IMLebanon

وقف نزف الخزينة بثلاث خطوات

كتب بروفسور جاسم عجاقة في صحيفة “الجمهورية”:

تُشير الأرقام (القليلة الكلام) التي تنشرها وزارة المال، الى أنّ نسبة الإنفاق إرتفعت منذ أيلول 2017 إلى مستوى 1.5 مليار دولار أميركي شهرياً، مع قمّة في أيار الماضي بلغت 2 مليار د.أ. فهل تُحمّل سلسلة الرتب والرواتب مسؤولية هذا الإرتفاع، وما هي كلفتها الحقيقية؟

بلغ مجموع الإنفاق العام منذ كانون الثاني 2012 وحتى حزيران 2018 ما مجموعه 93.67 مليار د.أ مقارنة بـ 66.76 مليار د.أ مداخيل! أي بفارق 27 ملياراً، تحوّلت إلى دين عام بقيمة 29 مليار د.أ. وبلغ مُعدّل الإنفاق الشهري من كانون الثاني 2012 حتى آب 2017، 1.2 مليار د.أ ليرتفع إلى 1.51 مليار د.أ منذ أيلول 2017 وحتى حزيران 2018. فما الذي حصل حتى ارتفع الإنفاق إلى هذا المستوى؟

أول بند في الإنفاق العام يُمكن ملاحظة ارتفاعه، هو خدمة الدين العام. فقد ارتفعت من 2.45 مليار د.أ في الأشهر الستة الأولى من العام 2017 إلى 2.78 مليار د.أ في الفترة نفسها من العام 2018. وشهد شهر أيار 2018 دفع فوائد بقيمة 974 مليون دولار نتيجة العديد من الإستحقاقات.

واقترضت الدوّلة بالليرة اللبنانية في العام 2017 ما يوازي 17.86 مليار د.أ إضافة إلى 9.28 مليارات د.أ في الأشهر الستة الأولى من العام 2018. وتمّ استخدام جزء منها لسدّ ديون سابقة، والقسم الآخر كان لتمويل سلسلة الرتب والرواتب وكهرباء لبنان كما والبنود الأخرى. هذا الأمر أنتج فوائد في العام 2018 إضافة إلى الفوائد على الدين بالدولار الأميركي.

البند الثاني الذي زاد إنفاقه هو بند «نفقات على حساب موازنات سابقة»، الذي سجّل معدّل 496 مليار ليرة لبنانية شهرياً في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2018، أي ما مجموعه 1487 مليار ليرة لبنانية (986 مليون د.أ) مقارنة بـ 1102 مليار ل.ل في العام 2017 (نفس الفترة) و1204 في العام 2016 و 857 في العام 2015، وهذا الأمر يعني أن إنفاق العام السابق يتمّ نقله إلى السنة التالية. وهنا يُطرح السؤال عن سبب إرتفاع هذا البند وما هو الإنفاق الذي سبّبه؟

البند الثالث، هو شركة كهرباء لبنان التي تُظهر الأرقام ارتفاعاً بقيمة 182 مليون د.أ عن الأشهر الستة الأولى من العام 2018 نسبة إلى نفس الفترة من العام 2017 (من 556 مليون د.أ إلى 738 مليون د.أ).

لكن أرقام الجمارك تُظهر إرتفاعًا بقيمة 580 مليون د.أ في شهر تمّوز من العام 2018 مع استيراد فيول، إضافة إلى 650 مليار ل.ل تمّ طلب فتح إعتماد لها من قِبل وزارة الطاقة وهي بانتظار موافقة مجلس النواب عليها.

وبما أنّ أرقام وزارة المال لم تبيّن كلفة الأجور في بيانها الأخير، فقد عمدنا إلى حساب مجموع الأجور مع النفقات الإستثمارية والنفقات التشغيلية. هذا الأمر أوصلنا إلى مجموع بلغ 3.46 مليارات د.أ في الأشهر الستة الأولى من العام 2018 مقارنة بـ 2.57 مليار د.أ في العام 2017، وهذا يعني أنّ الفارق هو 148 مليون د.أ شهرياً.

