IMLebanon

هل تنفع سياسة “هزّ العصا”؟

اوضحت مصادر مطّلعة على الاجواء الرئاسية لصحيفة “الجمهورية” انّ رئيس الجمهورية ميشال عون «الذي اكد بالامس امام وفد اغترابي من دول الخليج على «النأي بالنفس»، ولكن هذا لا يعني ان ننأى بانفسنا عن ارضنا ومصالحنا»، ألقى بالتأكيد الكرة في ملعب الرئيس المكلف سعد الحريري، وإن كان لم يُسمّه في الكلام المنسوب اليه، الّا انه أبقى في الوقت نفسه كرة المبادرة لديه، بتأكيده انه لم يعد يقبل ان يستمر الوضع التعطيلي على ما هو عليه من سلبية ومراوحة تضرّ بالبلد بالدرجة الاولى وكذلك تُسيء الى العهد وتهدده، وألزمَ نفسه بمقاربة جديدة لملف التأليف مع بداية الشهر المقبل. وهذا يستبطن قناعة لدى رئيس الجمهورية بأنّ أفق التأليف بالطريقة التي يتم فيها مسدود، ولا امل يُرتجى منه.

وإذ يلفت هؤلاء المطلعون الانتباه الى انّ فريق رئيس الجمهورية بدأ يتحدث علناً وصراحة عن «عامل خارجي» يدير اللعبة وادواتها عن بعد ويتحكم بتعطيل الحكومة، ويسعى من خلال ذلك الى تعطيل العهد والاضرار به، وهو الامر الذي لا يمكن تجاهله او السكوت عليه او إغماض العين عنه، وبالتالي لا يمكن القبول او الاستسلام لخيار التعطيل، وخصوصاً أنّ «مخزن الخيارات البديلة» ليس خاوياً على الاطلاق. ويفضّل هذا الفريق تجنّب الكلام المباشر عن هذه «الخيارات البديلة»، تاركاً الامور الى مطلع ايلول حيث ستوضع النقاط كلها على الحروف.

وبحسب المطّلعين، فإنّ فريق رئيس الجمهورية لا يتفق مع القائلين إنّ ما قاله رئيس الجمهورية عن مهلة ايلول، قصد منه فقط تحريك مياه التأليف الراكدة، بل انّ القصد هو كسر حلقة التعطيل التي تطوّق الحكومة، والاشارة علناً وبكل وضوح الى مصدرها، علماً انّ هذا التعطيل تكونت قناعة ومعطيات اكيدة بأنه يتمّ عن سابق تصوّر وتصميم. ويذكّر هذا الفريق بأنّ رئيس الجمهورية عوّل منذ البداية على تشكيل حكومة بسرعة، ولطالما كان منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيلها، في موقع المسهِّل لمهمة الرئيس المكلف والمحفِّز له لكي يبادر الى توليد حكومته في اقرب وقت ممكن، ولكي يبادر ايضاً الى خطوة إنقاذية لملف التأليف، خصوصاً انّ وضع البلد لا يحتمل اي تأخير في بناء السلطة التنفيذية لتفرّغها للتصدي للاستحقاقات والتحديات الداهمة على كل المستويات.

ماذا يمكن ان يقول رئيس الجمهورية بعد أول أيلول؟

بالتأكيد انّ خطوات او خيارات رئيس الجمهورية ربما يخبر عنها هو شخصياً، او قد تخبر عن نفسها بنفسها، وهذا سيتبين في الايام المقبلة. واذا كانت الاوساط السياسية على اختلافها قد توقفت باهتمام بالغ امام رفع رئيس الجمهورية لنبرة خطابه في الملف الحكومي، الّا انّ بعض هذه الاوساط عبّر عن تضامن جدي مع موقف رئيس الجمهورية اذ ربما تنجح سياسة «هزّ العصا» في الافراج عن الحكومة ممّا يسميه «التيار الوطني الحر» بـ»الاعتقال الخارجي»، وأمّا البعض الآخر فرَدّ رفع الصوت الرئاسي الى رغبة رئيس الجمهورية في ان تولد الحكومة قبل ترؤسه وفد لبنان الى اجتماع الجمعية العمومية للامم المتحدة أواخر ايلول المقبل، حيث يرغب في ان يكون هذا الوفد في ظل حكومة أصيلة، وليس في ظل حكومة تصريف اعمال، تضرب صورة لبنان، وتخفض من هيبة حضوره في هذا الاجتماع الأممي.

الّا انّ اهتمام الاوساط السياسية بموقف رئيس الجمهورية، اقترن بتساؤلات كثيرة: ماذا يمكن ان يقول الرئيس زيادة على ما قاله؟ هل سيبادر الى كشف كل دقائق عملية التأليف وتفاصيلها ويسمّي الاشياء بأسمائها؟ ماذا بيده أن يفعل؟ هل سيبادر الى ممارسة ضغط معين، وعلى من؟ هل على فريقه السياسي؟ هل على «القوات اللبنانية» لإلزامها على التراجع عن المطالب التي يعتبرها تعجيزية؟ وكيف؟ هل على النائب السابق وليد جنبلاط (الذي سيلقي مساء اليوم كلمة سياسية وصفت بالهامة في الإحتفال المركزي لمؤسسة العرفان التوحيدية). لإلزامه بتليين موقفه من الحصة الدرزية في الحكومة والموافقة على توزير طلال ارسلان الموعود من قبل «التيار» والرئيس بإشراكه شخصياً في الحكومة؟ هل على الرئيس المكلف؟ وكيف؟ وقبل كل شيء هل يستطيع رئيس الجمهورية إلزام الرئيس المكلف بشيء؟

القاسم المشترك بين هذه الاسئلة التي تطرح في الاوساط السياسية، هو انّ اجوبتها مقفلة، على ما تقول مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، ذلك انّ الرئيس من جهة يتبنّى موقف فريقه السياسي، ومن جهة ثانية، لا يستطيع ان يمون سياسياً لا على جنبلاط، ولا على «القوات» التي يبدو انّ الشعرة قد قطعت معها.

