IMLebanon

العاصفة “عجاج”!

كتب جوزف طوق في صحيفة “الجمهورية”:

أنا مستعدّ لأن أجرف كل الثلج عن الطرقات الجبلية وافتح طريق عيناتا الأرز اليوم، وأشطف كل الطرقات الغرقانة بالمياه، وركّب سلاسل معدنية للسيارات العلقانة وخلّص ركّابها، لكن بشرط أن أعرف من يطلق أسماء فتيات على العواصف التي تضرب لبنان.

لو كنّا في سويسرا مثلاً أو فنلندا حيث ينتظر المصوّرون من عام إلى عام لالتقاط أجمل الصور الفوتوغرافية لجمال الثلج، كنّا تفهّمنا أن نطلق أنعم إسم على أشدّ عاصفة، لكن في الواقع نحن نعيش في بلد يمكن أن تهدم بنيته التحتية جارتنا «نورما» بدلو ماء من على راس الدرج.

بصراحة، بعد الذي شهدناه في اليومين الماضيين، ألا يمكن أن نتخايل أنّ مثل هكذا عاصفة كان يليق بها إسم عجاج مثلاً أكثر من نورما. وكلّما اشتد البرد وطافت الشوارع وعلقنا في السيارات، نتخايل عجاج أكثر وعضلاته والندوب على وجهه ويديه والسيجارة في فمه وشعره المنكوش، ونشتمه ونحن مرتاحون.

ماذا يدور في رأس ذلك الجالس على شبّاك مصلحة الأرصاد والمتابع بنَهم لشاشات الرادار، ماذا يدور في رأسه يا ترى لحظة يتحسّس مغصات السماء ويعرف أنّ الطبيعة دخلت في شهرها وتتحضّر لوضع مولود هائج على شرشف أبيض في بلد لا يجد فيه سريراً يحمله، ولا ممرضة تهتمّ به، ولا طبيباً يعالجه، ولا غرفاً تحميه، ولا أهلاً يتشتشونه، ولا حتى هواء لنفخ البالونات في الكوريدور.

ألا يعرف أنّ الأم والأب عندما يكتشفان أنّ مولودهما الجديد ستكون فتاة، يبدأ لديهما حلم بعيش أيام من الحنيّة والاهتمام والحبّ والتفاني الذي تجلبه معها إلى هذه الدنيا، فتعصف حياتهما بالورود والبالونات الزهرية، ويعيشان هاجس اختيار أنعم إسم لها، إسم يليق بأنوثتها… وأي أنوثة تخلّفها هذه العواصف، ما من امرأة تتصرّف بالمياه مثلما تفعل الغيوم ببلادنا.

ألا يعرف أنّ البلد هَشّ لدرجة لا يحمل فيها البلل، فكيف بالحري أمطار وثلوج وعواصف؟ ألم ينتبه إلى أنه كلّما برد الطقس وزادت ملابس اللبنانيين، كلّما تعرّى فساد المسؤولين واكتشف الشعب أنّ هؤلاء لا يمكن الاعتماد عليهم حتى في فتح قناة صرف أو كَنس كمشة بحص من الشوارع التي تحمل أسماء كثيرين منهم.

لم يعد يقتصر القرف الذي نعيش فيه على مخلّفاتنا ونفاياتنا وتلوّثنا، فحتى خير الطبيعة أصبح مرّاً علينا، وحتى الأمطار والثلوج التي انتظرها جدودنا وجدّاتنا والتي أبقتهم في هذه الأرض، أصبحت اليوم سببا إضافيا جديدا لاشمئزازنا من مجموعة «معمرجيي» لا يملكون من العدّة سوى المطرقة، ولا يأتون إلى الورشة سوى بعد حلول الظلام… فلم نعد بحاجة لمخيّلة لنعرف أفعال مطرقة هوجاء في الظلمة.

نورما لا تعرف كيف تغرق أوتوسترادا دوليا بالمياه، ولا كيف تهدّم حيطان دعم البلديات، ولا تشوّه الطرق الدولية الساحلية من الشمال إلى الجنوب… نورما لو وصلت إلى الأحياء الفقيرة في بيروت، لكانت غسلت أرجل أهلها المحرومين، ولو تساقطت ثلجاً على مخيمات المتروكين السوريين في البقاع لكانت تحوّلت مثلّجات في كاساتهم، ولو تزحلقت على سفوح جبال لبنان لكانت داعبت المزروعات والمواشي وأمسكت بيد الأنهار…

أتركوا إسم نورما للبلدان التي ترسم فيها الطبيعة أجمل اللوحات، واعتمدوا أسماءنا نحن الذكور لأنّ كل قطرة مياه تسقط ستخرّب وتدمّر وتشوّه وتمرّض، طالما المسؤول الدكر في هذا البلد هو الوحيد «يَلّي فوق راسو شمسيّة»، والمشكلة إنّو نحنا حاملينلو ياها.