وإذا ما اعتبرنا أنّ الزيادة تشكّلت بشكل حصري من الأجور (Toute chose égale par ailleurs)، نرى أنّ كلفة سلسلة الرتب والرواتب السنوية هي 1.78 مليار د.أ أميركي.

إذاً، وبحسب الأرقام، نرى أنّ السلسلة ليست المسؤولة الوحيدة عن ارتفاع الإنفاق، فمجموع الإنفاق على شركة كهرباء لبنان، إضافة إلى نفقات على حساب موازنات سابقة وخدمة الدين العام وتسديد اقساط ديون خارجية، بلغ 3 مليارات د.أ في الأشهر الستة الأولى من العام 2018 مقارنة بـ 2.5 مليار د.أ في الفترة نفسها من العام 2017 أي بفارق 510 ملايين دولار أميركي (85 مليون د.أ شهرياً). وإذا ما أضفنا هذا الرقم إلى الزيادة في كلفة السلسلة، نرى أنّ المجموع هو 233 مليون د.أ عبارة عن زيادة في الإنفاق الشهري.

وكان لا بدّ من النظر إلى العمليات على حساب الخزينة (امانات، تأمينات، كفالات محجوزات، البلديات، حساب الودائع، وحسابات الغير الاخرى)، حيث نلحظ ارتفاعاً بقيمة 354 مليون دولار أميركي في الأشهر الستة الأولى من العام 2018 مقارنة بالفترة نفسها من العام 2017 أي إرتفاعاً بقيمة 59 مليون د.أ شهرياً ما يؤدّي إلى إرتفاع شهري في الإنفاق بقيمة 292 مليون د.أ شهرياً.

هذا الواقع الاليم يواجهه تراجع ملحوظ في الإيرادات، حيث نرى أنّها انخفضت بقيمة 495 مليار ل.ل في الأشهر الستة الأولى من العام 2018 مقارنة بالفترة نفسها من العام 2017 (أي إنخفاض بقيمة 55 مليون د.أ شهرياً). ويأتي الإنخفاض من الإيرادات الضريبية المُختلفة (355 مليار ل.ل)، إيرادات الجمارك (41 مليار ل.ل)، الإيرادات غير الضريبية (264 مليار ل.ل)، منها الإتصالات (169 مليار ل.ل).

في المُقابل، سجّلت إيرادات الضريبة على القيمة المضافة ارتفاعاً بـ165 مليار ل.ل في الأشهر الستة الأولى من العام 2018 مقارنة بالفترة نفسها من العام 2017 وهذا ناتج في الدرجة الأولى من رفع الضريبة على القيمة المُضافة من 10% إلى 11%.

والمُلاحظ ،أنّ الإرتفاع في إيرادات هذه الضريبة لا يعكس المُتوقع (220 مليون د.أ سنوياً بدلاً من 350 مليون د.أ) ويعود السبب إلى المرونة في الأسعار (elasticity) بالإضافة إلى التهرّب الضريبي.

في الختام، لا يسعنا القول إلّا أنّ وقف نزف الخزينة العامّة يمرّ إلزامياً بثلاث خطوات أساسية لا مفرّ منها: أولًا وقف التوظيف في القطاع العام لفترة لا تقلّ عن 5 سنوات، وذلك بهدف السماح للمالية العامّة بهضم الكمّ الهائل من الموظفين، الذين تمّ توظيفهم في الأعوام الثلاثة الأخيرة.

ثانيًا محاربة التهرّب الضريبي الذي أصبح يُشكّل تهديداً واضحاً على الكيان المالي للدوّلة اللبنانية من ناحية أنّه يُشكّل 7.2% من الناتج المحلّي الإجمالي.

وثالثًا وقف نزيف الكهرباء مع هدر سنوي يفوق الـ 2 مليار دولار أميركي مُرشحّ للإرتفاع مع تردّي وضع المعامل الحرارية الموجودة.