IMLebanon

كاميرات المراقبة “لغز” الجاهلية!

كتبت ملاك عقيل في “الجمهورية”:

ليس عادياً في قاموس العمليات الأمنية-السياسية تسجيل حالة خاصة كـ «عملية الجاهلية». فبعد ساعات قليلة على حدوثها كاد الجميع أن يتبرّأ منها. قضائياً، الكلمةُ الفصل للتحقيقات الجارية، أما في السياسة فـ «الله يرحم محمد أبو دياب!».

كل الأطراف المعنية بـ «عملية الجاهلية» أخذت مسافة منها، فبدا «التبريد» عنوان المرحلة، باستثناء إصرار وئام وهاب على مهاجمة الرئيس سعد الحريري وصولاً الى التشكيك بـ«أهليّته» لأن يكون رئيساً للحكومة المقبلة، زاعماً أنه توجّهٌ عام لدى 8 آذار، ومسلّماً في الوقت عينه بأنّ «القضاء هو بيننا»، رافضاً لغة الثأر.

مصادر الرئيس المكلّف سعد الحريري تشدّد على أنّ الأخير لم يعطِ الأمر «السياسي» بتوجّه مجموعة أمنية من «شعبة المعلومات» لإحضار وهاب بالقوة، «والقوة الأمنية تحرّكت بناءً فقط على استنابة قضائية».

النائب السابق وليد جنبلاط ينفي تماماً «تهمة التحريض» على «تكسير رأس وهاب» و»بأنه حين علِم بتوجّه «المعلومات» الى المكان أيّد العملية إنطلاقاً من موقف مسبَق له بالوقوف الى جانب الحريري في «الاعتداء» الصريح عليه من جانب وهاب.

أما مدّعي عام التمييز سمير حمود فهو، وفق أوساطه، «لم يكن مقتنعاً» بإعطاء الإشارة القضائية لـ «المعلومات» بإحضار وهاب من منزله للاستماع الى إفادته بعد تعذّر تبليغه مرتين، خصوصاً أنه كان بالإمكان إعطاء الاشارة لـ «المباحث المركزية» كونها ضابطة عدلية تحت أمرته.

وما أمكن رصدُه بوضوح أثناء «عملية الجاهلية» وبعدها، هو التحييد التام من جانب رئيس «حركة التوحيد العربي» و«حزب الله» لـ «شعبة المعلومات» عن القرار السياسي والأمني المتّخذ بإحضار وهاب. وقد تكلّل هذا التوجّه بتأكيده، عبر محاميه معن الاسعد في المؤتمر الصحافي أمس، أنّ «ثمة مؤامرة إستهدفت «فرع المعلومات» والوزير السابق وهاب في الوقت نفسه».

أما الردّ على «محاولة الفصل» فجاء بعد أربعة أيام من بيت الوسط من خلال الصورة الجامِعة للحريري ومدير عام قوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان ورئيس «شعبة المعلومات» العقيد خالد حمود في كادر واحد! يُذكر أنّ بعض مناطق بيروت شهدت في اليومين الماضيين إنتشار صور لعثمان بتوقيع «أوفياء اللواء عثمان»، كذلك في بلدته الزعرورية.

وبالتأكيد، تكشف كلمة عثمان على هامش مؤتمر «إنجازات قوى الأمن الداخلي» جزءاً من حقيقة موقف مدير عام قوى الأمن الداخلي من «عملية الجاهلية»، حيث كان الأكثر حماسة لـ «تطبيق القانون»، قائلاً «نحن عندما نذهب لتوقيف الأشخاص نبدأ بإشارة قضائية وننتهي باشارة قضائية ونعرف حقوقنا، ونطلب منكم أن تعرفوا حقوقكم»، ذاهباً الى حدّ التأكيد «أنّ اصحاب الحق باستعمال السلاح بالامس لم يستعملوا حقهم قي إطلاق النار»، لافتاً الى أنّ «توقيف الأشخاص حقّ تنفيذاً لمذكرة عدلية أو تلقائياً في حال الجناية المشهودة».

حالياً، يتولّى القضاء العسكري عبر مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس التحقيق في حادثة الجاهلية، مع العلم أنّ عناصر «الشرطة القضائية» توجّهوا بعد 48 ساعة الى البلدة وأجروا تحقيقهم الميداني لكنهم، وفق المعلومات، تسلّموا DVR فارغ بسبب تعطّل كاميرات المراقبة، كما نقل عن وهاب.

