IMLebanon

المراهق وإستقرار الأهل النفسي

كتبت ساسيليا دومط في “الجمهورية”:

يخرج وسام (15 عاماً) خلسة من المنزل أثناء غياب والديه إلى مكان مجاور يلعب فيه الورق ويدخّن مع شباب ورجال من الأحياء القريبة؛ يعيش وسام على هذا المنوال منذ عام، وأصبح من شبه المستحيل بالنسبة إليه الإقلاع عنه، بعد اكتشاف والده للأمر.

في سنّ المراهقة يمر الإنسان بمرحلة انتقالية بين الطفولة والنضوج، هذه المرحلة تشبه عبور جسر من ناحية إلى أخرى، إلا أن هذا العبور يؤثر بشكل كبير على المرحلة التي تليه. وهذه المؤثرات لا تقع على عاتق المراهق، بل الأهل، فهو لا يزال تحت رعايتهم، ويتلقن شيئاًَ فشيئاً طريقة سلوكه في المستقبل.

إذا كيف يستطيع الأهل حماية الأبناء خلال هذه المرحلة الدقيقة من حياتهم، هل يعاملونهم ككبار أو كأطفال صغار؟ غالباً ما يسبب ذلك ضياعاً وتشويشاً للآباء والأمهات. هل عليهم أن يكونوا صارمين أو متساهلين؟ كيف يبعدون عن أولادهم ما يحزنهم ويشعرهم بالكآبة؟ والعنف؟ والإدمان؟ والتهور والغضب؟؟؟

مسؤولية كبرى ملقاة طبيعياً على عاتق الأهل، يتعاطى كل منا معها بحسب معرفته واختباراته وقناعاته. من الأهل من يرتاب ويرتبك في مرحلة مراهقة الأبناء، ومنهم من لا ينتبه حتى لحلولها، إلا أن الصواب بين الاحتمالين، في التعاطي مع هذه الفترة بوعي وبساطة ومسؤولية وهدوء.

القسوة والتساهل

من الأهل من يتعاطى بقسوة مع أبنائهم المراهقين، بهدف حمايتهم والحفاظ عليهم، إلا أنهم بذلك يؤثرون على العلاقة المتبادلة معهم بشكل سلبي، إن من ناحية التصادم والرفض من قبل الأبناء، أو من خلال اعتيادهم على التبعية وعدم الاعتماد على الذات، ما يجعلهم يبحثون عمن يفرض عليهم القرار في المستقبل، لا بل يصبحون تابعين، فيحلّون غالباً في المراتب الثانية وما دون في الحياة العملية والاجتماعية. كذلك قد ينتج عن القسوة من قبل الأهل، غياب الحوار، والأسرار من قبل أولادهم الذين يتظاهرون بتلبية رغبات آبائهم، بينما يقومون بما يحلو لهم سرّاً، وهنا يبدأ الجنوح، فنراهم يميلون إلى خرق القوانين، فيدخّنون ويجرّبون تعاطي المخدرات، ويعاشرون رفاق السوء، وهذا قد ينتج عن القسوة أو التساهل من قبل الأهل. فالمبادىء والنظام في الحياة تأتي عن طريق الأهل، وبالتالي معرفة نتائج الأفعال التي يقوم بها الأبناء وتأثيرها على الفرد والآخرين من حوله. تخيّلوا مراهقاً، بتلك الطاقة والحماس، لا اعتبار لديه لمشاعر الغير، للقيود والضوابط الاجتماعية. أول من يتضرّر من التساهل في التربية هو المراهق، وبعده الأهل الذين سيفقدون احترامه ويتعرّضون من قبله للإهانة والعنف أحياناً.

القلق والإهمال

إذا كنتم مصابون بالقلق والتوتر الشديدين، فالأفضل لكم بداية طلب المساعدة والعلاج، لأنّ القلق لا يتوقف عند حدّ، بل يتزايد ويتفاقم، ويتحول إلى أمراض ومشاكل نفسية وجسدية خطرة، كالإكتئاب وأمراض الشرايين والقلب والسكري وغيرها، ما يهدّد حياة الفرد. إلّا أنّ القلق لا يؤذي صاحبه فقط، بل المحيطين، وأهمهم الأبناء، فمن تربّى على يد إنسان قلق يتعلم ذلك بالمشاهدة، فإذا كنتم تهتمون لصحة أبنائكم النفسية والجسدية، لا تورثوهم القلق والتوتر، أطلبوا العلاج الآن.

أمّا على الضفة الأخرى للقلق فيقع الإهمال، حيث لا يهتمّ الآباء والأمهات لحاجات أبنائهم العاطفية والمادية، فنراهم غائبين بشكل دائم حتى لو حضروا، ما يدفع بالأبناء إلى البحث عن الحب والاهتمام في الخارج، ويضعهم في فوهة المخاطر الاجتماعية والشخصية، فينجرفون وراء السرقة وتعاطي المخدرات والعصابات، كما يتعرضون للاستغلال والتحرش الجنسي، وفي هذه الحال يصبح المراهق على أتمّ الاستعداد لتلبية ما يريده الآخر شرط ألا يتركه ويبتعد عنه.

أضف إلى ذلك اعتماد الأهل أسلوب المواجهة مع أولادهم، عوض التفهّم والهدوء واستيعاب المرحلة الدقيقة التي يمرون بها. فالمراهق بحاجة إلى إثبات الذات وفرض النفس، ولا يستطيع الأهل مساعدته إلا إذا ثقّفوا أنفسهم وتمكّنوا من الحكم بشكل موضوعي وناضج على الأمور، واعتمدوا الحوار البنّاء الذي يقوم على الإصغاء والإيجابية.

كي نربي أبناءنا وبناتنا أصحاء نفسياً، يتمتعون بالأخلاق والاتزان والمنطق، لا بدّ لنا من أن نمتلك كآباء وأمهات هذه الميزات، فيتشبه أبناؤنا بنا. من هنا يتوجب على كلّ واحد منا، حتى في مرحلة تسبق الزواج والإنجاب، أن يحافظ على صحته النفسية وتوازنه في التعاطي مع الآخر، ما ينعكس إيجاباً على أنفسنا وعلاقاتنا مع القريب والغريب.