امّا الأهم، فإنّ رئيس الجمهورية لا يستطيع ان يلزم الرئيس المكلف بشيء، على ما ابلغ خبير دستوري «الجمهورية»، حيث اكّد انّ الدستور فرض ان يكون لرئيس الجمهورية رأيه في التشكيلة الوزارية، ولا يقيّده بالموافقة الفوريّة على اي تشكيلة وزارية يضعها الرئيس المكلف وبالتالي توقيع مرسوم تشكيلها، فإنّ الدستور نفسه لا يقيّد الرئيس المكلف بسقف زمني لتشكيل حكومته، وأعطاه مطلق الحرية في استنفاد الوقت الذي يريده، وفي ظل هذا الامر لا توجد خيارات بديلة سوى انتظار الرئيس المكلف، واكثر ما يمكن ان يفعله رئيس الجمهورية في هذا المجال، هو الحَثّ، او التمني، بكلام سياسي هادىء، واذا شاء بكلام عالي النبرة، الّا انّ كل ذلك يبقى رهناً باستجابة الرئيس المكلف او عدمها.

واذا كان موقف رئيس الجمهورية قد أحدث دوياً في الاوساط السنية، حتى المعارضة للحريري التي عبّرت عن اعتراضها على ما سمّته «محاولة المس بصلاحيات رئيس الحكومة»، فإنّ ما لفت الانتباه هو التلقّف الهادىء لهذا الموقف من قبل تيار المستقبل، على الرغم من علامات الاستفهام الزرقاء التي أثيرت حول موقف عون.

واذ اكدت مصادر المستقبل لـ«الجمهورية» انها لا تقرأ سلبية في موقف رئيس الجمهورية كونه يصبّ في ذات الهدف الذي يرمي اليه الرئيس المكلف، اشارت رداً على سؤال، الى انّ الحريري لا يتأثر بأي ضغوط أيّاً كان مصدر هذه الضغوط، فعملية التأليف ما زالت تسير بشكل طبيعي، والوقت لم ينفذ بعد، والرئيس المكلف سيتابع مشاوراته لدى عودته.

ووصفت المصادر «الكلام عن العامل الخارجي المعطّل الحكومة، بأنه هروب الى الامام»، وقالت: لطالما اكد الرئيس المكلف وما زال يؤكد انّ الفرصة متاحة لتشكيل الحكومة في أسرع وقت، هناك تعقيدات موجودة يؤمل ان توجد لها حلول بتعاون الجميع، واذا ما أمكن تجاوز هذه التعقيدات يمكن للحكومة ان تتشكّل في 3 دقائق.

واشارت المصادر الى انّ الاساس في مهمة الرئيس المكلف هو التعاون مع «فخامة الرئيس»، وقالت: في نهاية المطاف ستتشكل الحكومة، وسبق للرئيس الحريري ان حذّر من انّ الضرورات الاقتصادية توجب الاسراع في تشكيل الحكومة، وهذا يوجب على الجميع التقدم خطوات الى الامام وصولاً الى حكومة تعبّر عن الجميع، وبالتأكيد مع رفضنا الكامل لتشكيل حكومة يُملي فيها اي طرف قراره او إرادته على سائر مكوناتها.

الى ذلك، عبّر مرجع سياسي عن خشيته من «ان نصل في الاشتباك الحالي الى لحظة تفلت فيها الامور من عقالها السياسي». وقال لـ«الجمهورية»: كأننا نعيش في «مرجوحة»، بدأوا بعد التكليف بلغة المواعيد، ثم انتقلوا الى لغة التصعيد، الى ان وصلنا الى عطلة العيد، فأعادت خلط الاوراق من جديد، وخلاصة الامر انّ مولد الحكومة بعيد.

ورداً على ما قال المرجع: حتى الآن ما زلتُ أفترض انّ رئيس الجمهورية والرئيس المكلف قادران على التفاهم واستيلاد حكومة مهما كانت التعقيدات، والكرة في ملعبهما معاً، وإنّ أياً منهما لا يستطيع ان يتصرف او يبادر بمعزل عن الآخر، فهما معاً يشكلان القابلة القانونية لتوليد الحكومة، واعتقد انهما يعرفان ذلك حق المعرفة، علماً انّ كثيرين يراهنون على خلافهما واختلافهما.

الى ذلك، كشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية» انّ الإتصالات لم تنقطع بين عون والحريري، والعودة المتوقعة للرئيس المكلف نهاية الأسبوع الجاري ستُطلق حركة الإتصالات من جديد على اكثر من مستوى. وأشارت الى اتصال هاتفي بين الرجلين في الساعات الماضية، تناولا فيه آخر التطورات على الساحة اللبنانية والحراك الدبلوماسي والعسكري في المنطقة، ونتائج زيارات الموفدين الأجانب الى بيروت.