IMLebanon

حكومة أكثريّة أم حصار للتكليف؟

كتب القاضي الشيخ خلدون عريمط في صحيفة “الجمهورية”: 

تتقاذف التّكتلات النيابيّة والقوى السياسيّة منذ أسابيع عدة مصلحة الوطن بجميع أبنائه، كل من موقعه وخندقه، والشروط والشروط المقابلة هي سيدة الموقف، ومصلحة الوطن نعني بها مسألة تشكيل الحكومة المنتظرة منذ اكثر من شهرين والتي أوكل المجلس النيابي بأكثريته المطلقة الرئيس سعد الحريري تشكيلها، وهذا ما نصّ عليه دستور البلاد.

فالاختيار للنوّاب، والتّكليف لرئيس الجمهوريّة بناء على خيار المجلس النيابي، والرئيس المكلّف هو الذي يجري المشاورات ووحده يؤلّف الحكومة بالتشاور مع الرئيس، والتشاور لا يعني التأليف و«الفيتو» على هذا أو ذاك، انّها الحكاية الدائمة في تأليف الحكومات في لبنان باسم الديموقراطية الهجينة، غير أنّ حكاية إعاقة انجاز التأليف في هذه المرحلة تختلف شكلاً ومضموناً عمّا سبق، لأنّ بعض رؤساء الكتل وبإيحاء غير مرئي محليّاً، وربما خارجيّاً، تعمل على الاختطاف الضمني لعمليّة التأليف، وهذا اعتداء صارخ على صلاحيّات الرئيس المكلّف لا يمكن السماح به أو السكوت عليه مهما استمر الفراغ الحكومي، فكيف تسمح بعض القوى أو التكتلات النيابية لنفسها أن تشترط عدد الوزراء لهذا الطرف أو ذاك؟ ومن أين جاءت بهرطقاتها الدستوريّة لتحدّد معايير التأليف وعدد وزراء هذه الكتلة النيابيّة أو تلك؟ بل أنّ بعض من يرفع شعار «قوّة لبنان»، يريد لبنان قوياً على مقاس مصالحه وأحلامه وتطلعاته المستقبليّة، وكأنّ الانتخابات الرئاسية هي بين ليلة وضحاها، ومن أجل ذلك لا مانع لديه أن تبقى البلاد بلا حكومة لأشهر وحتّى لسنوات، ومدرسة التعطيل هذه ليست جديدة في حياة هؤلاء وفي حياة لبنان السياسيّة وخصوصاً في السنوات الأخيرة».

ما هكذا تُبنى الأوطان، ففائض القوّة لهذه الكتلة النيابيّة أو تلك لا يمكن أن يبني عيشاً مشتركاً أو أن يعمّق ثقافة المواطنة التي يعمل لها الرئيس المكلّف سعد الحريري والتي من أجلها قدّم التضحيات الكثيرة على صعيده الشخصي وعلى صعيد من يمثل، حتّى بتنا نشعر بأنّه وحده يريد بناء الوطن، والأكثريّة تريد أن تنمّي كهوفها الطائفيّة أو تحصّن خنادقها المذهبيّة، ومن الخطأ الكبير أن يستمر مثل هذا النهج في حياتنا الوطنيّة، حتّى باتت الخلافات والاختلافات هي الأساس وما دونها الاستثناء، وبات تعطيل القرارات، وحتّى إيقاف الاعتمادات الماليّة من أجل نقل موظّف أو تعيين آخر، أو حتّى تزفيت أو تأهيل طريق هنا وطريق هناك هو السائد والطبيعي بين القوى السياسيّة ونزاعاتها المحزنة والمخجلة، حتّى بات المواطنون يشعرون بأنّهم يعيشون في اتحاد كونفيدرالي لطوائف ومذاهب يمكن أن نطلق عليها: «اتحاد ولايات الطوائف والمذاهب اللبنانيّة».

بعضهم يطرح حكومة أكثريّة بخلفيّة سياسيّة معيّنة، والبعض الآخر يريد محاصرة هذه الكتلة النيابية أو تلك، وبعض البعض يريد مسح كل القوى السياسيّة في طائفته ويسعى بكل جهده وعناده الى تفريخ واصطناع قوى سياسيّة في طوائف أخرى بعد أن يركّب لها كتلة نيابيّة بالإعارة لممارسة الكيديّة وتصفية الحسابات الضيّقة وبمراهقة سياسيّة ظاهرة للعيان، ما هذا العمل يا هذا؟ وأين مصلحة البلاد ورئيسها؟ وهل بذلك نبني قوة لبنان وعيشه المشترك ووحدته الوطنيّة ومصلحة أبنائه جميعاً؟

من يحب لبنان ويدّعي بأنّه حرّ في قراراته، عليه أن يعمل لمصلحة الوطن، لا أن يضحّي بالوطن واقتصاده وشعبه ومصالحه العربيّة والدوليّة بغية تأمين مستقبله ومشاريعه الخاصّة.

الرأي العام اللبناني بكل شرائحه بدأ صبره ينفذ، وازدادت نسبة الإحباط بين الناس في كل المناطق اللبنانيّة، نتيجة تراكم الحاجات الاجتماعيّة وكساد الأسواق والبطالة وأزمات المياه والكهرباء والتلوّث البيئي براً وبحراً وجواً، ألا يشعر المعرقلون لتشكيل الحكومة بخطورة الأوضاع؟ ألا يسمعون صرخات العاطلين عن العمل! واستغاثة القطاعات النقابيّة! كيف يمكن للرأي العام أن يستوعب أنّ دولة اقليميّة مثل تركيا تديرها حكومة من 16 وزيراً ولبنان حكومته من 30 وزيراً وحتّى بعضهم يريدها أكثر من ذلك وتحتاج الى معجزة لتأليفها.

والسؤال المطروح لدى النّاس الطيّبين في لبنان، أما آن للوعي الوطني أن يستيقظ؟ ومتى تصبح الحكومة لكل الوطن، ويصبح الوزير في خدمة النّاس أيّا كانوا، وأن لا يكون وزيراً لطائفة أو مذهب أو منطقة، بل وزيراً لكلّ لبنان؟

حكومة أكثريّة أو أقليّة أو حكومة جامعة، هل هذه شعارات تأليف أم حصار للتكليف من أجل الاحراج والإخراج وإلحاق لبنان متأخّراً بحرائق المنطقة كمَن «يجهّز نفسه للحج والنّاس راجعة».