IMLebanon

بري والحريري واثنين الحسم

كتب نبيل هيثم في “الجمهورية”:

إذا ما سارت الأمور كما هو مرسوم لها، فإنّ مراسيم تأليف الحكومة ستصدر مساء اليوم، على أن تؤخذ الصورة التذكارية للحكومة بمشاركة الرؤساء الثلاثة، غداً الثلثاء تليها في اليوم نفسه الجلسة الأولى لمجلس الوزراء وتشكيل لجنة صياغة البيان الوزاري.

المناخ التفاؤلي الذي أشاعه الرئيس المكلّف بحسم التأليف وأكده في اللقاء مع الرئيس نبيه بري في عين التينة السبت، قرأه رئيس المجلس على أنّ «الطريق امام الحريري باتت سالكة الى بعبدا الاثنين. فخير أن تأتي متأخّرة من ألّا تأتي أبداً». وبناءً عليه ينتظر بري أن يرنّ هاتفه في أيّ لحظة اليوم للالتحاق برئيسَي الجمهورية والحكومة في بعبدا، لإطلاعه رسمياً على الصيغة الحكومية.

في لقاء عين التينة، والذي تخلّله غداء وكانت «الفراكة» سيدة المائدة، تحدث الحريري عن الاثنين كيوم الحسم بالنسبة الى إعلان الحكومة وإصدار مراسيمها، على اعتبار أنه ما عاد يجوز الانتظار اكثر من هذا الوقت. هذا الكلام أشعر بري بمزيد من الارتياح، ومع ذلك توجّه الى الرئيس المكلف بما مفاده: «إن أُعلنت الحكومة يوم الاثنين إن شاء الله، فيكون الخير في ما يحصل، ولكن إن لم تعلن الاثنين فسأوجّه الدعوة فوراً لعقد جلسة تشريعية للمجلس النيابي، خصوصاً وأنني بادرت قبل ايام الى توزيع جدول اعمال الجلسة على النواب».

ويضيف بري: «وأيضاً إن أُعلنت الحكومة الاثنين، وتأخّر إعداد البيان الوزاري لهذه الحكومة لأكثر من اسبوع، فسأبادر الى الدعوة الى جلسة لمجلس النواب. علماً أنّ البيان الوزاري يُفترض ألّا يكون مشكلة باعتبار أنه سيكون مرتكزاً بشكل اساسي على مضمون بيان الحكومة السابقة.

وإذا كان الجوّ العام حاسماً نحو إعلان الحكومة اليوم الاثنين، فما زالت هناك أصوات سياسية تخشى من أن تجري الرياح على عكس التوقعات، بما يعني تفويت فرصة أكثر من ثمينة لاستيلاد الحكومة. هنا يقول بري: «لم يعد هناك ما يبرّرأبداً التأخير في تشكيل حكومة تضمّ الجميع أو تضييع الوقت من عمر البلد وإبقائه في قعر الفراغ وانعدام القدرة على مواجهة الكمّ الهائل من التحدّيات والأزمات التي يعانيها.

في رأي بري «أنّ الحكومة لو تشكّلت قبل الآن لكان افضل بكثير للبلد، كان يُفترض أن تولد خلال فترة لا تتعدى الشهر بعد تكليف الرئيس الحريري، يومها قلنا للجميع ونصحنا أنّ افضل صيغة حكومية هي إبقاء القديم على قدمه من حيث حصص كل فريق». ويومها، وكما هو معلوم بادر الى التضحية على غرار ما فعل خلال تأليف حكومات سابقة، فقبل بحصة أقل من الحصة التي يوجبها حجمُ كتلته النيابية. فبري يرأس كتلة من 17 نائباً، وهي ثالث اكبر كتلة في مجلس النواب، وتمتاز عن غيرها من الكتل بأنها الوحيدة التي تضمّ كل الطوائف اللبنانية، وأنها بحسب معايير التوزير التي اعتُمدت، يحق لها بـ5 وزراء، أبلغ الى الحريري أنه لا يريد أن يطالب بحجم أكبر في الحكومة، بل نكتفي بالحجم الذي كنا عليه أي 3 وزراء.

حصة بري في الحكومة حُسمت بحصول كتلته على حقائب المال، الزراعة، والبيئة، مع أنه كان يفضل لو كانت وزارة الشؤون الاجتماعية من حصته، ويقول: المسألة ليست مسألة حصص ولا مسألة وزير بالزايد أو وزير بالناقص، المسألة هي مَن يعمل أكثر ويسعى بالشراكة مع الجميع في سبيل التقاط البلد عن حافة الهاوية، وبناء التحصينات اللازمة أمام بلد يكاد يكون مكشوفاً على كل المستويات.

