي عسكري أميركي في البنتاغون يضغط لدى الادارة والبيت الابيض في اتّجاه استمرار المساعدات وتعزيزها بعد الكفاءة الكبيرة التي أظهرها الجيش”.

السلاح الروسي

وفي مقابل “سيولة” السلاح الاميركي طرحت تساؤلات دوماً عن لغز عدم إستفادة لبنان من السلاح الروسي الذي لا يزال الجيش يستخدم “بقاياه” من مدافع ودبابات.

وتفيد مصادر عسكرية في هذا السياق بأنّ “حين أقرّت هبة المليار، وتمّ تخصيص 500 مليون دولار للجيش (من ضمنها كان يجب شراء قطع غيار وراجمات ومدفعيات) عقدت عدة إجتماعات ووقعت إتفاقيات مع الجانب الروسي، خصوصاً سلاح مضاد للدروع (كورنيت) وصواريخ للراجمات، لكن لاحقاً جمّدت الهبة، ما قطع الطريق أمام السلاح الروسي الذي لم يأتِ على شكل هبة فيما الدولة لا تستطيع تغطية تكالبفه”.

وعن الاتّهامات بوجود ضغوط داخاية وخارجية أميركية على لبنان لمنع التسلّح من روسيا تردّ المصادر “لو كان فعلاً هناك ضغوط هل كنا ذهبنا الى موسكو ووقّعنا العقود؟”

وفق المعلومات، فإنّ المعادلة في قيادة الجيش التي تحكم المفاضلة بين السلاح الاميركي والروسي هي “لماذا شراء سلاح روسي بكلفة عالية فيما بالإمكان الحصول عليه كهبات من الجانب الاميركي”!

جيش all in one

وفيما لا يزال الجيش مستنفراً على أكثر من جبهة إن من خلال ملاحقة الخلايا الارهابية وحماية أمن الحدود ومواكبة “ترسيمها” جنوباً وفكفكة “إمارة” تجار المخدرات في البقاع ومواجهة الخطر الاسرائيلي، فإنه في الوقت عينه لا يزال مكلّفاً “عند الضرورة” بإزالة مخالفات البناء وحماية أمن التظاهرات والعمليات الانتخابية وحفظ أمن المناطق ومنع التهريب والانتقال غير الشرعي… جيش الـ all in one في حالة إستنزاف فعلية، يفترض بالحكومات أن تعيد رفده بعدة الشغل وتعيد تنظيم هيكليته بهدف ترشيقه، وتضع حداً لدوره كـ “شرطي” في الداخل وأحياناً كثيرة تحوّله الى “أبو ملحم” بين الزواريب والأزقة!