IMLebanon

الإصغاء فنّ من فنون الحوار

كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:

“يقلقني مشهد شجار إبني وزوجته، إذ يتحوّل المكان إلى ساحة حرب، يرفعان صوتهما ويصرخان معاً في الوقت نفسه، ومن المؤكّد أنّ أحدهما لا يسمع صوت الآخر كأنّ الهدف مما يجري هو التعبير عن العنف والغضب، فتتغير تعابير وجهيهما، ما يشعرني بالقلق. ولطالما نصحتهما بالهدوء وإصغاء أحدهما للآخر، حتى إنّ ابنهما تأثّر بشكل كبير بهذه الدينامية، فهو لا يستمع لهما عندما يوجّهان الكلام له، ويتساءلان عن السبب»، قالت منتهى حول قلقها من طريقة التعاطي بين إبنها جورج وكنّتها تالا.

تقوم العلاقات الإنسانية على الحوار والتعاطف والإحترام، ولا شك بأنّ طريقة التعاطي مع الآخر تختلف بين شخص وآخر، فمن الناس مَن له ملكة التعبير عن الذات والإصغاء لرأي الآخر، لشكواه ومعاناته، إلّا أنّ ما لا نعلمه هو أنه باستطاعتنا تنمية القدرات الحوارية لدينا، وبالتالي التخفيف من حدة الإنفعال الذي تنتج عنه خسائر فادحة في حال فقدان السيطرة على الذات.

نظن بأننا بسكوتنا عندما يتكلم الآخر نعطيه الإهتمام اللازم، إلّا أنّ الإصغاء يختلف عن السكوت، فعندما نصغي نفهم ما يريده الآخر، نقدّر مشاعره، ننظر إلى ما يقوله من وجهة نظره هو، وليس نحن، بالإضافة إلى التعاطف والدعم المعنوي له، من خلال النظرات وحركات الرأس ووضع اليد على كتفه أحياناً، ما لا نستطيع فعله إذا كنا إنفعاليين ونتعاطى مع الأحداث والأمور بشكل شخصي.

المعلم الأول للإصغاء ونوعية الحوار الجيد هو البيت، أي الآباء والأمهات، فإذا كنا نفتقد القدرة على الإصغاء وفهم ما يجري من حولنا بهدوء، لا يمكن أن نطلب ذلك من أولادنا.

سوف يقول البعض إننا أحيانا نقفد السيطرة على ذاتنا بسبب ما يقوم به الآخر والظروف الراهنة، إلّا أنّ الحقيقة تكمن في السماح للمنطق لدينا بالتفوق على الإنفعال الذي يظهر من خلال الصراخ والضرب وتكسير الأشياء المنزلية والعنف اللفظي والجسدي وصولاً إلى أذيّة الآخر حتى الموت.

يعاني الكثير من الآباء والأمهات من عدم إصغاء أولادهم، فيكررون ما يريدون منعهم عنه، أي ما يستمرون بالقيام به مراراً وتكراراً، وعلى الرغم من العقاب نلاحظ بأنّ الأطفال لا فكرة لديهم عما يطلبه الأهل، ويتفاجأون من غضبهم وردود أفعالهم، فأين دور الأهل في ذلك؟ وكيف يؤسسون لحوار بناء يقوم على التعبير عن الذات والإصغاء؟

إليكم بعض النصائح البسيطة التي تساعد في تنمية القدرة على الإصغاء لدى الأبناء:

 

– كونوا المثل الذي يقتدي به أولادكم في الحوار والإصغاء الجيد.

 

– كرّسوا لهم الوقت كي تتحاوروا معهم.

 

– ليلعبوا دور المتكلم والمصغي.

 

– أتركوا لهم المجال كي يقولوا كل ما لديهم.

 

– أشعروهم بالأمان والثقة ليخبروكم بكل ما يقلقهم ويخيفهم فلا تسود الأسرار في العائلة.

 

– أتركوا كل الأمور الأخرى عند حاجتهم للإصغاء كالهاتف والضيوف والعمل المنزلي والتلفزيون.

 

– أنظروا في عيونهم بمحبة كي يشعروا بالأمان.

 

– ردّدوا على مسمعهم بأنكم تسامحونهم لو أخطأوا، وتحبونهم رغم ذلك.

 

– إبتعدوا عن اللوم والعصبية.

عندما لا يصغي لكم أبناؤكم، إلجأوا في البداية إلى المختصّين وتأكدوا بأنهم لا يعانون من مشكلة في حاسة السمع، إنتقلوا بعدها إلى إثارة اهتمامهم عبر ألفاظ وكلمات محببة وإيجابية، أشعروهم بأنهم مهمون بالنسبة لكم، فالأطفال لا يتعمّدون عدم الإصغاء؛ كما أنّ لنبرة الصوت المنخفضة سحرها في جذب اهتمام الآخرين كباراً وصغاراً، فاعتمدوها.

إذا كنتم تعانون من صعوبة في إصغاء أطفالكم لما تقولون إجعلوا أحاديثكم معهم واضحة، إستعملوا الجمل البسيطة والقصيرة، لا تنتقلوا من موضوع إلى آخر فيرتبكون، كما عليكم الدخول في صلب الموضوع بوضوح بعيداً عن اللف والدوران.

ليس انعدام الحوار وعدم القدرة على فهم الآخر وإيصال وجهة نظرنا بالأمر البسيط، فهذا يعدّ في صلب مدمّرات العلاقات الزوجية والعائلية والإجتماعية، لذلك، وفي ظل التحوّل في الحياة الإجتماعية، كوننا نعيش ضغوطات التغيير، أي الإنتقال من العادات القديمة إلى العادات الحديثة، لا بد لكل منا من استشارة الإختصاصيين النفسيين بهدف تمكين قدرتنا على الإستيعاب المنطقي والموضوعي بعيداً عن الإنفعال.