المعلوم هنا أنه طرح على بري خياراً بين البيئة والثقافة، إلّا أنه مال الى البيئة، فقيل له «إنّ غيره هرب منها»، فقال: أنا لا أهرب منها ابداً، بل نيّتي أن أجعلها نموذجاً، وأهم من وزارة سيادية، بل أهم الوزارات في ظلّ الجوّ الفاسد في البلد، خصوصاً لاتّصالها بموضوعات شديدة الحساسية وعلى صلة مباشرة بالناس، انظروا الى الأنهر والمرض الذي يصيبها والتلوّث الذي يغتالها، انظروا الى الكسارات وما تفعله وما تتسبّب به، هنا يكمن العمل الحقيقي، والأولوية بالتأكيد هي لمنع التراخيص للكسارات والرمول ولكل ما يشوّه البيئة والطبيعة.

أيّ صيغة سيحملها الحريري الى بعبدا؟

على الرغم من الصراع المرير على الحصص والأحجام، والذي حوّل بعض أطراف الحكومة الى إله من تمر وأراد أن يأكله حتى آخر حبة فيه. لا يبدو أنّ الصيغة التي سيسلّمها الحريري الى عون ستحمل خرقاً نوعياً خارج ما كان متوقعاً. فلا تمثيل لـ»سنّة 8 آذار»، فالحريري حاسم في رفضه توزير ما يعتبرها كتلة اصطناعية مجمّعة من هنا وهناك (واحد من كتلة الرئيس بري، وواحد من كتلة «حزب الله»، واثنان من كتلة تيار المردة، وفي المحصلة يبقى اثنان مستقلّان)، إلّا إذا شاء رئيس الجمهورية أن يضمّ الحصة الرئاسية واحداً منهم، وهو أمر ما زال محلّ تساؤل لدى حلفاء الرئيس، الذين لا يستطيعون تاكيد ما إذا كان عون سيوافق أم لا، خصوصاً وأن أصواتاً قريبة منه ترفض التخلّي عن أيٍّ من وزراء الرئيس أو وزراء التيار الوطني الحر.

وأما التمثيل الدرزي، فحُسم على النحو الذي يريده عون، بعد تراجع وليد جنبلاط عن حصر هذا التمثيل بالحزب التقدمي الاشتراكي، ووافق على تقديم لائحة يختار منها رئيس الجمهورية الى جانب لائحة قدّمها طلال ارسلان التي تبدو الأوفر حظاً في أن يختار عون وزيراً. علماً أنّ هذا الاختيار إن حصل، فمعناه أنّ الوزير المختار سيكون من حصة رئيس الجمهورية، وبالتالي تصبح حصة التيار الوطني الحر مع رئيس الجمهورية 11 وزيراً، أي الثلث المعطل.

وأما بالنسبة الى «القوات»، فيبدو أنّ الكرة حالياً في مرماها لتحدّد ما إذا كانت ستقبل بـ«العرض الأخير»: نائب رئيس حكومة ووزارات العمل والشؤون الاجتماعية والثقافة، ما يعني مشاركتها بحصة أقل بكثير ممّا كانت تريده، أو ترفضه، ما قد يعني وجودها خارج الحكومة. وهو أمر سيتحدّد اليوم في اجتماع قيادة «القوات».

والواضح هنا أنّ «القوات» التي تشعر أنها تتعرّض منذ بداية التأليف لمحاولة إحراجها لإخراجها، هي أمام خيارين أحلاهما مرّ، الأوّل، هو القبول بحصة سبق واعتبرتها «جزءاً من الفتات»، لا تتلاءم وحجمها النيابي والشعبي، ما يعني خسارة معنوية، والثاني أن ترفض المشاركة في الحكومة، ولكن قد يكون لهذا الأمر ثمنه الباهض عليها، في ظلّ وجود التيار في السلطة وتحكمه بكل المفاصل في الدولة، ووجودها خارج السلطة سيغلّ يديها ويجعلها عاجزة عن الاستثمار الشعبي والسياسي، وعن تحقيق أيّ شيء، خصوصاً أن لا استحقاق نيابياً يمكن الاستثمار فيه، ولا استحقاقَ بلدياً أيضاً، الاستحقاق الوحيد الموجود هو الاستحقاق الرئاسي، بعد أربع سنوات، ومعروف أنّ «القوات» تضعه نصب عينيها، ورئيسها حسم ترشيحه منذ الآن.