وجرمانوس، وفق أوساط قضائية، سيتولّى الاستماع تباعاً الى كافة المعنيين بالقضية ومن بينهم المجموعة المسلّحة التي إنتشرت في محيط منزل وهاب وأطلقت النار في الهواء، إضافة الى المختار أجود أبو دياب الذي، نقل عنه شهود، أنه اعترف بوضوح أنّ «محمد بو دياب تقوّص برصاص رفقاتو».

وقد أوعز جرمانوس الى مفرزة الاستقصاء والتحرّي تحديد هوية كل مَن أطلق النار في تلك الليلة لاستدعائهم الى التحقيق والاستماع الى إفاداتهم، تمهيداً لإصدار قراره بتحديد المسؤوليات.

ولم يُحسم بعد إذا ما كان وهاب سيمثل أمام جرمانوس لأخذ إفادته، خصوصاً أنّ تصريحات «بالصوت والصورة» للوزير السابق كشفت تضارباً في مكان وجوده خلال حصول إطلاق النار.

ولا تزال تحيط بـ «عملية الجاهلية» تساؤلات عدّة أهمها لغز كاميرات المراقبة المزروعة خارج قصر وهاب خصوصاً أنها قادرة بنسبة كبيرة على حسم نتيجة التحقيق الذي يُجمع مطّلعون أنه سيكشف واقع أنّ عناصر المجموعة الذين توجّهوا الى المكان، وبقوا داخل آلياتهم، على مسافة بعيدة من مدخل القصر لم يطلقوا أيَّ طلقة رصاص، «فلو فعلاً حدث هذا الأمر كان سيقابل بكثافة نيران من جهة مسلّحي وهاب الذين إكتفوا بإطلاق عياراتهم النارية في الهواء»، برأي مطلعين. وبالتالي فإنّ كاميرات المراقبة في محيط منزل وهاب كفيلة أيضاً بحسم مسألة أن لا مداهمات حصلت للمنزل ولا إشتباكات حصلت بين القوة الامنية والمسلّحين، كما قال محامي وهاب في المؤتمر الصحافي.

ويجزم مطلعون أنّ ثلاثة عناصر حسمت حتى الآن واقعة أنّ أبو دياب سقط بالخطأ برصاص أحد رفاقه: الأول تقرير الطبيب الشرعي الذي فصّل وضعية إختراق الرصاصة من أعلى الصدر وإستقرارها في اسفل الخاصرة، والثاني أنّ الرصاصة التي إستُخرجت من خاصرة أبو دياب «كاملة» وغير متفجّرة، بناءً على تقرير الأدلة الجنائية، وهذا ما يعاكس أقوال وهاب بأنها متفجّرة، إضافة الى تمنّع وهاب عن تسليم تسجيلات الكاميرات.

وفي معطيات جديدة بشأن الحادثة تؤكد المعلومات، أنّ المعنيين في مستشفى الرسول الأعظم تمنّعوا في البداية عن الإفادة بوجود محمد أبو دياب لديهم، مع العلم أنّ تقرير الطبيب الشرعي يشير الى أنه دخل المستشفى عند الساعة الخامسة والربع، وقد أبقوا على تكتمهم الى حين حصول الوفاة، فأبلغوا المخفر، بعدها تولى الطبيب الشرعي كتابة تقريره وسلّم الرصاصة المستخرَجة الى الأدلّة الجنائية. وهنا تؤكد المعلومات، أنّ إدارة مستشفى الرسول الأعظم رفضت تسليم تسجيلات كاميرات المراقبة الى قوى الأمن.

ورداً على قول محامي وهاب بأنّ سيارات القوة الأمنية كانت مزوّدة بكاميرات على سطحها، مطالباً بتسليمها للقضاء، تجزم مصادر أمنية بأنّ «هذا الأمر غير صحيح، وأنّ السيارات المزوّدة بهذا النوع من الكاميرات لم تكن مشاركة في العملية التي نفّذتها «القوة الضاربة».

وقد طُرحت تساؤلاتٌ جدّية عن فارق الوقت الذي كان يمكن من خلاله إنقاذ ابو دياب لو تمّ نقله الى أقرب مستشفى في المنطقة بدلاً من «الرحلة» التي إستغرقها نقله الى مستشفى الرسول الأعظم. ولم يفسّر المعنيون هذا الأمر سوى بمحاولة لحماية أبو دياب من التوقيف كونه كان من مجموعة المسلّحين الذين أطلقوا النار!