IMLebanon

هل تعود الكهرباء 24/24 ساعة قبل تشكيل الحكومة؟!

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

 

مع دخول البلاد عطلة عيد الأضحى، وهي الأطول، غابت مساعي تشكيل الحكومة واستُعيض عن البحث بالحصص والأحجام بمقاربة الاستحقاقات التي يمكن أن تواجهها قبل الحديث عن مضمون البيان الوزاري. وهو ما عُدّ «تسفير» للتشكيل الى أمد غير محسوب. ما دفع أحد الدبلوماسيين الى السؤال عن إمكان حصول اللبنانيين على 24 ساعة متواصلة من الكهرباء قبل تشكيل الحكومة؟

من دون أدنى شك يحمل هذا السؤال مزيجاً من التهكّم غير البريء ومعه كثير من الإشارات البليغة عن حجم التعقيدات التي تواجهها عملية التأليف. فلا يقتصر الأمر على حصص وأحجام تتكفّل العمليات الإحصائية بتحديدها لو صفت النوايا وصدقت المعادلات التي بُنيت عليها سلّة المطالب التعجيزية.

بالإضافة الى كونها رسالة واضحة وصريحة الى مَن يستعجل الحسم في لبنان ليكرّسَ انتصارَ فريق على آخر ودعوته الى التروّي وانتظار المرحلة التي تلي انتهاءَ المواجهة الدولية الجديدة والتي لم تبلغ بعد مداها الطبيعي قبل أن تترجَم وقائع وتفاهمات على ساحات الصراع الدولية.

وعملاً بالقول المأثور «طالب الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه» أراد الدبلوماسي المحنّك أن يتوجّه برسالته هذه الى أكثر من طرف يتصارع على ساحة تأليف الحكومة. ويوزّع الحقائب والحصص وفق قواعد غير ثابتة بعيداً ممّا يميّز التركيبة اللبنانية من خصوصيات لا تنطبق عليها كل مقومات النسبية العادلة والمتوازنة.

وباعتراف الدبلوماسي، وهو الذي حاول بداية أن يكون له رإي في تشكيل الحكومة انطلاقاً من حرصه على التوازنات الدقيقة في لبنان وحماية القوى «الأقل تمثيلاً» من «تلك الأكثر» تمثيلاً، ليس على قاعدة حسابية ورقمية دقيقة فحسب، إنما بناءً على حاجة البلاد الى ما يحمي استقرارَها بعيداً من المنازلات الكبرى الجارية في المنطقة والتي تقاطعت بمعظمها على الساحة السورية ولا يتحملها لبنان على أكثر من مستوى سياسي وديمغرافي واقتصادي واجتماعي.

ويضيف الدبلوماسي، كيف يمكن التوفيق بين مطالب الساعين الى دخول الجنّة الحكومية سوية، إذا ما بقي الجميع متمسّكاً بالمطالب التعجيزية التي لا يمكن أن تلتقي تحت سقف حكومي واحد، ولا يمكن من خلالها إرضاء أصحاب العقول الحامية الذين اعتقدوا أنهم قادرون على إلغاء بعضهم بعضاً أو تحجيمهم برضى متبادل.

لافتاً الى انّ العالم الذي وضع لبنان تحت مجهر المراقبة المشدّدة يدرك الكثير من الحقائق التي قرّر أن يتجاهلها عمداً في اكثر من مؤتمر وتفاهم دولي، في محاولة من المجتمع الدولي لمساعدته على تجاوز مسلسل الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي خلّفها النزوح السوري ونتائج تورّط قوى لبنانية في ازمات المنطقة وقبولها بأن تتحوّل أداةً لهذه القوة الإقليمية والدولية أو تلك.

وسال الدبلوماسي: كيف يمكن لأيِّ مراقب على الساحة اللبنانية أن يصدّق أنّ لبنان الذي اجرى انتخابات نيابية – يُفترض أن تكون نقطة تحوّل بين مرحلة وأخرى – في قدرته استثمارها وتفسير نتائجها على هواه بعيداً من كل منطق أو أيّ معادلات انتخابية وسياسية منطقية؟ وكيف يمكن التلاعب بإرداة اللبنانيين الذين رفض نصفهم تقريباً المشاركة في العملية ااإنتخابية؟

وكيف يمكن البناء على نتائج مثل هذه الإنتخابات وكأنها الأصدق رغم اعتراف السفراء والمراقبين الأجانب الذين واكبوها بأنها كانت الأسوأ في تاريخ لبنان بكل المعايير السياسية والديمقراطية في ظلّ ما شابها من تحالفات هجينة وصرف نفوذ ومال انتخابي واستثمار للعواطف الى درجة هدّدت ما بُني في الفترة السابقة التي تلت عودة البلاد الى ما يشبه الحياة الطبيعية.

وعليه يضيف الدبلوماسي أنّ الاعتراف الذي قدّمه الرئيس الحريري قبل ايام بأنّ الحكومة لن تولد إذا شاء البعض أن يربطها بفتح «معبر نصيب» وإحياء العلاقات مع النظام السوري كان كافياً للإشارة الى اسباب أخرى تعقّد ولادة الحكومة غير تلك التي يتلهّى بها اللبنانيون.

وقبل أن يجد اللبنانيون جواباً شافياً على معادلة الحريري الجديدة، ألقى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الضوء على جزء من «الجواب الطبيعي» عندما توجّه اليه دون أن يسمّيه ناصحاً بـ «القبول بما هو مطروح اليوم قبل القبول بما قد يصبح مفروضاً في وقت قريب» عدا عن التهديد بإمكان طرح صيَغ ومعادلات أخرى ما زال يتردّد مع حلفائه في الكشف عنها.

وتعقيباً على هاتين المعادلتين يشير الدبلوماسي الى أنهما أفصحا بشكل من الأشكال عن الحرب الخفيّة الدائرة على ساحة المطالب المتبادَلة والتي «كربجت» الى حدٍّ بعيد كل وسائل التواصل والحوار بين المعنيّين. فانكفأ الطرفان دون أيّ إعلان صريح الى الوراء عن خلفية التمسّك بالحقوق المكتسبة التي تزرع حول صدقيّتها الشكوك من اكثر من جهة.

ولذلك كله، لا يتوقف الديبوماسي عند ما هو ظاهر من مواقف لأنها في النتيجة انعكاس لما يجري في الكواليس من إعادة نظر بالتفاهمات والتحالفات الإقليمية والدولية التي يمكن أن تولد متى آن أونها. لكنّ المشكلة أنّ أحداً لا يتمكّن من اليوم أن يرسم لها أية مواعيد. والأصعب أنها باتت رهنا بمجموعة القمم المقبلة الثنائية والثلاثية المرتقبة وما يمكن أن تؤدي اليه العقوبات الأميركية المتدرّجة بحق إيران وتركيا وروسيا وتردّداتها السلبية على العالم أجمع.

وختاماً، ولما كانت هناك صعوبة بالغة في تحديد السيناريوهات المقبلة التي يمكن أن تنتجها التحرّكات الدولية لم يكن امام الدبلوماسي سوى التشبّه بالوعود اللبنانية التي قُطعت لتوفير التيار الكهربائي 24 على 24 ساعة، ليربط بين إمكان تحقيق ذلك وتشكيل الحكومة الموعودة. وعندها فقط تكون للبنان حكومة يمكن أن تتعهّد بما يمكن أن تفي به وهو أمر يتعرّض للكثير من الشكوك غير المستغرَبة فالتاريخ الحديث يشير الى العديد من هذه التجارب الفاشلة.